معاذ ولؤي أيقونتا فلسطين والعالم الحر!

تابعنا على:   16:56 2021-01-05

بكر أبوبكر

أمد/ عن سير أبطال النضال والكفاح والوفاء يمكنك أن تجد في فلسطين اليوم آلاف القصص الصغيرة والكبيرة التي يقف لها العالم الحر إجلالا وإكبارًا فهي تهز ضمير كل العالم مثلها مثل آلاف الحكايات العربية قديما وحديثًا.

تسجل حكايا البطولة لك أنت المناضل العربي الفلسطيني، كل الفخار والإحترام والثقة حين تظهر من بين أخوتك تلك القيم الفدائية والنضالية والوفاء الذي لم نقرا عنه إلا في أخبار العرب القديمة.

ما يهزّني من الأعماق في منطقة البطولة الحقيقية في فلسطين الكثير، ولكن أكبرها وقعًا من أيام هو حادثة التقاسم للهواء الأسود في السجن الملطخ بإرهاب الصهاينة، فكيف لصديقين أن يتقاسما عمريهما بالتساوي في المعتقل ليخرجا معًا يدًا بيد منذ أيام في حفل مركزي مهيب في فلسطين؟

عن أصل الحكاية نقول:
حكم الاحتلال الصهيوني عام 2003م على البطل الصنديد معاذ مسامح بالسجن مدة 7 سنوات، وحكم على رفيقه وصديقه لؤي صوان بالسجن 21 عامًا، بتهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح، فترة الانتفاضة الثانية الكبرى انتفاضة الأقصى، انتفاضة الاستقلال، فتقدم معاذ ذو الحكم الأدنى بطلب أسطوري مفاجيء لم يسبق له مثيل بالتاريخ على حد علمي، وهو أن يتحمل 7 سنوات عن صديقه لؤي( )، ليصبح حكم كل منهما 14 عامًا ( ) في بادرة بطولة ووفاء وحب وعز وفخار تطير في الآفاق وتبقى عبر الزمن مثلاً لا نظير له.

أصرّالبطل معاذ مسامح لدى محاميه على هذه المقايضة الغريبة والنادرة والبطولية تاريخيًا، وفوجئت أمه عندما زارته لاحقًا! تلك الأم الصامدة العفية النقية البهية، فلم يكن منها إلا أن تقول له وهي دامعة العين: (الله يرضى عليك ويقويك)! فازداد معاذ بهذه الكلمات قوة، وازداد إشراقًا وازداد بهاء وصلابة صاحبته ورفيقه طوال فترة المعتقل.

ما كان لقلب الأم أن يقسو أبدا، ولكنها تعلم معنى الحب والوفاء وحقيقة القرار الذي اتخذ –برأينا- بين حوارات ذاتية مضنية وصراعات نفسية ودموع ومجاهدات لا حصر لها، فوُضع اسمها في سجلات الشرف والخلود.

تقاسم الأسيران لؤي صوان ومعاذ مسامح الحكم في السجن الرهيب، ولكنهما سجلا في جبين العالم صفحة من أنصع صفحات الضياء والبطولة والوفاء التي ستظل مضرب المثل عبر الدهور، ليقال: لست أوفى من معاذ، أو: الله لا يضعك مكان أم معاذ مثلاً، أو:الله لا يضعك مكان لؤي.

وتمر الأيام الكئيبة تحت ظلال أدوات القمع الرهيبة في المعتقلات الصهيونية -التي لم تهز شعرة واحدة من الانعزاليين العرب، أو المتكرشين والبغاة الساعين فقط للذائذ حياتهم البليدة وهم الذين لا يملكون من القضايا الا أتفهها،كما لم تهزهم آلاف حكايات البطولة والوفاء والعظمة في فلسطين- أفرجت السلطات الإسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2020م، عن الأسيرين البطلين ليكون كل منهما قد قضى 14 عامًا من الاعتقال...يا الله من أين لهما كل هذا الاحساس المتفوق، وكل هذه القيم وكل هذا الحب الدافق! وكل هذه البطولة وكل هذا الوفاء!

يقول الشاعر مسكين الدارمي:
أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ من لا أَخاً لَه/كساعٍ الى الهيجا بغير سلاحِ
لحا اللَه من باع الصديق بغيره/وما كل بيع بعته برباح.

بعد 14 سنة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، أصر الأسير الفلسطيني المحرر البطل لؤي بنان صوان (33 سنة)، من ضاحية ذنابة بمدينة طولكرم الفلسطينية، أن لا يذهب لرؤية أمه عقب الإفراج عنه، إلا بعد أن يقابل زميله في الأسر معاذ خالد مسامح (34 سنة)، من ضاحية شويكة من مدينة طولكرم أيضا.

في 27/12/2020م أفرجت سلطات الاحتلال عن لؤي من سجن النقب الصحراوي جنوب فلسطين، لكن لؤي أصرّعلى المبيت في مدينة الظاهرية، جنوب الخليل، وعدم العودة إلى منزله لرؤية والدته الصابرة قبل أن يرى صديقه معاذ والدته أولًا! حيث أقسم لؤي بالله أن لا تراه أمه الحبيبة ولا تحتضنه قبل أن يرى بنفسه تلك الأم الجبارة أم صديقه معاذ الذي حمل عنه ٧ سنوات سجن.

خرج معاذ من السجن في اليوم التالي، فطلب من لؤي أن يذهبا إلى والدته، فوصلا إلى طولكرم شمال فلسطين معًا، وقاما بالاحتفال بالإفراج عنهما في منزل البطل معاذ! وأمه العظيمة، في لفتات لم تنقطع طوال أسرهما. وتم لهما الاحتفال في موكب مهيب خرجت فيه البلد عن بكرة أبيها.

إن البطولة في فلسطين كما الرباط والثبات ومسيرة الكفاح آيات تسجل بأحرف من نار ونور، وفي فلسطين العربية فقط تركع الكائنات حيث الشمس تطلع من بين عيني صبايا البلاد ونظرات الأطفال المشتاقين ليوم بلا منظر المحتلين الباعث على الاشمئزاز، يعكر حياتهم وصفاء صورة فلسطين الجميلة.

ليست البطولة والوفاء فقط أن توجه البندقية صوب العدو الواضح، وليست هي فقط أن تدافع ضد كل الظلمة والمستعمرين بكل الوسائل فقط، وإنما تأتي مع البطولة المباديء والقيم، والثبات وفن العيش.

فأن تعيش لوحدك ليست بطولة، وإلا فلتكن مستهلكا متكرشا ضائعا فاقد اللون، ولكن أن تعيش لذاتك ولغيرك هنا مكمن السر، وأن تقاوم الموت يوميا هو البطولة وأنت تحاول أن تزرع وردة وتبحث عن لقمة خبز لأولادك.

اخر الأخبار