الفرنسيون "راجعين"... "نيو" مبادرة

تابعنا على:   10:36 2021-01-25

عبدالله قمح

أمد/ ضاعت المبادرة الفرنسية أو تكاد. يتردّد بين الفينة والاخرى أن الفرنسيين قد سحبوا مبادرتهم ذات الوجه اللبناني من التداول.

للحقيقة، أقل واجب ان يقدم الفرنسيون على فعلتهم تلك، طالما أن اللبنانيين قد مسحوا بالمبادرة الحيطان! يقود ذلك عملياً إلى إستبعاد حصول تأليف قريب للحكومة، وسيبقى الامر على ما هو عليه في ضوء القرار الفرنسي بـ"تفليت العجل على أمه!".

خلال الساعات الماضية، بعث الفرنسيون برسالة، مضمونها لوم السلطة على الإستمرار في نهج تعطيل تأليف الحكومة، وظاهرها توافر رغبة لديهم في القول إننا ما زلنا هنا. أغلب الظن أن الرسالة حملت ابعاد عدّة، موجّهة إلى الداخل الفرنسي وعبره نحو النطاق الغربي لفرنسا.

يُقال ان ما أقدم على فعله الفرنسيون منذ مدة، كان عبارة عن تجميد لمفاعيل المبادرة، ولم يتخلل تفعيل تلك الوضعية اي تواصل مع الجانب اللبناني. لكن الآن وفي ضوء المتغيرات التي طرأت، يدرسون محاولة لاستعادة الحيوية إلى مبادرتهم، لكن وفق مفاهيم إحياء جديدة تختلف عن السابق. ما يدفع إلى تبني هذا الجو، ملاحظتهم إندفاعاً اوروبياً صوب وراثة مبادرتهم.

في الواقع، تخشى فرنسا أن يسلب منها الدور في لبنان، او ان تتولى جهات اوروبية غيرها مقتضيات الملف اللبناني المحسوب تاريخياً عليها، وهي صاحبة النفوذ الثقافي والسياسي الحافل بالامتداد الاجتماعي في لبنان، لا سيما إذا ما كانت المحاولات ألمانية، اي من قبل الدولة التي ما زال يدور بينها وبين باريس سباق سياسي ودبلوماسي خفي ومحموم. وهنا لا يُمكن إعفاء إيطاليا من أدوار مشابهة ما دامها تتقاسم و باريس ملف اليونيفيل في الجنوب أو اغفال الشكوك حيال تولّد نوايا لديها للتمدّد في لبنان تحت عناوين الطاقة.

قبل أيام، قيل أن الفرنسيين أعادوا التواصل مع جهات في الجانب اللبناني في محاولةٍ منهم لدفع الأمور بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري إلى الأمام، على إعتبار أن لحظة الضغط السابقة قد تهاوت امام المتغير الذي طرأ في البيت الأبيض، لكن لم يجرِ تثبيت تلك المحاولة. على ضفة أخرى، نُقل أن الفرنسيين يدرسون قيادة مسعى لجمع الحريري بالوزير السابق جبران باسيل، على قاعدة أن الخلاف المستحكم يدور بين الجهتين، وفي حال تأمين مخرج بينهما، قد تنعكس نتائجه على الملف الحكومي فيؤدي ذلك إلى توفير ظروف ايجابية، رغم ان القصر الجمهوري ما برح يشدّد على ان لا علاقة للوزير باسيل في مسألة تأليف الحكومة ولا يتدخل.

في الواقع، الإشارات حول تدخل فرنسي أعلاه تفتقد إلى الدقة، فالمطلعون على الخط الفرنسي يؤكدون أن لا خطط تتولاها باريس لتأمين أي لقاء وفق اي شكل كان بين الحريري وباسيل، وهذا ليس من علاقة لفرنسا به، بل يجدر أن يتولاه لبنانيون، أي أن فرنسا تدعم خطوة كتلك "طالما أنها تصب في إطار تسهيل أمور مبادرتها" من دون أن تشارك فيها.

ثم إن فرنسا، كما يقال، "لا تدخل في التفاصيل اللبنانية بين المسؤولين"، بل تحصر تدخلها ضمن جهات رسمية ووفق مقتضيات المبادرة الفرنسية المتوافق على مضمونها في قصر الصنوبر بحضور سائر أقطاب المشهد السياسي اللبناني. أكثر ما يمكن أن تتولى فرنسا تأمينه هو الحض على حصول لقاء بين عون وباسيل، وفي بادرة لبنانية.

في الواقع، بيّنت الايام الماضية في ضوء ما تردّد عن مساعي، أن المبادرات الخارجية مجمّدة وإن البديل محلي. وهذا ما يفسر إندفاع كل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي وإلى حدٍ ما رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب (رغم أن أوساطه تنفي ذلك)، نحو تأمين ظروف مبادرة لبنانية تحل مكان المبادرات الخارجية أو تشكل دافعاً لها.

حتى الآن، لم يتم تأمين أي خرق، والرسالة الشفهية التي تردّد أن الحريري قد بعثَ بها إلى عون، تم نفيها، ما يعني أن الاستعصاء سيستمر. في المقابل، يندفع الحريري صوب فرنسا ومن المتوقع ان يزورها خلال الفترة المقبلة، في محاولةٍ منه للدفع نحو إعادة إحياء وتفعيل المبادرة.

عملياً، ما زال الحريري ينتظر دعوة من عون للصعود إلى قصر بعبدا، ويعتبر أن تلك تكفيه وتستبطن مفردات الاعتذار، لكن عون ما زال غير مرحب بذلك، وقد نقل إلى الحريري بشكل غير مباشر، أنه ليس في صدد توجيه دعوة بشكل مباشر له. هنا، يستطيع الحريري التوجه إلى قصر بعبدا متى أرادَ ذلك، والأبواب مفتوحة له!

هذا يعني ان عون يتحاشى توجيه دعوة إلى الحريري، وقد رفض طلباً من أجل ذلك إقترحه اللواء إبراهيم لعلمه أن الحريري سيصعد إلى القصر لكي يبحث بشؤون التشكيلة التي أودعها سابقاً، وعون يعتبر ان تلك التشكيلة ساقطة لا محال ولا داعٍ للبحث بها.

هنا تعود الكرّة إلى حيث بدأنا، فمفتاح الحلول يبدأ من تسوية الخلاف بين الحريري وباسيل اولاً، ويبدو من حديث "المستقبليين" أن ذيوله تطغى على كافة مفاصل الاتهام السياسي بين الجانبين. فالمطلوب "وسيط" يدخل بينهما، والسؤال "أين مبادرات علاء الخواجة".. وأين حزب الله الذي اشتغل قبل مدة على خط تخفيف الحدة بين الجميع، من دون ان يرتقي ذلك إلى الدخول في وساطة لإنهاء الاشتباك، ما زال الحديث عنها في الإعلام مترامي الأطراف من دون وجود أي إشارة.

عن "ليبانون ديبايت"

اخر الأخبار