حوار الفصائل و تغييب المواطن "2"

تابعنا على:   09:49 2021-02-08

جمال زقوت

أمد/ المواطنة و سبل اعادة بناء الحركة الوطنية

بالإضافة الى فشل برامج القوى المهيمنة على المشهد و صاحبة الولاية الحصرية على الانقسام ، فإن عدم الاقرار بهذا الفشل والاستمرار في ادعاء كل منهما في الحق بالانفراد والتحكم بمصير البلد و تمثيل الناس؛ قد أدى إلى انفصال كل منهما عن الواقع و تراجع ملموس في شعبية كل منهما، ففي الوقت الذي أُعتمدت فيه سياسة الاقصاء داخل المنظمة و التعامل معها كأنها ملكية خاصة للمهيمنين عليها والتفرد بقراراتها واغلاقها على نفسها لدرجة لم تعد الاجيال الشابة تلحظ مجرد وجودها بفعل تفكيك طابعها الائتلافي و دورها الكفاحي وتحوّلها لمجرد تابع للمتحكمين بالسلطة، كان الطرف الآخر من الانقسام يمارس ما هو أخطر؛ ويختطف جغرافيا جناح الوطن الجنوبي، ويغلق أبوابه تحت قبضته من خلال الانقلاب الذي يتحول يومياً الى حالة من الانفصال و تداعيات ذلك الخطيرة بل الكارثية ليس فقط على مكانة حقوق الانسان بل ومكانة ومصير القضية الوطنية برمتها. إن مدخل حل الأزمة الوطنية يستدعي الاقرار بأن مرحلة الانفراد من أيٍّ كان بالسيطرة على القرار الوطني قد انتهى إلى غير رجعة، و أن اختطاف جزء من الوطن كرهينة في معركة الصراع على التمثيل هي جريمة وطنية أسست لاضعاف مكانة التمثيل الموحد ومكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين الاقليمي و الدولي ، وهذان الامران فتحا شهية الاحتلال، و مكّنا اسرائيل التوسعية من استحضار أيديولوجية التأسيس العنصرية للحركة الصهيونية بوضع مخططات الضم ومنع قيام أي كيانية وطنية فلسطينية موضع التنفيذ . ترافقت هذه المعارك الداخلية مع اقصاء المواطنين على ضفتي الانقسام ؛ ففقدت القضية الوطنية سلاحها الوحيد ممثلاً بالمواطن الانسان و التحدي الاكبر هو كيف يمكن تحرير ارادة المواطنين من هيمنة الانقساميين و تفردهم بالمصير الوطني، وتمكين المواطن بأن يعود،كما كان دوماً ،سيما في مرحلة الإنتفاضة الكبرى عام 1987، باعتباره مركز العملية الوطنية ؛ هذا الامر يتطلب استعادة المبادرة من قبل الفئات الشعبية و رفض احتكار السياسة من الطبقة الحاكمة على ضفتي الانقسام ، والنضال الملموس لاستعادة كافة حقوق المواطنة التي تم دوسها في صراع المصالح ومعركة الصراع على التمثيل الانقسامية . لقد آن الأوان لكي تصبح المنظمة بمثابة الجبهة الوطنية الائتلافية التي تضم الجميع و الاقرار بالتعددية في اطار وحدة المؤسسات التمثيلية الجامعة، و مغادرة كل اشكال الاقصاء و الهيمنة و التفرد، و اتخاذ القرارات المصيرية بالتوافق و الحرص على روح الوحدة و الاجماع الوطني ، كما يستدعي اعتماد استراتيجية الصمود المقاوم على صعيد الحركة السياسية و في ميدان المواجهة مع مخططات الضم و الاستيطان و التهويد ومجمل استراتيجيات المشهد الاستعماري وسياسات الابارتايد الاسرائيلية. و التوقف عن اللهاث خلف وهم التسوية قبل استنهاض قوى المجتمع و تصويب ميزان القوى بصورة ملموسة، و قبل اعتراف اسرائيل المسبق بحقوق شعبنا الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية و مبادئ القانون الدولي.

ان أي معالجة جادة للأزمة الوطنية و المأزق الذي تواجهه القضية الوطنية يجب أن يأخذ بالاعتبار مضمون وجوهر النقاش الجاري في المجتمع و داخل المجموعات و الحراكات المجتمعية حول مدى العلاقة و ماهية الترابط بين الوطني و الاجتماعي ، فاستعادة الهوية والكيانية الجامعة يجب أن تكون في صلب الحوار الوطني ، فالنقاش حول بلورة الكيانية الجامعة التي تحققت سابقاً في اطار منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد لشعبنا و اسباب تراجع مكانتها في الوعي الجمعي العام، و سبل معالجة التصدعات التي تعيد لهذه الكيانية مكانتها و شروط هي عناوين البحث التي يجب أن تتصدر أعمال الحوار الوطني. والامساك بالاهداف المشترك "العودة و حق تقرير المصير لكل مكونات الشعب" ضرورة قصوى لحماية و اعادة توحيد الهوية الجامعة بديلاً لحالة التفكك التي تسود التجمعات الفلسطينية . إن هذا يتطلب العمل الفوري لانهاء الانقسام و تداعياته على اساس الاقرار بالشراكة و الوحدة الوطنية التعددية ، و هذا الامر بأيدينا من خلال اعادة بناء المنظمة على اسس ديمقراطية والتعامل الجدي مع متطلبات التغيير الجوهري في بنيتها ، والعمل الجاد لاستعادة ثقة الشعب في كافة أماكن تواجده بما في ذلك لاجئي الشتات ، وأبناء شعبنا داخل 48 بقيادتها الموحدة و هيئاتها التمثيلية الجامعة، الأمر الذي يتطلب بلورة صيغة هوياتية و برنامجية موحدة الاهداف العامة حتى لو تمايزت بالخصوصية ، بالاضافة إلى اعادة جوهر الصراع ابوصلها الاساسية مع الاحتلال و التمسك بروايتنا التاريخية في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني ، وما يتطلبه ذلك من استنهاض مراكز القوة الكامنة في المكونات الثلاث . أما الأمر الجوهري الآخر فهو اعادة تعريف العلاقة بين مهمتي التحرر الوطني و البناء الديمقراطي و الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية لشعبنا ، فدون اغفال المسألة الوطنية وتعقيداتها السياسية فان مركز العلاقة بين المهمتين هو سؤال المواطنة و مدى القدرة على اعادة المواطن الانسان لمركز العملية الوطنية لتمكينه من مغادرة الاحباط و حالة الانكفاء و الانتقال إلى المشاركة و الثقة بقدرته الفردية و الجمعية على انجاز مشروعنا الوطني الجامع ، فهذه العلاقة قائمة على بعدين يتمثلان باستحقاقات احياء الانتماء لهوية جامعة والاستجابة للمصالح والاحتياجات الفردية والجماعية المباشرة للمواطنين، من خلال الربط الملموس بين احتياجات الناس للصمود و ديمقراطية التمثيل الموحد ؛ فكلما تقدم مشروعنا الوطني كلما تقهقر الطابع العنصري لدولة الاحتلال و الابارتايد ، لقد تم ذلك في الانتفاضة الاولى لدرجة انه تم طرح حكم ذاتي ثقافي لجماهير 48 مثلاً ، ذلك كله بحاجة للامساك بمسألة حق تقرير المصير ووحدة المشروع الوطني و رافعته الاساسية الوحدة و الصمود المقاوم و التعددية ، واعلاء صوت و تظهير ملموسية المشروع التنويري الحداثي في سياق المشروع الوطني الناظم لنضال شعبنا ومعركته الطويلة لانتزاع حقه في الحرية و تقرير المصير .

و للحديث بقية ؛

كلمات دلالية

اخر الأخبار