مآل صعب مصير مجهول

تابعنا على:   08:51 2021-04-01

محمد أبو الفضل محمد

أمد/ نحن قاب قوسين من الأحتفال بعيد العمال ويأتي عيد العمال في الأول من شهر مايو من كل عام محملا بأمور باتت أعتياديه: التصريحات الرسمية والتى تشير إلى أنهم قلب الوطن النابض وعصب التنمية الشمولية وشرايين البناء والتحدي والأنجازات، وتحركات عمالية ما بين التأييد والتعضيد الرسمي للتصريحات ومعاهدات على الأستمرار في البناء والتنمية، والتنديد والتقريع لأحوالهم المعيشية والظروف المادية والحقوق العمالية، وأغانى عمالية تبثها الشاشات والمذياع تتغنى بـ"دور يا موتور"وغيرها، لتملأ الأجواء والفضائيات في مثل هذا اليوم من كل عام.
لكن، هذا العام ليس ككل الأعوام السابقة
فجائحة فيروس كورونا ألقت بظلالها، والخسائر أطلت برؤوسها، وأطراف المعادلة العمالية يجدون أنفسهم في عيد العمال في مواجهات تاريخية مع بعضهم بعضا ،البعض ممن كان يفترض أن يكونوا من المحتفلين بعيد العمال هذا العام يجدون أنفسهم فى أجازات أجبارية أو أنخفاض وتخفيض وتيرة العمل في مصانع ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحديد والصلب بحلوان والشركة الشرقية للأدخنة، إضافة إلى تسريح البعض.
والبعض الآخر أضطر إلى تغيير طبيعة العمل بعد ما توقف دخله بفعل الفيروس.
وآخرون فى المصانع والشركات الخاصة يجدون أنفسهم قابعين في بيوتهم، منتظرين ما ستسفر عنه مطالبات رجال الأعمال بالتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وجهود الدولة لتقديم مساعدات مالية مؤقتة، ومناشدات جمعيات خيرية لأهل الخير بالتبرع إلى هذه الفئة المتمددة المتشعبة التي تحوي ملايين العمال.
"ملايين العمال"، تلك عبارة مهلهلة تطل بعشوائيه وغموض رهيب في ظل الوباء الذي قلب معايير الاقتصاد رأسا على عقب، وعرى عورات قطاعات العمل من دون سابق هذا الجيش الجرار لن يجد في عيد العمال كثيرا من دواعي الأحتفال.
نسبة كبيرة جدا من عمال مصر تطل برأسها في عيد العمال هذا العام، وهي في حيرة من أمرها مثل عمال مصانع الشركة الشرقية للأدخنة بأبوتيج ومنوف والأسكندرية بعد منحهم أجازة أجبارية ودون معرفة بما سيؤل إليه وضعهم المستقبلى وأصابتهم بحاله من الألتباس والقلق .
كوفيد19 لم يكتفى بإلحاق الأضرار البالغة بغالبيةعمال مصر ممن أثر فيهم أنتشار الفيروس والإجراءات المتبعة لتطويقه من حظر وإغلاق، لكنه كشف الغطاء عن هذا القطاع العريض جدا البعيد عن الأعين.
فصورة عمال مصر في عيدهم فى 2021، شأنهم شأن بقية عمال العالم، لم تعد كما كانت من قبل.
لكن في مصر خصوصية من نوع مختلف. خصخصة الكثير من المصانع الكبرى على مدار العقود الأربعة الماضية،وأهتزاز صورة العمال بعد ما كانت جهود الدولة القصوى تبذل عقب ثورة يوليو 1952 لتبجيل وتعظيم الأيدي العاملة على حساب "الأيدي الناعمة"، وعادت الناعمة لتحتل محل الصدارة، ولو كان سبب نعومتها قلة العمل أو تدهور قيمة العمل أو كليهما
فكل الحوارات والنقاشات الدائرة فى هذه الآونة تدور حول سبل مد يد العون إلى عمال مصر المتضررين من آثار تفشي وباء الكورونا والإجراءات الأحترازية المتبعة، ما ألقى بظلال وخيمة على أماكن العمل من دون أستثناء.
وأقل عمال مصر تضررا هم العاملون في مصانع لم تغلق أبوابها بعد أحداث يناير 2011، أو تلك التي أغلقت ثم عاودت العمل بعد تحسن الأوضاع الأمنية.
صحيح، أن أزمة الوباء الحالية طالتهم بشتى الصور، حيث تخفيض الهدف والبدلات والحوافز مع إطالة ساعات عمل من دون مقابل، إلا أن كارثة على نطاق أوسع تدور رحاها بين الملايين من عمال مصر العاملين في مهن هامشية وأخرى موجودة بالواقع، لكن لا أثر لها على الأوراق الرسمية.
المسئولية المجتمعية تطل برأسها عبر جدال محتدم ،مسئولية دعم العمال المتضررين من مغبة الفيروس وإجراءاته التي أغلقت أعمالا وخفضت الدخل المادى، وخففت وتيرة العمل، وأقعدت البعض تماما تتجاذبها أطراف عدة، ملقية بها تارة في ملعب المسئولين ورجال الأعمال، وأخرى في حلبة الوزراء المعنيين ورئيس الحكومة، وثالثة في الحسابات المصرفية لأهل الخير.
مناشدات أهل الخير اليوم لم تكتف مع قرب شهر رمضان من دغدغة مشاعر الصائمين الراغبين في مضاعفة الثواب والتقرب إلى الله بأعمال الخير الموجهة إلى الفقراء، بل أرتدت ثوبا إضافيا ألا وهو لون مساندة العمال.
وعاد الجدل المحتدم وتصاعد خلال الأيام القليله الماضية بين فريق يرى أن على رجال الأعمال من أصحاب المصانع تحمل مسئولية العمال المتضررين من باب المسئولية المجتمعية ولا سيما أنهم ظلوا عقودا طويلة يجنون ثمارا من الأرباح الطائلة الناجمة عن عمل الملايين من هؤلاء، وهناك فريق آخر يرى أن مهمة دعم وإنقاذ ملايين العمال في ظل الجائحة لا يجب أن تلقى بالكامل في مرمى رجال الأعمال، وكونهم أثرياء لا يعني بالضرورة تحملهم مسئولية الفقراء، وفريق ثالث يؤكد أن المسئولية يجب أن تكون "حكومية بحتة"، بأن تتكفل بهم الدولة من الألف إلى الياء،
فأبتغاء وجه الله تعالى وحمل الأرواح على الأيادي ومشاعر الأمتنان والتقدير لا تغني عن أبتغاء المال، لضمان الأستمرار في البقاء على قيد الحياة وعدم الأنزلاق نحو مزيد من الفقر وبالتالى مشاكل مجتمعية عدة .
تقرير صادر عن اللجنة الأقتصادية والأجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) يشير إلى أن 8.3 مليون شخص سيدخلون دائرة الفقر في المنطقة العربية نتيجة تفشي فيروس كورونا، كما يتوقع أن تفقد المنطقة نحو 1.7 مليون وظيفة على المدى القريب ،فبات من الضرورى والحتمي مراجعة سوق العمل.
هناك دراسة عنوانها "خلق فرص عمل أم امتصاص عمالة؟" صادره عن "منتدى البحوث الأقتصادية في عام 2018 تشير إلى أن جانبا كبيرا من فرص العمل في مصر خلق أستجابة إلى الضغوط المتزايدة من عرض الأيدي العاملة الكبير ومحذرة من أن خلق الوظائف في مصر يعتمد بشكل رئيس على "العمالة غير الرسمية في المصانع الصغيرة من دون الألتفات إلى حجم الإنتاجية".
كما ترى الدراسة أن هذا يؤكد أن دور الأقتصاد غير الرسمي يقتصر على كونه وسيلة لأمتصاص العمالة الزائدة على الحاجة في الأقتصاد الرسمي، وهو ما يتطلب تغييرا في نوع الأنشطة الأقتصادية ومجالات الدراسة فى المدارس الفنيهوالتدريب والمهنية.
فى 2021 ستتضاءل أصوات المتباكين ممن ينتهزون عيد العمال فرصة للفت الأنتباه إلى الحقوق المهدرة للعاملات من النساء، أو تسليط الضوء على عمالة الأطفال، أو الأدوار النقابية الغائبة في مجال ضمان الحقوق العماليه، وجدليات النقابات المستقلة في مقابل الرسمية، ولا صوت يعلو في يوم العيد على أصوات تضرب أخماسا بأسداس حول مصير ملايين العمال، بين عمال دائمين وموسميين وباليومية وبطالة مقنعة، وأخرى هامشية، وثالثة مضطرة إلى خوض مجال الديليفري وغيرها لحين زوال الجائحة.
إلا أن هذا لا يمنع من أن أصوات أبطال فيلم عيد العمال "الأيدي الناعمة" ستصدح عبر شاشات الفضائيات، مذكرة الملايين بما كان عليه وضع العمال وقيمة العمل في الخمسينيات والستينيات، وما طرأ عليه من تغيير بفعل تدهور التعليم والتعليم الفنى خاصه وتجريف العقول وقلب موازين الأولويات في السبعينيات والثمانينيات وحتى أحداث عام 2011، لتبدأ مصر في لملمة أوراقها ودراسة أوضاعها لإعادة البناء والأتجاه نحو التنمية الشمولية .
لكن يأتي كوفيد19 ليلقي بظلاله على الجميع وبدرجات متفاوتة، لكن للعمال نصيب الأسد دوما رغم أنف عيدهم.

كلمات دلالية

اخر الأخبار