غزة تربح فى الإعلام

تابعنا على:   13:03 2021-05-23

ياسر عبدالعزيز

أمد/ سيحق للطرفين المتحاربين فى غزة ادّعاء الانتصار، بما يستلزمه هذا من الاحتفال، وتوزيع الحلوى، والمباهاة، وإرسال الشكر إلى وسيط التهدئة، والجهر بالامتنان للحلفاء والداعمين والمؤيدين.

لا تفتقد «حماس» إلى ذرائع عديدة لإعلان نصرها بطبيعة الحال، ومن حقها أيضًا أن تعدد النقاط: الصمود، وتغيير قواعد الاشتباك، واختراق القبة الحديدية، وفرض القضية مجددًا على أجندة العالم، المأخوذ بقضايا وتوترات أخرى.

أما إسرائيل، فيمكنها القول إن «نتائج العمليات على الأرض بعد 11 يومًا من القتال المرير تركت نحو 240 قتيلًا فلسطينيًا فى مقابل 12 إسرائيليًا فقط، وقد فقد الآلاف من سكان غزة منازلهم، وتم اغتيال عدد من القادة المؤثرين، وإلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية للقطاع، واصطياد معظم الصواريخ التى أُطلقت على المدن والبلدات الإسرائيلية».

من جانبى، أرى أن «حماس» انتصرت بشكل واضح. وبلغة كرة القدم، فإن الاستحواذ وكثافة الهجمات على مرمى المنافس لا يعنيان شيئًا قياسًا بتسجيل الأهداف، وما حدث حقيقة أن «حماس» سجلت أهدافًا أكثر بشكل يكفى تمامًا لإعلان انتصارها، وحتى لو كانت إسرائيل قد كسبت فى ميدان المعركة بحسابات الخسائر المادية المجردة، فإنها بكل تأكيد خسرت الحرب.

تلك هى المعركة الرابعة بين الجانبين فى نحو 13 عامًا، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة بطبيعة الحال، ورغم أن سيناريو المعارك الأربع يتشابه إلى حد كبير، وربما لا يختلف إلا فى طبيعة شرارة البدء وجردة الخسائر البشرية والمادية، فإن تلك المعركة الأخيرة حققت اختراقًا كبيرًا لمصلحة قطاع غزة، وهو اختراق سيكون له أثر استراتيجى فى المواجهات المقبلة سواء كانت حربًا أو مفاوضات أو تضاغطًا سياسيًا.

الاختراق الذى حققته غزة فى تلك المعركة يتصل بقدرتها على إعادة صياغة الطريقة التى تُقدم بها القضية الفلسطينية فى الإعلام العالمى، وما استتبعه ذلك من تغيير واضح فى توجهات الرأى العام الدولى ونظرته إلى الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، وتأثير ذلك فى البرلمانات والأحزاب السياسية والمجتمع المدنى والمنظمات الدولية والقادة.

والآن أضحى بوسعنا أن نسمع رئيس دولة مهمة، ليست عربية أو ذات أغلبية مسلمة، يصف النظام الحاكم فى إسرائيل بأنه «نظام فصل عنصرى»، وأن نجد لهذا التنميط صدى فى خطاب بعض منظمات المجتمع المدنى الدولية المرموقة، وأن نشاهده آلاف المرات على مواقع «التواصل الاجتماعى» بلغات عدة.

كانت إسرائيل واعية طوال الوقت بضرورة صيانة صورتها الذهنية فى الإعلام الدولى، ولعقود طويلة من تاريخ الصراع عدّت هذا الميدان ساحة مواتية لها، وحققت فيه انتصارات عديدة. لم تفوت إسرائيل أى فرصة لوصم الفلسطينيين بالإرهاب، والترويج أنها دولة قانون وديمقراطية تعيش فى محيط من الاستبداد، وقد جَنَت بسبب شيوع تلك الصورة مكاسب كبيرة، وكبّدت الفلسطينيين والعرب جميعًا خسائر جَمّة، مستفيدة من انحياز منهجى ظل مهيمنًا على التغطيات الإعلامية الدولية للأزمة لنحو 70 عامًا. لقد طرأ تحول جوهرى على البيئة الاتصالية العالمية المواكبة للنزاعات فى العالم، وهو التحول الذى يمكن تلخيصه فى زيادة اعتماد الجمهور العالمى على منصات «التواصل الاجتماعى» لمتابعة القضايا الساخنة وتكوين الرأى إزاءها، فى مقابل تراجع الاعتماد على وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية.

ثمة العديد من الانتقادات التى يمكن توجيهها إلى «السوشيال ميديا»، فى إطار مواكبتها أحداث غزة الأخيرة، لكن تلك المنصات بدَت أقل قابلية للتعتيم والرقابة والاختراق من قِبَل إسرائيل والمصالح الدولية المؤيدة لها.

ومن جانب آخر، فقد برهن مستخدمو تلك المنصات من العرب وغيرهم على امتلاك قدرات كبيرة للالتفاف على محاولات الضبط والتقييد والتعمية، التى بذلتها بعض شركات التكنولوجيا العملاقة المُشغِّلة لهذه المنصات، بالشكل الذى جعلها ميدانًا تكسب فيه القضية الفلسطينية وتخسر إسرائيل.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار