
حبيبتي وجها لوجه أمامها على طاولة في مطعم

منجد صالح
أمد/ كان مساءً جميلاً رائعاً، عاطفيّاً صادقاً، مُتلفّعا مُتدثّرا بخلجات المُهجة والروح.
تُصاحبه موسيقى أجنبية عربية شاعريّة.
يحفُّه نغمُ الشعرِ ورونقُ النثرِ وتجلّيات الأدب والأدب والتهذيب والنقاء والصفاء.
لأوّل مرّة، مساء أمس، أنا وهي وجها لوجه على طاولة في مطعم "دهب"، في حي الطيرة، في ضواحي رام الله والبيرة، المُشتعل والمُحتدم نشاطا وحركة ومقاهي ومطاعم وكافتيريّات حديثة مُنمّقة مُنسّقة.
تتنافس في جودتها وفي تقديم خدماتها وأشهى أطعمتها، ولكنها تتنافس أيضا في غلاء وجباتها ولائحة طعامها.
لقد جلسنا قبلا وسابقا عشرات المرّات بل مئات المرّات وربما آلاف المرّات في مطاعم مشابهة ومختلفة، في مدن وبلدان وقارّات مع العائلة، العائلة الكاملة المتكاملة.
لكن مساء أمس كانت أوّل مرة تسنح لي فرصة أن أجلس مع حبيبتي لوحدنا متقابلين وجهاً لوجه، على الطاولة في المطعم الأنيق الظريف.
لأول مرّة مع حبيبتي في مثل هذا الظرف والمكان والزمان.
مع حبيبتي، قطعة من روحي ومهجتي، قمري وشمسي ونسيم بحري وبرّي.
تسري في شرايينها وأوردتها ذات فصيلة دمي، تُشبهني وتشبه أفرادأ من عائلتي في الوجه والقدّ وحركات اليدّ وإيماءة الأصابع والعينين وقفزة الساقين.
قبل مدّة كتبتُ قصيدة عنها ولها وهي مُنهمكة في إمتحانات المدرسة، قصيدة جميلة: "غزالة ابنتي"، نُشرت في صحف إلكترونية أكتب فيها.
وجاء فيها:
"... أتأمّلها .. ما شاء الله
صبيّة ابنتي شامخة الإباء
ناعمة رقيقة كفراشة
طويلة القدّ دقيقة القسمات
يا رب زدها من عطائك والبركات
شخصيّتها جدّية كلبؤة قليلة الكلمات ...".
قرأتُها أنا لها وقرأتها هي، شعرت هي بالفرحة ولكن ربما بالخفر أكثر.
بعد عدّة أيّام سألتها:
- هل أرسلت القصيدة إلى صديقاتك في المدرسة على "الواتس آب؟؟"
فأجابتني بمزيد من الخفر وبقليل من التحرّج مصحوبة بإبتسامة مُستترة:
- أبي، لقد كنت مشغولة كما تعرف في الإعداد لإمتحاناتي!!.
لم أراجعها في الموضوع بل فهمت خفرها وتكتّمها واحترمت تفكيرها ورغبتها ووجهة نظرها.
تناولنا غداء خفيفا: سندويشتين وسلطة يونانيّة. وشربت هي عصير ليمون مع النعناع وشربت أنا عصير جزر.
تحدّثنا طويلا ومُطوّلا في مواضيع متعدّدة وشتّى.
كانت الدقائق تجري بسرعة وكأنها فارسات يمتطين أحصنة عربيّة أصيلة يتسابقن في مضمار الزمن.
انتبهنا للزمن عندما رنّ جرس الهاتف النقّال يصرخ بقوّة.
على الطرف الآخر من الأثير انطلق صوت زوجتي، والدة ابنتي كارمن وابني حمّوده، يُذكّرنا بأنه مضى علينا ثلاث ساعات منذ خروجنا من البيت لشراء أغراضٍ تحتاجها لتحضير الغداء!!!