المعارضة الحزبية الفلسطينية وعبقرية الفهم المقلوب

تابعنا على:   16:10 2021-07-10

د. رمزي النجار

أمد/ في ظل التطور الاجتماعي وتطور الديمقراطية على المستوى العالمي وأهمية تكوين الأحزاب للارتقاء بمستوى الحكم في الدولة، أصبحت الأحزاب السياسية ظاهرة مهمة يصعب التخلي عنها في أي نظام سياسي، فالحزب السياسي عبارة عن تنظيم دائم يتحرك على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي، ويهدف إلى الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة.

 وبالتالي جاءت الأحزاب لحماية ورعاية النظام السياسي وتفعيل الحياة الديمقراطية من خلال السعي إلى السلطة والوصول إلى البرلمان وحماية حقوق وحريات المواطن وضمان استقرار وأمن الوطن نحو تحقيق التنمية والتطوير، وبشكل عام تقوم الأحزاب السياسية في أي نظام ديمقراطي بمجموعة من الوظائف والمهام دون التمييز بين أحزاب السلطة أو المعارضة، فجميعها تمارس نفس الوظائف والأدوار، كما يظهر دور الأحزاب في التأثير على قرارات السلطة الحاكمة بموقف المعارضة بالتعبير عن الرأي المخالف والنقد للحكومة، استنادا لبرامجها واعتماداً على تملكه من وسائل للضغط على الحكومة للاستجابة إلى رغبات الجماهير في التغيير نحو الأفضل، وتمارس دور المعارضة لما تتمتع بها من حصانة قانونية تضمن لها حق العمل والنشاط وحرية التعبير عن الرأي، باعتبارها جزء من النظام السياسي وليست خارجة عنها، وغالبا ما تكون المعارضة للنهج الذي تتبعه الحكومة في ممارسة السلطة والتوجيهات السياسية التي تعتمدها، وهذا يعني أن المعارضة لا تتعرض إلى مؤسسات الدولة والمؤسسات الدستورية القائمة، وتبقي هذه المؤسسات عن منأى التغيير.

وبذلك يمكن القول أنه أصبحت الأحزاب السياسية ضرورة ديمقراطية ولا يمكن إلغائها، والمعارضة جزء أساسي من الحياة السياسية للوصول بالمصلحة العامة إلى أقصى مراميها، وهى انعكاس للمبدأ الديمقراطي للحريات العامة مما يلزمها حتما إتباع أسلوب الوسائل السلمية والديمقراطية في نشاطها من أجل الوصول إلى أهدافها ووظائفها، ويجمع الفقه الدستوري على حظر ارتباط الأحزاب السياسية مع الخارج، وذلك للمحافظة على استقلالية الأحزاب داخل أوطانها بحيث لا تصبح مجرد فرع تابع لحزب سياسي أو منظمة أو جهة أجنبية، وأيضاً فيه حماية لمصالح الدولة التي توجد فيها تلك الأحزاب، بحيث لا تعمل تلك الأحزاب ضد مصالح أوطانها ولا تتحول إلى أداة بيد أطراف أجنبية تدعمها وتمولها لإلحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية والدبلوماسية بالدولة أو رموزها ومؤسساتها.

وفي الحالة الفلسطينية حديثة العهد بالأحزاب السياسية والانتقال الديمقراطي وللتحول للنظام الديمقراطي البرلماني كفل القانون الأساسي الفلسطيني حق تكوين الأحزاب السياسية في المادة الخامسة منه والمادة السادسة والعشرون، ومشروع مسودة دستور دولة فلسطين أكد على حرية تشكيل الأحزاب السياسية في المادة الثامنة منه والمادة الرابعة والخمسون، كما أتاح مشروع قانون الأحزاب السياسية الفلسطيني لكل فلسطيني الانضمام إلى عضوية الحزب، والنص صراحةً على ذلك في المادة السادسة أن "كل فلسطيني أو فلسطينية، يستطيع أن يكون عضواً في أي حزب، وضمن القانون حماية الأحزاب السياسية وشرعيتها، ونحن بحاجة إلى معارضة سياسية لان هناك قاعدة في النظم الديمقراطية تقول انه "لا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة سياسية فعلية" "ولا ديمقراطية حقيقية بدون تعددية حزبية"، لذا فإن المعارضة السياسية ترتبط في جزء كبير منها بالأحزاب السياسية، وتعد حاجة ضرورية في واقع الحياة السياسية لتقوم بوظائف الرقابة على أحكام الحكومة والتجنيد السياسي وتوعية وتأهيل المواطنين للمشاركة السياسية، وتكوين وتوجيه الرأي العام والحوار والمناقشة والاقناع والتجمعات والمظاهرات السلمية وتجميع المصالح في إطار أحكام الدستور والقانون.

وبناء عليه؛ نرى أن أهمية المعارضة السياسية تكمن أساساً في الدور الذي خولها إياها الدستور والمتمثل في تنظيم وتأطير المواطنين وتمثيلهم لتكون بذلك دعامة أساسية في بناء صرح الديمقراطية، وتعزيز دعائم دولة الحق والقانون، وتقوية ركائز دولة المؤسسات وترسيخ قيم المجتمع النبيلة وتحصينها وتجسيدها من خلال المشاركة الفعلية والفعالة في الحياة السياسية، والمساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي في الحياة السياسية، ويكون ذلك بنقل مطالب المواطنين وشكواهم للسلطة القائمة والمطالبة والضغط على تحقيقها، وبذلك تعمل المعارضة على ترشيد الخلافات بين السلطة والشعب والحفاظ على النسيج الاجتماعي، مما يبعد المواطنين عن استعمال العنف للتعبير عن مطالبهم ورفضهم للوضع القائم، واستخدام أساليب التخوين والتكفير والسب والشتم، فالمعارضة ضمانه أساسية لاحترام الدستور وسيادة القانون والحفاظ على تشكيلات السلطة وأدوارها المختلفة، واحترام مسؤوليات كل سلطة تجاه الوطن والمجتمع.

وتأسيساً على ما سبق؛ للأسف الشديد لم ترتقي المعارضة السياسية الفلسطينية الى مستوى التطبيق الفعلي في الحياة السياسية الفلسطينية لأن عينها على كرسي الحكم وعدم اتسامها بالمصداقية، بل فهمت وظائفها وأدوارها بالمقلوب، أي قلبته رأساً على عقب لتقرأه من الأسفل إلى أعلى، وكأنها لا تستطيع فهم أدوار المعارضة إلا مقلوبا، وظن المعارضون بما أنهم موجودون بفضل إمكاناتهم العبقرية، وتناسوا أن المواطنة أساس وجودهم، أساس الدولة وتأسيس الأحزاب، وبالتالي عليهم وضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتباراتهم ومصالحهم الحزبية، وعدم حرف المعارضة مسارها الطبيعي بتبنيها منحنى فكري متعصب أو قومي أو ديني، وضرورة وضوح دورها ، وأن لا تجعل من نفسها معارضة فوضوية، أو تحول المعارضة إلى معارضة بأشياء شكلية بسيطة، فالمعارضة السياسية هي ظاهرة سياسية نسبية، حجمها ومدى نشاطها يعتمد على مقدار الحركة والسلوك السياسي، وقدرتها على تشكيل معارضة تتسم بالمصداقية، فالمعارضة كمفهوم سياسي وفي إطار التعددية الحزبية تعني طرح المشاريع ‏المختلفة أمام المواطنين والمواطنات لاختيار أفضلها وأكثرها توافقا مع ‏مصلحتهم في مجتمعهم؛ لذا فإن الأحزاب التي تدعى بأحزاب المعارضة تقوم بالنقد من ‏أجل تفعيل الإمكانيات لتحقيق التطوير والتطور، وليس بقصد التجريح والمس ‏بكرامات هذا أو ذاك، ونحن في عصر لم يعد العمل الحزبي فيه خطبا عصماء وشعارات منمقة، بل حالة تكاملية في وضع الحلول الممكنة التي تقترح لصنع التنمية المادية والثقافية والفكرية.‏

وباعتقادي أن المعارضة الفلسطينية لم ‏تقدم النموذج الذي يمكن أن تتماهى معه، وتتصرف وكأنها ليست جزءا من المجتمع المدني، ولم تأسس لمفهوم التعددية وأخلاقياتها من ‏أجل تدقيق مفهوم المعارضة باعتبارها ذات طابع مدني سلمي ثقافي، سياسي ‏وحضاري، لغياب التربية السياسية السليمة لأعضائها، ويكفي أنها فشلت فشلا ذريعا في تأثيرها في القضايا الوطنية واستنهاض الجماهير خاصة في إنهاء الانقسام، ولم تمتلك الشجاعة في اجبار الفرقاء على تنفيذ اتفاقات المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية للحفاظ على منجزات الدولة الفلسطينية، والكيل بمكيالين في قضايا الحريات العامة بين شطري الوطن، وبقيت امتدادا لتعدد الأغراض والمصالح ‏الخاصة، وللفكر المتزمت، وأعادت إنتاج سلوكات، وأفكار وممارسات غريبة عن مجتمعنا، واستغلال الأحداث والأخطاء في السلطة وخلق الاتهامات المسبقة المفبركة والمظللة للرأي العام وتجنيدها لمصالح حزبية ضيقة، ويلاحظ بشكل مؤسف أنها اختزلت دورها في مهمة واحدة هو اسقاط السلطة وتقديم نفسها البديل لتحل محلها، وعدم الاكتراث في تقويم تطوير ورقي النظام السياسي الفلسطيني ومسيرة التحول الديمقراطي.
لذلك يمكن القول أنه في ظل مناخ الانقسام ووفقا لمعطيات الواقع السياسي أن المعارضة السياسية الفلسطينية بوضعها الحالي معارضة هدامة وليست بناءة، وكشكل مستورد من الخارج لابتعادها عن أخلاقيات المعارضة الوطنية، وأضحت مجموعات سياسية وكرديف لتقسيم المجتمع، ونتيجة لذلك حدثت نوع من الريبة والخوف والتخوين بين الأطراف المختلفة، وإذا أرادت المعارضة النجاح عليها العمل كمعارضة سلمية تؤمن بالنظام السياسي القائم وتعمل كي يكون بصورة أفضل.

 وأن تكون ذات مسعى طيب، وتستخدم في مسعاها الكلمة والقلم وكل الوسائل الشرعية، وهذا العمل هو جزء من المهام التي تقوم بها المعارضة، وعليها أن لا تنسى أنها ليست معصومة، وما دام الخطأ وارداً فإن تدقيق الأداء لتمييز الخطأ من الصواب يعد أمراً في غاية الأهمية، فالمعارضة المبصرة تسهم في الانضباط السلوكي وتنفيس الاحتقانات، والمساهمة في نجاح التحول الديمقراطي الفلسطيني، وخلق تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية لغرض توطين الديمقراطية سياسيا، والتفاعل مع كل القوي والأحزاب السياسية لتقديم برامج وحلول ومعالجات وتبدأ بحوار موضوعي هادئ يصل إلى نتائج جدية مؤثرة وفاعلة في الميدان وعلى أرض الواقع السياسي خدمة لمسيرة بناء الوطن والإنسان.

اخر الأخبار