الثابت والمتحرك في السياسة

تابعنا على:   23:24 2021-08-02

عمر حلمي الغول

أمد/ من بديهيات العمل السياسي في مختلف اشكال الصراع وبغض النظر عن طبيعة ومحتوى التناقض مع الآخر، يفترض بالسياسي إمتلاك ورقتين أساسيتين بيديه، الورقة التكتيكية والأخرى الإستراتيجية، كلاهما مرتبطتين ببعضهما البعض، لا يمكن الفصل بينهما، لإن البعد التكتيكي مشتق من الإستراتيجي، ولا يحيد عنه، لا بل تعتبر نقلاته التدريجية، وعمليات الصعود المتوالية والمتراكمة بمثابة رصف لطريق القوى السياسية الاجتماعية أو القومية نحو الهدف الأساس وفقا لشروط الصراع الذاتية والموضوعية.

مع ذلك لا يمكن التعامل مع اشكال الصراع بنفس السوية، وبذات المرونة والتبسيط، فهناك صراع، وهناك صراع إن كان تناحريا او عاديا، بتعبير آخر تناقضا تباينيا، او اقل حدة على المستويين الاجتماعي والقومي. في الصراع القومي من الطبيعي ان يكون الصراع تناحريا، ولا يمكن إلا ان يكون كذلك، ويخطىء من يعتقد او يفترض ان الصراع مع عدو محتل للأرض، ومغتصب للتاريخ والحقوق والهوية يمكن ان يكون صراعا تباينيا، لا بل ان من يقع في هكذا تصنيف خارج دائرة الوطنية، لإن تعبير أو مفهوم الخطأ والصواب، لا يتوافق نهائيا هنا في وسم طبيعة الصراع. كما النموذج الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، لا يمكن وصفه إلآ بالصراع التناحري العدائي، لانه قام على النفي والتطهير العرقي والمذابح وجرائم الحرب المتعاقبة، فضلا عن ذلك، بعد ان قدمت القيادات الفلسطينية التنازل، وقبلت باقل مما منحها إياه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في تشرين ثاني/ نوفمبر 1947رفض العدو الصهيوني الإقرار بالحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني، ويُصر على التمسك بروايته الإستعمارية المزورة والملفقة. وبالتالي تحتم عملية الصراع على القوى المنخرطة في الكفاح الوطني التحرري ( إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد) ان تحدد الهدف الإستراتيجي دون مواربة او بعيدا عن المساحيق والتسطيح، حتى لو تم مرحلة الكفاح التحرري، فهذا لا يتناقض مع الإعلان الدائم للهدف الإستراتيجي لإن عملية التمرحل هنا لا تسقط من يد صانع القرار هدفه الإستراتيجي، ولا تغيبه للحظة في سياق تطور العملية الكفاحية التحررية، لا بل ان الضرورة النضالية، والمصلحة الوطنية القومية تحتم إبقاء بوصلة الثورة مصوبة نحو الهدف الثابت (الإستراتيجي).

واذا توقفنا امام العملية الكفاحية الوطنية، فإن المرونة السياسية مطلوبة، ولا تستقيم السياسة دون صعود وهبوط وفق شروط اللحظة السياسية، وتطور المواجهة مع العدو الصهيوني. ولكن المرونة لا تعني هنا إغماض العين عن الهدف الإستراتيجي لكفاح الشعب العربي الفلسطيني، وعدم التأكيد عليه في كل خطوة تكتيكية. لإن كثير من المراقبين عندما يسمع هذا القائد او ذاك يتحدث عن بعض المطالب التكتيكية في إدارة الصراع، يعتقدوا ان القيادة الفلسطينية الشرعية غيبت هدف الإستقلال السياسي الناجز لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194 والمساواة الكاملة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وتنازلت عما اكد عليه الرئيس محمود عباس الف مرة وفي كل خطاباته، خاصة عقد المؤتمر الدولي بصلاحيات كاملة لفرض استحقاقات عملية السلام بوقت ورزنامة زمنية محددة لا تزيد عن عام بحد اقصى، وينحو هذا البعض إلى الإفتراض، بأن هناك من يسوق للحل الاقتصادي. وهذا بالتأكيد لا أساس له من الصحة.

ولكن لا يكفي ان أؤكد انا او غيري على ما تتمسك به قيادة الشعب الشرعية، انما مطلوب بشكل ثابت ومتواصل التأكيد على المؤكد في الثوابت الإستراتيجية من قبل القيادة نفسها. لا سيما وان الأقطاب الدولية وللأسف بعض الأشقاء العرب ذهبوا بعيدا في منطقهم التصفوي للقضية الفلسطينية، وللاهداف الوطنية الفلسطينية، ويقوموا بعملية ترويض تدريجية للقيادة والشعب لفرض الحل الاقتصادي، وشطب الدولة الفلسطينية المستقلة والقدس عاصمتها، واسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين من خلال تعميق عملية افستيطان افستعماري في أراضي الدولة الفلسطينية، ومن خلال حماية والمحافظة على الإنقلاب الأسود في قطاع غزة. ويلاحظ ان تلك القوى تعمل وفق خطة مدروسة لتمييع وتبهيت مكانة القضية الفلسطينية، وابعادها عن مركز صدارة الأحداث وطاولة القوى الدولية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم الاجتماعات الشكلية والدورية لتلك المؤسسات. بدليل ان مخرجات زيارة هادي عمرو، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأخيرة الشهر الماضي، جاءت متناقضة مع ما اعلنت عنه إدارة بايدن، وهو حل الدوالتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وتجلى ذلك بمطالبته دولة المشروع الصهيوني بتقديم تسهيلات مالية وإقتصادية للسلطة الفلسطينية وبشكل استعطافي، بتعبير آخر، القى بالملف الفلسطيني او كما وصف السلطة باعتبارها "غابة جافة" قابلة للإحتراق على كاهل الدولة القائمة بالإستعمار، والرافضة لمبدأ الحل السياسي، والتي اعلن وزير خارجيتها، يئير لبيد، انه يؤيد حل الدولتين، ولكن لا يعتقد بانه ممكن حاليا، وربك يعلم متى يكون ممكنا، هذا إن قبلوا من حيث المبدأ بالحل السياسي. وحدث ولا حرج عن بينت وشاكيد وجوقة المتطرفين من الصهاينة، الذين يرفضون مبدأ الإعتراف بالحقوق الفلسطينية، او حتى بالوجود الفلسطيني، والدليل إقرارهم قانون "القومية الساس للدولة اليهودية."

لذا على القيادة بمختلف مواقعها ومستوياتها الإنتباه للاخطار المحدقة بالقضية، وان تتذكر ان ليس كل ما يسمع داخل الغرف المغلقة أو يلمع من التصريحات الإعلامية له رصيد في العملية السياسية. وتعمل على عدم اغفال التأكيد اليومي على الهدف الثابت والإستراتيجي للشعب العربي الفلسطيني وتقرنه بالافعال السياسية والكفاحية وخاصة المقاومة الشعبية وفق خطو عمل متكاملة باإداة والبرنامج والآلية والإمكانيات.

اخر الأخبار