صغيرة على الحرب

تابعنا على:   07:49 2021-08-05

جمال زحالقة

أمد/ تبجّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، خلال زيارة مصوّرة له على الحدود اللبنانية، أنّ إسرائيل «تعرف كيف تعمل وحدها» ضد إيران. وجاء هذا التصريح للاستهلاك الداخلي بعد أن اتهمه رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، بأنّه سلّم القرار بشأن التحرّك السياسي والأمني والعسكري إلى الولايات المتحدة مضيفا أن «دولة لا تستطيع العمل بشكل مستقل ليست دولة مستقلة»، ومفاخرا بأنّه لم يلتزم بإعلام الأمريكان مسبقا بالعمليات الإسرائيلية وقال: «أحيانا كنت أبلغهم مسبقا وأحيانا لم أبلغهم مسبقا». نتنياهو كعادته يكذب، فهو لم يخرج عن طاعة الأمريكان في أي عملية عسكرية، سواء أبلغ عنها أم يبلغ، وبقي يعمل ضمن الحدود المتفق عليها بين الطرفين.
لم تتحفّظ الولايات المتحدة في يوم من الأيام، لا في عهد أوباما ولا ترامب ولا بايدن، على أي اعتداء إسرائيلي، معلن أو غير معلن، على إيران وعلى مرافقها ومصالحها وعلمائها. والسكوت هنا هو علامة على أكثر من الرضى ودليل على التنسيق المسبق وتقسيم الأدوار. فقدرة إسرائيل على التحرّك وحدها في الملف الإيراني محدودة بإمكانياتها المحدودة، ومقيّدة بعدم تعريض المصالح والمرافق الأمريكية في الخليج للخطر ومرهونة بالمساندة الأمريكية، التي لولاها لما كان بإمكانها أن تعربد كما تعربد ولن يكون لديها ما يكفي من العتاد والأسلحة والقدرات السياسية والأمنية والعسكرية لتفعل ما فعلت.
التنسيق الأمني والعسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل في المجالات البرية والبحرية والجوية والسيبرية، أقوى بدرجات من التنسيق السياسي، فالعلاقة الثنائية بين المؤسسات العسكرية والأمنية حميمية ومنسجمة، بلا علاقة من يكون في البيت الأبيض ومن يكون في شارع بلفور، حيث مقر رئيس الوزراء الإسرائيلي. والدعم الأمريكي للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على إيران ليس دعما من الخارج، بل إن الولايات المتحدة متورّطة وشريكة في تفاصيل كل اعتداء عسكري وفي كل تخريب وفي كل هجوم سيبري على إيران. ولا وجود في الحقيقة والواقع ما تصلح تسميته «إسرائيل تحرّكت وحدها» في المجال العسكري.
وبالرغم من كل ما يقال عن قدرات إسرائيل المخابراتية والإلكترونية، فهي تبقى دولة صغيرة الحجم وليس لديها القدرة على الرصد الضخم والواسع للحصول على المعلومات عن دولة بحجم إيران، وهي تستعين بالولايات المتحدة، ذات الإمكانيات المهولة. قد تكون إسرائيل قادرة على القيام بعمليات «كوماندو» تستهدف نقطة أو رقعة محدّدة، وتجمع المعلومات اللازمة وربما تقوم بعمليات بمستوى عال ومعقّد، لكن هذا لا يعني بالمرّة أن لديها إمكانيات لمواجهة شاملة واسعة النطاق مع دولة بحجم إيران وبقدرات إيران، فهذا من اختصاص الدول العظمى، وإسرائيل ليست دولة عظمى رغم كل الشائعات.
تحاول إسرائيل أن تسوّق نفسها كدولة لها قدرات عسكرية ضخمة وخارقة، وبأنّها دولة مجنونة وغير مسؤولة قد تقوم بمغامرة عسكرية خطيرة ضد إيران، إذا لم يتحرّك العالم لحماية أمنها ممّا تعتبره التهديد الإيراني الوجودي. وفي سبيل عدم طمأنة المجتمع الدولي عن أنّها لن تشن حربا على إيران بلا موافقة ودعم من الولايات المتحدة على الأقل، يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، بتصريح إن إسرائيل جاهزة أن تعمل وحدها، مكررا ما قاله نتنياهو. ولكن إسرائيل تواجه مشكلة أن تهديداتها غير مقنعة وبلا رصيد.

وحدها دول التطبيع العربي لا تزال تتمسك بالوهم القاتل بأن إسرائيل ستحميها من إيران تحت عنوان المصلحة المشتركة

لمواجهة هذه المشكلة دعا معهد لدراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى بناء بديل عسكري له «مصداقية» في حال فشل مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي. جاء ذلك كبند أوّل في التقرير الاستراتيجي، الذي قدّمه المعهد إلى الرئيس الإٍسرائيلي الجديد، بوجي هرتصوغ. وكتب الجنرال احتياط عموس جلعاد، رئيس معهد السياسات والاستراتيجيات (يديعوت احرونوت 4.8.2021): «إذا لم يجر التوقيع على الاتفاق (النووي) سيكون على إسرائيل بناء قوّة استثنائية بحجمها وبتكاليفها، وهذا سيناريو يستلزم تنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة. من هنا فإن الخيار الاستراتيجي أمام إسرائيل هو بناء شبكة علاقات شاملة وواسعة ونوعية مع الولايات المتحدة ومع شركاء آخرين لمواجهة إيران». وقد انتبه نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن التهديدات بلا رصيد غير مجدية فقال: «في مواجهة إيران الخطابات لا تكفي، يجب أن يكون الجيش قويا ومن أجل ذلك يجب استثمار موارد ضخمة وهذا ما نفعله، وقد مررنا هذا الأسبوع زيادة كبيرة في الميزانية العسكرية».
يستدل من هذه التصريحات والمواقف ومن غيرها أن القدرة على شن حرب شاملة على إيران غير متوفّرة حاليا ويجب بناؤها لتكون «مقنعة». إسرائيل تعي بأن تهديداتها بحرب شاملة ضد إيران ليس لها مصداقية. ولو أخذنا كلام نفتالي بينيت بحرفيته فهو يقول عمليا بأن إسرائيل بحاجة إلى بناء قوّة عسكرية أكبر بكثير حتى تستطيع أن تواجه إيران، ما معناه أن هذه القوّة غير قائمة الآن. ولكن يعرف الجميع أن قفزة نوعية وبحجم كبير في القدرات العسكرية الإسرائيلية تعتمد على الدعم الأمريكي وعلى التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة. قد تستطيع إسرائيل القيام بعمليات واعتداءات محدودة هنا وهناك، لكنّها صغيرة على الحرب الشاملة مع إيران.
تحاول إسرائيل أن تقنع الولايات المتحدة أن من مصلحتها أن يكون لدى الدولة العبرية خيار عسكري له مصداقية واستغلال ذلك للضغط على إيران للعودة إلى الاتفاق النووي بلا شروط. كما تحاول إسرائيل استئجار «المصداقية» عبر استصدار موقف علني من الولايات المتحدة ودول أوروبية والتهديد بتسديد ضربة مشتركة لوقف المشروع النووي الإيراني. إسرائيل تسعى حاليا إلى أن يكون الخيار العسكري الغربي على الطاولة من جهة وإلى منع إيران من استغلال عدم العودة إلى الاتفاق النووي وغياب الرقابة الدولية لتطوير سريع لقدراتها النووية.
على هذه الخلفية يمكن فهم تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس، في لقاء أمس مع السفراء الأجانب، والتي قال فيها إن إيران «على بعد عشرة أسابيع من الحصول على مواد خام انشطارية تمكّنها من إنتاج قنبلة نووية.» وقد امتنع غانتس عن التهديد بالحرب لمنع إيران من الوصول إلى هذه القدرات، ودعا المجتمع الدولي إلى التحرّك مستغلّا حادثة السفينة بملكية إسرائيلية، التي تعرّضت لضربة من طائرات مسيّرة وذهب ضحيتها مواطن روماني ومواطن بريطاني.
الاستراتيجية الإسرائيلية هي تأليب المجتمع الدولي ضد إيران بادعاء أنها تشكل خطرًا على السلم العالمي وعلى حرية الملاحة وعلى جيرانها وعلى «الحضارة الغربية برمتها»، وليس على إسرائيل وحدها. وقد لقيت هذه الاستراتيجية تجاوبا محدودا من الولايات المتحدة وبريطانيا، بكل ما يخص الرد على ضرب السفينة في مياه الخليج، لكن لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا الدول الأوروبية مستعدّة للدخول في سيناريو مواجهة شاملة مع إيران من أجل «عيون إسرائيل».
وحدها دول التطبيع العربي لا تزال تتمسك بالوهم القاتل بأن إسرائيل ستحميها من إيران تحت عنوان المصلحة المشتركة. وقد يقود هذا الوهم إلى فتح موانئ ومرافق عربية في الخليج أمام التواجد العسكري الإسرائيلي، ما سيجعل بعض دول الخليج عرضة لانتقام ورد إيراني، وما يشكّل خطرا داهما على الأمن القومي العربي. فبعد ضرب السفينة في الخليج، تقوم إسرائيل بمحاولة لبناء تعاون عسكري بحري مع «قوّة المهمة 150» لحماية الملاحة البحرية ومقرّها البحرين، والتي تشارك فيها 33 دولة وقامت على أساس قرار لمجلس الأمن. كما تسعى إسرائيل إلى التعاون المباشر في الخليج مع الأسطول الخامس الأمريكي ومع قيادة المنطقة الوسطى، التي انضمت إليها رسميا هذا العام.
تدعي دول التطبيع العربي أنها طبّعت باسم الواقعية والمسؤولية والمصلحة. هذه ادعاءات لا أساس له من الصحة، فمن اعتقد أن إسرائيل ستحميه من إيران، يرى الآن أن إسرائيل غير قادرة على ذلك. بل على العكس، فإن الدخول في تحالف مع إسرائيل يعرّض دول الخليج إلى المزيد من المخاطر، وإسرائيل لن تهب لنجدتها لأنها ببساطة صغيرة على هذه الحرب.

اخر الأخبار