في الطريق إلى البحر

تابعنا على:   13:38 2021-08-09

جبر جميل شعث

أمد/ هرباً من الحر المزعج ، وضجيج المدينة المؤذي ، وهوس الناس بفيروس كورونا ، وتحدياً للحجر ، ونأياً بنفسي عن كل ما يمكن أن يكدرها ؛ ساقتني قدماي إلى البحر ... كنت وحدي في حالة تجلٍ وأنا أمشي لا أرى أحداً ، ودخلت نفسي أثناء المشي وكأنني في رحلة صوفية لذتُها في قصرِها ، ومتعتها في توليد الأفكار وتحضير رؤى القصائد . نعم ، إن الأفكار العظيمة تولد أثناء المشي ، كما قال أحد الفلاسفة .

لم يخرجني من رحلتي تلك ويعيدني مرغماً إلى الواقع ، إلا رجلٌ بادرني بالتحية ، ورددتها إليه على كرهٍ مني ، وما كدتُ أفعل . قال : ما بك تمشي على غيرِ هدىً وكأنك ضالٌ في صحراء ، تبحث عن واحةٍ أو شجرةٍ وارفة أو عينَ ماء . قلت : نعم هو كذلك ، ولكني لم أكنْ أبحث عما ذكرت ؛ بل كنتُ ، في واحتي وتحت شجرتي وأشرب من عيني ... ولم يخرجني من جنتي الصغيرة إلا أنت بفضولك وتطفلك .

تمتم الرجل بكلام لم ألتفت إليه ، ثم قال : ماذا تريد من البحر ؟ ماذا يعني لك البحر ؟

قلت : هو مساحة واسعة للتأمل ، ومنأى عن الأذى ، ومذلل للقصيدة المستعصية و...

قاطعني : ولممارسة الجنون والغواية ولغسل اللغة من أدرانها المعجمية ، ولا يسعى إلى البحر إلا كل مجنون وغاوٍ وعاشقٍ وشاعرٍ وباحثٍ عن حلمه الضال .

دهشت من الرجل واستفزني حديثه ، وقلت له متودداً : من أنت ؟ لم يجبني... وهرول مبتعداً تجاه البحر . صحت به : هل أنت مجنون أم شاعر ؟ فجاءني جوابه مبللاً برذاذ البحر الذي اقتربت منه : هذا وذاك .

راقبته من بعيد عارياً ، وقد فتح له البحر ذراعيه وأذنيه . كأن البحر يمتص جنون الرجل الغريب ، ويتلذذ بكلماته التي كان صداها يصلني . كان رفيقي الذي لم أرغب برفقته : شاعراً.

كلمات دلالية

اخر الأخبار