السياسة والعواطف ،،

تابعنا على:   19:16 2021-10-22

فريد السباخي

أمد/ العواطف ودورها الكبير في صناعة الوعي الشعبي الفلسطيني، ابتداء من طريقة تربيتهم ثم في تعاملهم وفي علاقاتهم المهنية بكل المجالات، وبالتالي ستكون المكون الأساسي في رأيهم السياسي، العواطف هي ما تحرك شعبنا حتى أصبح الجميع يقول شعراً ويشذب كلامه حتى يحوز الإعجاب، فالبضاعة رائجة والفلسطيني عاشق للكلمات الرنانة والحزينة والعبارات والجمل العصماء التي تداعب مشاعره وتعطيه "حماسة اللحظة" متكئا عليها لتخطي واقعه المرير الغير ممكن، والعواطف ليست بالتأكيد أمراً سيئاً، لكنها تكون كذلك حينما تُستغل لتعمي الأبصار عن رؤية الحقائق وتزييف الواقع من أجل نيل شيء ما من وراء رضا المواطن الآني، بغض النظر عن جدية الرؤية ووضوحها والبرنامج العلمي لتنفيذها.

العواطف الجياشة تم استغلالها لسنوات من تاريخنا، وتغلغلت إلى عالم السياسة فأنتجت خطباً نارية وشعارات منمقة، لا تسمن ولا تغني من جوع، والغريب أن الكثيرين منا لا يزالون يصدقون تلك الشعارات السياسية البراقة متعلقين بأمل تحقيقها يوما ما، رغم أنها ولدت ميتة لأنها بدون برنامج تنفيذي ورؤية، ومخطئ من يقول إننا فقط الشعب الوحيد في المعمورة العاطفي، فجميع البشر تحركه العاطفة في جزء ما من حياته، لكن ما يحدث في مجتمعنا يفوق بمراحل أي مكان في العالم من حيث التأثير والنتائج المؤسفة لحساسية وضعنا الفلسطيني.

يمكن للعاطفة أن تفسد أموراً كثيرة بحياتنا، لكن تأثيرها على السياسة هو الأخطر حيث تختفي الحقائق ويهيمن الانفعال ويبرز المتسلقون والمنافقون وينتشر الانحياز الأعمى لخيارات غير مدروسة وتنجر الجماهير وراء آراء ساذجة وسطحية، لا تنفع معها الحجج والبراهين الساطعة حيث إن بريق الكلمات وضجة التصفيق تصم الآذان عن سماع أي حجة عقلية.

الواجب على النخب السياسية في الوطن أن تدرك أن المحرك العاطفي خطر داهم يواجه الوعي والقضية فلا يقربوها إن أرادوا مصلحة الوطن، وأن التحرك يتم بناء على رؤية واقعية وتعزيز الوعي والصمود للمواطن وليس للتنظيم وجموعه فقط وهذا الطريق الصحيح، ولنا فيما حصل من انقلاب العلاقات الوطنية الفلسطينية عام ٢٠٠٧ درس كبير.

بلا شك من البديهيات لا عاطفة مع السياسة، ولا تقدم مع الشعارات والخطب هذا ما أثبتته الأيام فمن كان يزايد بالأمس لم يصل حتى لمن كان يزايد عليه، والمصالح العليا للوطن والقضية القائمة على المبادئ هي ما يجب أن تبنى عليه القرارات السياسية والعلاقات بين الحركات الوطنية والإسلامية، فمنفعة الوطن أولاً وأخيرا بعيدا عن الدوافع الانفعالية العاطفية أو الفئوية، بل من منطلق المكاسب الإيجابية للوطن وللجميع مادية كانت أو معنوية وعسكرية، وواجب الأفراد دعم هذا التوجه وفرضه إن لزم الأمر والدفاع عن حقهم الوطني من أجل حفظ المصالح العليا للقضية والارتقاء بالوطن.

 

كلمات دلالية

اخر الأخبار