الانتماء الناقص

تابعنا على:   14:56 2021-10-24

أسامة إبراهيم حمود

أمد/ حاول ما استطعت أن لا تسم شخصيتك بالفكرة التي تؤمن بها أو تتبعها ..بل أن تجعلها جزء من قناعاتك و تفكيرك و إيمانك و عملك لا أكثر..ذلك أنك إن جعلت جل قوام شخصيتك مبنية على اتباع فكرة أو طائفة أو تيار فكري فإنك عندها تسبب الضرر لنفسك و للفكرة نفسها ..إن اتباع فكرة دون وجود شخصيتك الخاصة يجعل منك آلة عاجزة عن التفكر و تصبح في النهاية عبئا على الفكرة نفسها بسبب محدودية أفكارك و نمطيتها و تكرارها البائس كما أنك ستكون أول مجند يهدم الحركة بانجرارك الى كل متطرف من أصحاب نفس الفكرة والذي سيستخدمك و يستغل ايمانك بالفكرة لتحقيق مصلحته الخاصة و صدقني عندما أقول أنه تاريخيا فإن هذه الشخصيات موجودة في كل الدول و الحركات و الأحزاب.

و عندما يحدث فإنك ستكون مستعدا لعمل كل الفظائع و ستكون مخدرا بتلك الفكرة الزائفة أنه ما دام الهدف النهائي البعيد نبيلا أو أخلاقيا أو يحقق كل تلك الآمال و الأحلام التي بنيت عليه أفكارك التي آمنت بها فإنه إذا لا بأس من عمل هذه الفظائع التي تعتبر صغيرة أمام تحقيق ذلك الحلم العظيم . متى دخلت في مثل هذا النقاش فاعلم وقتها أن كمية ضخمة من التطويع و التضليل تمت ممارستها بحقك و أن الفكرة العظيمة نفسها ستكون أول المتضررين و أن الفائدة تختبيء فقط في جيب أحد الشخصيات المقنعة التي في العادة تكون أعلى منك و أكثر شعبية و نفوذا.

كثير من الناس تسعى جاهدة للايمان و اتباع فكرة أي فكرة ساطعة في منطقتها الجغرافية وبالعادة و تاريخيا و نفسيا لا تهم الفكرة بحد ذاتها بقدر ما يهم صدفة وجودها في بين هؤلاء الناس في منطقتهم الجغرافية و رغبتهم الملحة للايمان بأي فكرة ذات تأثير و انتشار قوي بغض النظر و دون النظر الى تفاصيلها..ذلك أن كثير من الناس تعتبر شخيصتها سيئة جدا بسبب كل الأفكار أو الأفعال السيئة التي قامو بها و تكون تلك الفكرة العامة العظيمة بخطوطها العريضة و لكن المبهمة و المشوشة التفاصيل حلا مثاليا لتلك الأزمات النفسية التي يعاني منها هذه الفئة من الناس فهاهي الفكرة العظيمة تحتضنهم و حتى قد يشجعهم الانتهازيون و الميكافيليون فيها على ممارسة نفس الأفكار أو الأفعال الإجرامية و لكن دون الشعور بتأنيب الضمير المزعج إذ يصورون لهم أن ممارسة ذلك العمل السيء خدمة للقضية النبيلة هو عمل نبيل بحد ذاته.

ولهذا تجد هذه الفئة من الناس تستميت بالدفاع عن الفكرة النبيلة رغم عدم وجود خلفية كاملة لديهم عن أهداف تلك الفكرة و أن أخلاقية و نبل هذه الفكرة تمنع ممارسة أي عمل شنيع مهما كان السبب و أن ما يسمى بالوسيلة المؤقتة مثل بعض الجرائم تتحول دائما و تدريجيا إلى أسلوب حياة و أسلوب حكم بل إن الفكرة نفسها تسقط و يتبقى تلك الممارسات السيئة و يتحول أبناء الفكرة الأصلية إلى كل سيء قامت تلك الفكرة العظيمة من الأساس لمحاربته ..و تصبح أنت نفسك نسخة عن عدوك ليأتي آخرون يبحثون عن حقوقهم و يتبنون أفكارا مشابهة تماما لفكرتك النبيلة و تكون أنت عدوهم الأول و هكذا دواليك حتى تنكسر هذه السلسلة على يد من يحكم عقله و ضميره ضد كل فعل سيء على مستوى فردي و صعودا إلى رأس الهرم و حتى يصبح شرعنة العمل السيء جريمة صعبة التحقق لإجماع جميع المؤمنين المتفكرين بخطئها.

مجموعة أخرى من الناس تسعى أن تكون عجلات دولاب في فكرة أي فكرة عظيمة تلك الجموع التي تعتبر نفسها أقل من الجميع و أن شخصيتها ليست ذات قيمة نهائيا دون ذلك الانتماء و تلك الفكرة العظيمة و بهذا فهي ليست فقط مستعدة للتضحية بنفسها لأجل تلك الفكرة و لكنها أيضا مستعدة لعمل الفظائع اذا اعتقدت- و اعتقادها هنا خاطيء- أنها تقوم بخدمة تلك الفكرة العظيمة.

إن المعيار الأخلاقي قد يبدو غير مهم أو هامشي أو مؤقت عند الاتباع ..ولكن عند تلك اللحظة تحديدا ...إن كنت أحدهم توقف طويلا و تأكد أنك تقوم حاليا بهدم معبد تلك الفكرة..و تأكد أن أفضل ما تقوم به في تلك اللحظة لخدمة أهدافك النبيلة هو أن تتحرر من قيد المحو الكامل لشخصيتك و التبعية بإسم الفكرة لأبناء الفكرة و أن تنظر جيدا حولك لتعرف من هم الأفراد الذين يشجعون أبناء الفكرة أن يقومو بالعمل السيء لتحاربهم و تهمشهم على أقل تقدير فهم أكبر ضررا على الفكرة حتى من أعدائها التاريخيين و تذكر أن كل خطوة سيئة تخطوها للأمام فإنك تتحول تدريجيا إلى عدوك اللدود و أن أهداف الفكرة العظيمة تصبح أبعد أكثر و أكثر عن التحقق.

كلمات دلالية

اخر الأخبار