مصالحات الضرورة والرهان على ثلاث قوى

تابعنا على:   13:31 2021-10-26

أشرف العشري

أمد/ لاشك أن الأوضاع والأجواء السياسية والأمنية فى العديد من العواصم العربية باتت الآن افضل كثيرا خاصة تلك التى ضربها وراكم أزماتها مايعرف بثورات الربيع العربى الذى تحول الى خريف وزلازل سياسية واقتصادية ومعيشية. وحول العديد منها الى ركام باستثاء القليل الذى نجا وفلت من تلك الاوضاع الكارثية التى خلفتها تلك الثورات التى كانت بحق وبالا على دول وشعوب المنطقة، حتى إن بعضها قد عاد الى عصور القرون الوسطى. قياسا بحجم الانتكاسات والكوارث والمآسى التى حولت الملايين فى عواصم عربية الى لاجئين فى المنافى والشتات. ولنا فى تجارب سوريا واليمن خير شاهد ودليل حيث إن عودة الحياة بهما لما قبل أحداث ثورات 2011 تحتاج الى مليارات الدولارات واكثر من عشر سنوات لتعيد الشىء الى أصله عبر خطط بناء وتعمير وإصلاحات تنموية جبارة وخطط إنقاذ تفوق قدرات هذه الدول ومساهمات الاشقاء على التكلفة وتسديد الاثمان. إذ يؤكد آخر تقرير للامم المتحدة ان تكلفة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الإعمار فى سوريا وحدها تحتاج الى مايقارب 900 مليار دولار.

وإن كان هذا الإخفاق الكامل لبعض الدول لايمنع من القول إن هناك بعض البلدان مثل مصر فقط التى نجت كاملا وحققت معجزات سياسية وأمنية واقتصادية كبرى وتنموية طموحة ستكون نموذجا أخاذا فى التفرد والاستثناء. حيث كل هذه الإنجازات هى نتاج سردية سياسية من النجاح والنهوض البازغ. مقابل عواصم لم تنج كاملا حتى الآن ومازالت تحاول الفكاك من براثن السقوط وتجاوز الارتجاج الكبير الذى واجهته دول الإقليم بعد زلزال هذا الخريف. حيث تونس مازالت برغم انها كانت اول الناجين تحاول ببسالة بعد الإجراءات التصحيحية التى أقدم عليها الرئيس قيس سعيد فى 25 يوليو الماضى. وتم إنقاذها من غول سيطرة وتمكين سطوة جماعة الإخوان ممثلة فى حركة النهضة ليكتب المسمار الاخير فى نعش تلك الجماعة هناك. وفى نفس المضمار تسير السودان على نفس المنوال حيث الاشتباكات السياسية والصراعات الخلافية كادت تعصف وتضرب مرور المرحلة الانتقالية الرغم اقتراب نهايتها - اقل من عام ونصف العام بعد الآن.

 إلا أن هناك على مايبدو من يريد عودة الامور الى المربع الاول وهذا ما دفع قوات الجيش صباح أمس، للإسراع بانقاذ مسار المرحلة الانتقالية، وتصحيح الأوضاع عبر تعزيز المسار السياسى بجملة من القرارات والإجراءات العاجلة لمنع إنهيار السودان ووقف المظاهرات والفوضى والفلتان من الخرطوم ومن ثم أعمال الحكمة والرشادة السياسية لتجاوز هذا المنعطف. وتوفير علاجات اخطاء المرحلة السابقة والالتزام بالوثيقة الدستورية التى تم التوصل اليها بعد ثورة الإطاحة بنظام البشير. حيث هناك فرصة حقيقية لإنقاذ الوضع وتجاوز تلك المرحلة من المراوحة والتراجع السياسى.

وكذلك الوضع فى لبنان ليس بأحسن حال من اوضاع السودان حيث حالة التشظى التى تضرب بيروت ومدن لبنان تحتاح معالجات حكيمة. والتخلى عن الهيمنة والاستحواذ من قبل حزب الله والتيار العونى وأخذ العبر من أحداث العودة الى بروفة الحرب الأهلية بعد احداث الشياح الاسبوعين الماضيين.

حيث يكفى لبنان عامين قبل وبعد أحداث تفجير المرفأ حالة الانهيار على جميع المسارات والمستويات. ولكن تبقى الفرصة قائمة والامل قادم مع تحديد موعد الانتخابات البرلمانية فى مارس المقبل ومن بعدها انتخاب الرئيس الجديد خلفا لميشيل عون! فى المقابل فان الأوضاع فى ليبيا ربما ستكون الافضل حالا خلال الشهرين المقبلين مع إجراء اول انتخابات تشريعية ومن بعدها رئاسية فى يناير.

 حيث العزيمة والإرادة الدولية مشفوعة برغبة أصيلة لأول مرة من قبل الفرقاء الليبيين فى الشرق والغرب لإنهاء حالة الانقسام والتشظى تلك. حيث اعطى مؤتمر دعم ليبيا الاسبوع الماضى فى العاصمة طرابلس لاول مرة من عشر سنوات قوة دفع ومساندة قوية لفرص الوصول الى التسوية الكاملة وتصحيح المسار السياسى والامنى والعسكرى وتوحيد كامل الموسسات الليبية. مع الأخذ فى الاعتبار حجم الجهد الدولى وعديد المؤتمرات التى عقدت من اجل إنقاذ ليبيا منذ 2014 وحتى الآن. مقابل الجهد العربى والمصرى الذى تفوق على نفسه فى مؤتمر طرابلس الاخير.

وبالتالى تبقى الكرة فى الملعب الليبى حاليا حيث التوافق والرشادة تتطلب من كل الفرقاء هناك الالتزام بخريطة الطريق الدولية وتسريع وتيرة خروج القوات الاجنبية والمرتزقة من ليبيا ووضع حد للوجود التركى هناك. وبالتالى أمام وتيرة صيرورة الاحداث بالتحسن فى بعض العواصم العربية واستمرار الخلل والتراجع فى البعض الآخر.. هل يمكن إنقاذ الوضع العربى الآن.؟

 ومغادرة حالة الانهيار والتفكك الذى كان يضرب الامن القومى العربى فى مقتل. بأى معالجة سياسية جادة مرتقبة باتت هناك فرصة قوية الآن لتجاوز انهيارات السنوات العشر السابقة والولوج لصفحة من المصالحات الحقيقية شرط كسر حالة الجليد بين بعض العواصم أولا. خاصة مع الانسحاب الأمريكى التدريجى من الإقليم، وفرص تزايد توسع ووحشية الدورين التركى والايرانى على حساب الامن القومى العربى، ومن هنا وجب الإسراع بمصالحات الضرورة العربية.

واعتقد ان هذه أدوار لاتستطيع القيام بها الا ثلاث دول كبرى فى الاقليم العربى مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية. حيث إن العواصم الثلاث لديها من الثقل والحضور والقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية الصارمة وتأثير الفعل وتغيير موازين القوى فى منطقة الشرق الاوسط بما يستطيع توفير الغطاء الكامل لحماية المصالح والامن العربى.

وبالتالى فى ظل التغييرات فى الإقليم وإمكانية فرض معادلات جديدة سيكون هذا الحضور الثلاثى العربى محركا فعالا يرسم سيناريوهات عربية أكثر إيجابية مع مطلع العام المقبل، وربما نرى جديدا فى المشهد العربى قبل الذهاب الى قمة الجزائر فى مارس المقبل.

عن الأهرام

كلمات دلالية

اخر الأخبار