أمراء الحروب يدفعون البلد نحو الإفلاس

نيويورك تايمز: هكذا دمّر الفساد لبنان

تابعنا على:   21:30 2021-10-29

أمد/ بيروت: "كيف دمّر الفساد لبنان"، عنوان لتحقيق طويل في صحيفة "نيويورك تايمز"، كتبته رانيا أبو زيد عن المحسوبيات التي تنخر مؤسسات الدولة اللبنانية، بما فيها مرفأ بيروت الذي دمر في انفجار مروع في الرابع من آب (أغسطس).
هيئة التفتيش المركزي مليئة بالمخبرين والمعينين من الأطراف السياسية، وأنه تم التخلي عن الكفاءة مقابل الانتماء الطائفي.

ويروي جورج عطية، رئيس هيئة التفتيش المركزي اللبنانية، خفايا التدخلات السياسية في التعيينات ويكشف أولوية المحسوبيات على الكفاءة في التوظيفات التي تثقل الهيئات الحكومية. 

لا محاكمات بعد

وتذكر الصحيفة بأنه بعد عام على الانفجار الهائل في مرفأ بيروت لم يحاكم أي من المسؤولين عن حادث جرى في زمن السلم وتسبب بدمار لا سابق له في تاريخ لبنان المضطرب. والمفارقة أن المسؤولين الأمنيين والسياسيين والقضائيين، بمن فيهم الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء السابق حسان دياب، كانوا على معرفة بمادة نترات الأمونيوم المخزنة والقابلة للاشتعال ولم يتخذوا أي إجراءات لتأمينها والتأكد من سلامتها. ورغم التحقيق الجنائي الجاري، لا أحد في لبنان يتوقع تحقق العدالة، ليس لأنهم لا يثقون بالقضاء اللبناني أو بالمحقق بل لأنهم يخشون من التدخل السياسي في التحقيق.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن مرفأ بيروت تابع للحكومة والمؤسسات الأمنية بصلاحيات متداخلة، فهو خاضع لرقابة وزارة المالية ووزارة الأشغال العامة والنقل ولهيئة "مؤقتة" اسمها "اللجنة المؤقتة لإدارة والاستثمار في مرفأ بيروت"، ولا تصدر هذه الهيئة بيانات رسمية ويعين الزعماء السياسيون أعضاءها. ويضاف إلى هذا عدد من اللجان والمؤسسات التابعة للوزارات والأجهزة الأمنية والقوات اللبنانية المسلحة.

سوء الإدارة

وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" "إنه تم تصميم بنية إدارة الميناء من أجل تقاسم السلطة بين النخب السياسية" مما "زاد من غموض الصورة وسمح للفساد وسوء الإدارة بالازدهار".

وكان انفجار بيروت واحداً من المظاهر القبيحة للأخطاء التي واجهت لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990.

ويكافح اللبنانيون اليوم للنجاة من أسوأ كارثة اقتصادية تمر على البلاد منذ 150 عاماً وأطلق عليها البنك الدولي صفة "كساد مقصود". وخسرت العملة المحلية 90% من قيمتها واستفاق اللبنانيون عام 2019 ليجدوا أن ودائعهم محظورة عليهم ولا يستطيعون سحبها من البنوك. ونظرا للتضخم العالي جداً، فقد زادت الأسعار بنسبة 550% وارتفعت معدلات البطالة وأغلقت المصالح التجارية أبوابها وتنزف البلاد طاقتها البشرية التي تهرب إلى الخارج، وزادت ساعات انقطاع الكهرباء ولم تعد الإنترنت متوافرة إلا بشكل متقطع، وهناك نقص في المواد الطبية والأدوية. وتمتد الطوابير لساعات بل وأيام للحصول على المواد الأساسية مثل الخبز.

أمراء حرب

وتلفت الصحيفة إلى أن مجموعة من السياسيين الذين كان معظمهم أمراء حرب، يدفعون البلد نحو الإفلاس. فحكومة المحاصصة الطائفية التي أنهت الحرب الأهلية عام 1990 تشبه إلى حد كبير الحكومة التي جلبتها الولايات المتحدة إلى العراق ما بعد 2003.

ويعرف عطية ذلك أكثر من أي شخص آخر فهو رئيس هيئة مهمتها الرقابة على الخدمات العامة والتمويل. لكن المفتشين التابعين له ممنوعون من مراقبة وتفتيش الكثير من المؤسسات التابعة للدولة ومنها مرفأ بيروت، فهذه خطوط حمر لا يمكن لعطية تجاوزها مع أنه يريد محوها. وقال وهو يعاين الترميم في بيت والدته: "يجب ألا يكون هناك شخص أو مؤسسة يتعاملان مع المال العام ولا يخضعان للرقابة”.

درس عطية (44 عاماً) وهو والد لثلاثة أولاد، القانون في جامعة القديس يوسف، وعمل قاضياً لمدة 17 عاماً في عدد من المحاكم التي تتعامل مع خرق قواعد المرور والخلافات المدنية. وعام 2017، تلقى اتصالاً لمقابلة الرئيس اللبناني، وبعد ذلك بخمسة أعوام أصبح رئيساً للهيئة. ودخل مؤسسة فوضوية وبدون عدد كاف من الموظفين ولا تعتمد التوثيق الرقمي.

3 مفتشين

وبدون روابط بين الأجهزة الثمانية للمؤسسة، لم يكن هناك سوى 3 مفتشين في مراكزهم، ثم تقاعد اثنان ولم يبق إلا عطية.

ولا يستطيع عطية توظيف أو عزل الموظفين، فهذه ميزة للحكومة والنخب الطائفية التي ملأت مؤسسات الدولة بالموالين لها. وعندما أرسلت الحكومة قائمة أسماء عاملين لم تخترهم هيئة التفتيش، رفض التوقيع. وحقق أول انتصار له بعد ستة أشهر عندما تراجعت الحكومة عن طلبها. وعندما طلب موظفين جدداً وصلاحيات أوسع لم يحصل على أي منهما. ولم يزد عدد المفتشين عن الرقم الذي حدده قانون 1959، عندما كان عدد الموظفين في الخدمة المدنية يتجاوز 13 ألف موظف أما اليوم فهو 10 أي لـ 20 ضعفاً عن ذلك الوقت.

ويعرف عطية أن المؤسسة مليئة بالمخبرين والمعينين من الأطراف السياسية، وأنه تم التخلي عن الكفاءة مقابل الانتماء الطائفي ليس في هيئته فقط لكن في كل مؤسسات الدولة. وأصبح نظام المحاصصة راسخاً. وقد سمح هذا النظام للنخب السياسية برسم اقطاعيات حافلة بالموالين لها داخل مؤسسات الدولة.

ويرى عطية أن عمله هو "مهمة" لا وظيفة. ويحصل على 6.7 مليون ليرة لبنانية، 4.466 دولارات قبل انهيار العملة وتساوي الآن 340 دولاراً، وليست كافية لعائلة من خمسة أفراد.

كلمات دلالية

اخر الأخبار