ليس لليهود حق تاريخي في فلسطين !!!

تابعنا على:   08:31 2021-10-30

عزيز بعلوشة

أمد/ ويؤكد ذلك الكاتب و المفكر اليهودي المعروف آرثر كيستلر، في كتابه : القبيلـة الثالثة عشرة ويهود العالم الحاليين ليس لهم علاقة بيهود التوراة. مبرهناً بالأدلة القطعية والحجج العلمية المفحمة، بأن القسم الأعظم والغالب من يهود اليوم لم ينحدروا من أسباط اليهود الإثني عشر الوارد ذكرها في التوراة، بل ينحدرون من "القبيلة الثالثة عشـرة " (وهي دولة الخزر التي قامت في القرن 3 الميلادي وامتد سلطانها من البحر الأسود إلى بحـر قزوين ومن القوقاز إلى الفولغا) التي ما زال تاريخها يشوبه الغموض حتى اليوم، وبذلك يسقط أحد أهم مرتكزات الدولة العبرية الدينية في ربط وجودها بروابط دينية تحت الدعوة العرقيـ الدينية القائلة بالحقوق التاريخية لليهود بأرض فلسطين. ويرى كيستلر أن الخـزر اعتنقــوا اليهودية، بعد أن اعتنقها ملكهم وحاشيـته في العـام (123هـ/740م) لتصبح اليهودية الديانة الرسمية لبلادهم. ويرجح أن يكون هذا ردة فعل على تقدم الجيوش العربية الإسـلامية عبر القوقاز والأصقاع الأخرى القريبة وديدها للإمبراطورية الرومانية الشرقية (بيزنطة) التي وقفت هذه القبائل ردحاً من الزمن حائلاً دون الاستيلاء عليها (على أوربا الشرقية).

كما يرسم كيستلر خريطة جديدة ليهود اليوم ويؤكد أن الخزر المنتشرين بين بحـر قزوين
والقوقاز والدون والفولغا وأوكرانيا وجنوب روسيا وبولندة، ويتضح أن الدور القيادي لنمو
وتطور اليهودي في أوربا الشرقية إنما يعود إلى العنصـر الخـزري لأول ا لمهـاجرين الوافدين إلى الغرب... وبعد أن يسلط كيستلر الضوء على الأدلة التاريخية لزوال شعب الخزر موطنه التاريخي وإعادة انتشاره في بعض بلدان أوربا الغربية منها والشرقية.. لا ينكر أن هناك يهوداً من أصول مختلفة ساهموا في تلميع اليهودي العالمي حالياً. لكـن مسـاهمة الخـزر في التركيب الوراثي لليهود مساهمة جوهرية بل ومهيمنة...

فالدراسة التي قدمها كيستلر (كباحث يهودي موضوعي . يشيد صرحاً جديداً من الحقائق التاريخية ويهدم الأفكار التي تأصلت في الفكـر المعاصر بوصفها مسلمات غير قابلة للنقاش، والتي تؤكد علـى الطـابع الـديني "للدولـة الصهيونية" وهي "الدولة" التي تضم شتات المنحدرين من الأسباط الإثني عشر، بينمـا هـي الحقيقة تضم غالبية يهـود آخرين اعتنقوا اليهوديـة في ظروف تاريخية وسياسـية معقـدة ومختلفة، بينما لقي اليهـود الآخرون –الطارئون- الذين هاجروا بعد تدمير القدس في عصر الرومان مصيراً يكفي أن نذكر مثلاً واحداً من بين أمثلة عديدة أوردها كيستلر وهـو إبـادة تجمعات اليهودية العريقـة في فرنسـا والمانيـا علـى أثـر الطـاعون الأسـود سـنة (748هـ/1347م) مما جعل غرب أوربا نظيفاً –حسب تعبير المفكر– من اليهود لقـرنين
من الزمان..

(16)
" ثم هل يهودية التلمود ويهودية الصهيونية هـي يهوديـة موسـى (عليـه السلام)؟ إن أسفار التوراة شاهدة على نقض اليهود لشريعة موسى، وعلى اسـتحقاقهم لعنة االله بسبب خروجهم على التوحيد ! كما ان اليهودية المعاصرة –الـتي تحتـل القـدس  وفلسطين- تعرف اليهودي بأنه "هو المولود من أم يهودية" فالمعيار فيها "بيولوجي" ولـيس دينياً وبذلك أصبح يهود الخزر والإشكناز لا علاقة لهم ببني إسرائيل والعبرانيين والساميين اليهود وفق هذا المعيار "البيولوجي" حتى لوكانوا ملاحدة أو أبناء زنى!! فأين العلاقـة بـين اليهودية وبين القدس.. بل وأين العلاقة بين هذه اليهودية "العنصرية البيولوجية" وبين يهودية شريعة موسى (عليه السلام)؟!

وانسجاماً مع هذه الدراسة العلمية الرصينة لكيستلر، جاءت دراسـة لاتقـل عنـها موضوعية وجدية، ( للباحث الإنجليزي كيث وايتلام) ، بعنوان : اختراع دولة إسرائيل القديمـةوإخفاء تاريخ فلسطين .. وخلاصة ما توصلت إليه هذه الدراسة أن "تاريخ مملكة بني إسرائيل مجرد أكذوبة سياسية حديثة"! في الحقيقة لا يعرف التاريخ أمة وضعت تاريخها ودونته بيـدها كما فعل اليهود، فقد صاغته في إطار الأساطير والغيبيات، ورأينا فيما تقدم كيف أن اليهـود لجأوا في تدوين نشأتهم الأولى إلى مزيج من الخرافات والمأثورات الشعبية للأمم القديمة، الـتي أضافوا إليها ما تبقى في ذاكرتهم من الحكايات الفولكلورية منذ بداوا مسيرتهم الأولى... وإذا سلمنا
جدلاً هذا التاريخ الأسطوري الذي دونه اليهود، نجد أنهم أنفسهم قد اختلفوا وتباينـت آراؤهم عند حديثهم عن أصولهم الأولى، فقد جاء في (أشعيا:19/18 (أن النبي أشعيا علـى أيام السبي البابلي (586 ق.م.) ينسبهم إلى كنعان، ويسمي اللغة العبرية نفسـها (لسـان كنعان). بينما جاء في التوراة (اصحاح:26/5 (على لسان موسى نفسه (كـان أبي آراميـاً تائهاً) وليس كنعانياً. أما كنعان فلأنه ناصب اليهود العداء، فقد جعلوا نسبه في أسـاطيرهم التاريخية، في حام بن نوح أبي العبيد، كما يزعمون، الذي لا يولد له من سـلالته إلا سـود الوجوه. "هذا مع العلم بأنه قد ورد في سفر التكوين (اصحاح : 9 ،10 (أن كنعان سـلالة سامية لعلها أنقى في ساميتها من اليهود أنفسهم".

إذاً أين العلاقة بين يهود اليـوم وبـين يهودية موسى (عليه السلام)؟ من الواضح أن هؤلاء اليهود المعاصرين قوم لا ديـن لهـم ولا جنس ولا هوية! يقول الكاتب اليهودي إسرائيل شاحـاك – "إن إسرائيل خطر على اليهود بقدر ما هي خطر على الشعوب الأخرى، ويضرب شاحاك مثالاً على ذلك : الأفكار السائدة لدى الرأي العام اليهودي (الإسرائيلي) التي تنم عن الكره والوحشية نحـو الأغراب.. لكنهم يجتهدون في إخفائها عن العالم الخارجي ؟! ويضيف شـاحاك .. إن مـن
(طبيعة اليهودي أن يتبنى الكره والاحتقار لغير اليهود".

"إذا كان الطباع طباع سوءٍ فلا أدب يفيد ولا أديب "!!

وإنهم يزعمون أن الغرض من كتابهم "المقدس" هو أن يعلّم الدين والأخـلاق والسـمو الروحي، لكن على العكس من كل ذلك، يقول: ارنست بيغن (وزير خارجية بريطاني سابق) "إن العهد القديم هو أشد الكتب بعداً عن الأخلاق.. والعهد القـديم كتـاب لا يـدعو إلى السمو الأخلاقي والروحي والديني بل يدعو إلى صلة خاصة بين االله (سبحانه) وابنـه البكـر إسرائيل؟! وهو كتاب يدعو إلى القسوة والقتل وسفك الدماء في كل سـفر مـن أسـفاره (20 (وبخاصة سفر "يشوع" الذي يمكن أن يطلق عليه سفر ازر" !!

إذاً لا عجب أن تخفق "دولة إسرائيل" في تحقيق حلم الصهيونية وأمم الغرب –المتلهفة
أصلاً للتخلص من يهودها المقيمين على أراضيها- في جمع شتات يهود العالم، البالغ عـددهم
وفق آخر الإحصاءات الحديثة، ثلاثة عشر مليون يهودي، لم يخـدع منـهم بـالهجرة إلى فلسطين أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر صهيوني غريب (يدعون اليهودية) جاؤوا من أكثــر من مائة بلد، تتحكم فيهم فوارق اجتماعية وطبقية ومذاهب ايديولوجية ودينيـة متنـافرة، تفتقر جميعها لأي تناغم أو انسجام خلقي أو خلقي.. فمن أين يأتي هذا التناغم بـين هـذه الأجناس من الفلاشا والروسي والبولندي واري والالماني والاسباني و(اليهـود الشـرقيين ) (على سبيل المثال) أي أنهم خليط بشري عجيب لا يملك سبباً واحداً من أسبـاب تكـوين تجمعاتهم المتمدنة القابلة للبقاء والحياة.. لقد دلت نتائج بحث أكاديمي جديد في جامعة حيفا على أن 41 في المئة من القادمين الجدد من دول الاتحاد السـوفييتي سـابقاً (روسـيا ) إلى "إسرائيل" ليسوا يهوداً، علماً أن معطيات وزارتي الداخلية والاستيعاب أفـادت أن 50 في المئة من القادمين عام 1999م إلى "إسرائيل" ليسوا يهوداً... ولعل حوافز الهجرة التي دفعت هؤلاء إلى القفز إلى الآتون "الإسرائيلي" المستعر يكمن في الجانب الاقتصادي (البحث عـن فرص عمل) ومن ثم لأسباب سياسية وأمنية (هرباً من ارتكاب جرائم أو اضـطهاد .. الخ.)

Creat

هذا مما يؤكد أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين كانت هجرة جبرية أكثر منـه هجرة، ووطناً بديلاً لأوطان أوربية قيصرية (روسية) ورأس مالية فاشية وليبرالية، جمع بينـها العداء لليهود والرغبة في تهجيرهم من أوربا وتوظيفهم، بالتنسيق مع الحركة الصهيونية كمادة استيطانية متحركة... إن الرأسماليين الأوربيين الرافضين لإدماج اليهود في مجتمعاتهم والقـوى الصهيونية المسيطرة داخل الحركة الصهيونية نفسها غالباً ما تحالفت مع قوى أوربية مختلفـة

كانت تفضل تقديم الدعم لدولة يهودية بعيدة عن أوربا على أن تفتح أبواا ليهـود أوربـا
المضطهدين.. إن مئات الألوف من اليهود الهاربين من هتلر لجأوا إلى فلسـطين لأن الـدول
الأوربية التي تساند "إسرائيل" رفضت إيواءهم وقد ماثلت عملية نقل اليهود إلى فلسـطين في
ظل الانتداب البريطاني أوستراليا "لقد أفرغت أوروبا في فلسطين عناصر من الصنف الذي اعتبرته غير مرغوب فيه".. حتى الولايات المتحدة الأمريكية كان يمكن أن تكون أرض استيطان المهاجرين اليهود، خصوصاً كانت الخيار الأول لآلاف اليهود المهاجرين من روسيا ومن المانيا وشرق أوروبا خصوصاً إبان المـد النازي بين عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن (13هـ/20م) لكن الولايات المتحـدة خشيت على نفسها من كثافة الهجرة اليهودية إليها، فأغلقت هي الأخرى أبوابها في وجـه المهاجرين اليهود. وهنا يتساءل هرتزل في كتابه "دولة اليهود" مادام حضورنا إلى الولايـات المتحدة غير مرغوب فيه على الرغم من تيار قوي يحملنا غرباً عبر البحر إليها، فأين سـيكون إذاً حضورنا مرغوباً فيه؟ ومساءلة هرتزل هذه تثبت أن فلسطين لم تكن خيـاراً بقـدر مـا كانت وجهة إجبارية لليهود. وخلاصة الكلام ،فإنه مما لا شك فيه ان اليهـود الحـاليين – الثلاثة عشر مليون يهودي – لا يمتون بصلة الى العبرانيين الإسرائيليين القدماء المتحدرين من إبراهيم (عليه السلام) إذ انهم حالياً أخلاط من شعوب الأرض المتهودين الـذين تسـوقهم دوافع استعمارية. أما الذين يفترض (اليوم) أن لهم أصول إسرائيلية، هم في الحقيقة يهود مـن الدرجة الدنيا.

وإذا رجعنا إلى التوراة (والكتاب المقدس) وبحثنا عن أصول هـذه التجمعات البشـرية الغريبة، نجد أنها سميت عبر التاريخ بأسماء مختلفة، فقد سموا أولاً (عبريون) ثم قيل لهـم (بنـو
إسرائيل) وأخيراً عرفوا (باليهود). وعبري مشتقة في الأصل من فعل شائع في كـل اللغـات
السامية، هو فعل عبر ،بمعنى تخطى واجتاز. وكانت هذه الكلمة (عبري) تطلـق علـى أي
إنسان أو مجموعة من البشر تهاجر من العراق فتعبر الفرات إلى الشام.. وليست مقصـورة
على اليهود أنفسهم ... ولا ندري لماذا قصر المستشرقون لقب عبري على اليهود وحـدهم !
علماً بأن إبراهيم أبو العرب عن طريق ابنه إسماعيل لم يرتبط اسمه وأمته بالعبرانيين على الرغم من عبوره النهر. والسبب يرجع فيما يبدو إلى أخذ المستشرقين بما جاء في سـفر التكـوين (اصحاح : 31/17 ،21 (من ربط العبور –الذي ينسب إليه العبريون- بقصة يعقوب بـن
إسحاق بن إبراهيم الذي كان كأبيه قد عاد إلى العراق ليتزوج كوصية أبيه وجـده، وبعـد قضاء مدة هناك قام مع زوجه (راحيل) بعد أن ابتز أموال حماه (لابان) الآرامي، فعبر النـهر واستقبل جبل جلعاد ! أما تسمية "بني إسرائيل" قترتبط بقصة أسطورة تزعم أن يعقوب نفسه (عليه السلام) بينما كان في طريقه إلى أرض كنعان، وحتى إذا ما انتهى من عبور نهر الفرات وقد أرخى الليل سدوله، تقول الأسطورة، في سفر التكوين المحرف (32/25-29 (وجـد رجلاً في انتظاره ليس كالبشر، قيل أنه ملك من السماء ! فصارعه حتى مطلع الفجر ؟! فلما أراد الانطلاق طلب منه يعقوب أن يباركه فقال له ما اسمك ؟ قال يعقوب، قال لا يكـون اسمك يعقوب فيما بعد بل إسرائيل لأنك كما علوت عند االله، فعلى الناس أيضاً تعلو ! لكن ما يلبث سفر التكوين أن يناقض نفسه –على يد واضعيه- ففي هذا السفـر (35/9-13 (رواية أخرى عن الرواية السابقة تقـول: "وظهر االله ليعقوب بعدما رجع مـن فـدان آرام فباركه، وقال له االله : اسمك يعقوب لا يكون من بعد اسمك يعقوب، بل إسـرائيل يكـون اسمك. وقال له االله، إنـْم وأكثر ستكون منك أمة.. وملوك من صلبك يخرجـون . والأرض التي جعلتها لإبراهيم وإسحاق لك أجعلها ولنسلك.. ثم ارتفع االله عنـه في الموضـع الـذي خاطبه االله فيه". (تعالى االله عما يفترون علواً كبيراً). أم تسميتهم (اليهود) فهي تسمية حديثة نسبياً، ترجع إلى عهد داود وسليمان وأبنائهما، حوالي سنة (1000 ق.م.) ومـا بعـدها .

وترجع تسميتهم باليهود نسبة إلى القبيلة التي تنتمي إلى سبط يهودا. وبغض النظر عن كـون
هذا التاريخ اليهودي خرافي أم حقيقي؟! فإن مدونو التاريخ في الشرق والغرب –بمـا فـيهم
C
مؤرخون يهود- لا ينكرون وجود الشعب العربي الفلسطيني الأصيل في بلادهم فلسطين قبل
العبرانيين وبني إسرائيل واليهود بآلاف السنين.

في ضوء هذه الحقائق فإن "إسرائيل" بدورها دولة عصابة تستقطب عصابات المرتزقـة
(المافيات العالمية) وبالتالي فإن هذه الملايين العشرة (من يهود العـالم ) متمسـكة بجـذورها
الأوروبية -الأمريكية والأسيوية (الغربية-الشرقية) وترفض "إسرائيل" – للأسباب نفسـها؟ !
مهما أظهروا لها من آيات النفاق والولاء الزائف وأغرقوها بالمال الحرام – وطناً لها ولا تثـق
في الوقت نفسه، "دولة" قادرة على العيش والحياة في ضوء الحقائق والمسلّمات التاريخيـة
التي تنطبق على مثل هذه "الدول التجارب" (المزارع الاستعمارية) في المنطقة. التي لم تقو أبداً
على البقاء، وسط محيط عربي إسلامي واسع كان على الدوام بحر خضم لايؤمن غضـبه ولا
يكبح طوفانه ضد أعدائه، مهما طال وانعكاساً لمشاعر عدم الثقة بمستقبل "إسرائيل"- بعد أن فشلت الأسلحة النوويـة و أسلحة الدمار الشامل أن تمنح أمناً وسلاماً للعصابات الصهيونية، ومطلوب منها ان تتدعي بان الرعـب والهلـع يلاحقها من الشعب العربي الفلسطيني ومحيطه العربي الإسلامي، فتلاحظون ان كل قادتهم أخذ مـن مجرمي الحرب يخلعون بزاتهم العسكرية ويتخفون في أطقم أنيقة وربطات عنق منمقة، وينادون بالسلام –سلام من يصدح بصوت عالٍ في البرية لتسكين خوفه وفزعـه - وهـذا بـدوره انعكس على المشهد السياسي في الشارع اليهودي تمثل في "حركة السلام الآن" التي يصـل عدد أعضائها إلى أكثر من مائتي ألف شخص منهم عدد كبير من ضباط جيش وجنود وأمن متقاعدين إلى جانب مشاركة شخصيات فعاليات سياسية واقتصـادية ونقابيـة وفكريـة وأكاديمية واجتماعية وثقافية وفنية ودينية وبيئية وعسكرية ... الخ.

ومن رحـم هذا المناخ المحتقن القلق وافتقاد اليهود لأهم عنصر -يقدمونه على كـل شيء في حياتهم- وهو عنصر الأمن، برزت ظاهرة "طائفة ناطوري كارتا" الآخذة في التجذروالازدياد في المجتمع "الإسرائيلي" فرئيس هذه الطائفة (وزير خارجيتـها ) الحاخـام موشـيه(موسى) هيرش المعادي وطائفته للصهيونيةو"إسرائيل". ويشارك أبناء الشـعب الفلسـطيني انتفاضتهم ويقدم التبرعات المالية لجرحى الانتفاضة ويزورهم في المستشفيات. فهيرش يعتـبر Cr نفسه مثل أفراد طائفته يهوداً فلسطينيين رئيسهم ياسر عرفات ومحمود عباس وحكومتهم منظمة التحريـر الفلسطينية.. ويعتقد أتباع هذه الطائفة وعددهم حوالي خمسين ألفاً في فلسطين وحوالي مائتي ألف في الولايات المتحدة أن الصهيونية فكرة ملحدة وهي عصيان للرب الذي ينهى اليهـود عن إقامة دولة لهم في فلسطين... ويرى أن الانتفاضـة حـدث عظـيم لا يمكـن وصـفه بالكلمات.. وأضاف نحن نعتقد أن الدولة الصهيونية تضر باليهود أكثر مما تضر بالعرب ونحن سنقاومها إلى ما لانهاية! وقد دلّل هيرش على فخره بالانتفاضة ونراه يشبه "الصهيونية مثل النازية" و "دم الفلسطيني ليس ماء".

ويعترف الحاخام اليهودي بيريل وين "بأن "إسرائيل" دولة تنقصها كـل مقومـات المجتمع الوطني أو القومي فالمجتمع "الإسرائيلي" في نظره هو مجرد تقليد بائس لكل انحرافـات ومساويء المجتمع الغربي، إذ ليس له برنامج خاص به ولا نسق أصيل من القيم كما ينقصـه
التماسك الداخلي، بل أن إدعاء "إسرائيل" بأنها ديموقراطية فيه كثير من المبالغة الحياة فعقلية الإنعزال أو النفي تسيطر في "إسرائيل" مظاهرها في الفصل أو العزلة القائمة بين الأوربيين ويهود الشرق الأوسط وهـي معـازل لا تختلف في شيءٍ عما هو موجود في دول العالم الغربية بخاصة التي يعيش فيها اليهود. فمأسـاة اليهود سواءً في الغرب أم في "إسرائيل" أم في الولايات المتحدة – الذي لا يعـرف مجتمعهـا للانفتاح حدوداً – هي العجز عن الاندماج أو بالأحرى عدم الرغبة في الاندماج مع المجتمـع الذي يعيشون فيه أو مع الجيران في المنطقة الجغرافية والثقافية التي فرضوا أنفسـهم عليهـا، وقدراتهم العجيبة على خلق الأعداء لهم وإثارة الشكوك في عقول الآخرين حـولهم وكانـت هذه هي مأساتهم في الماضي كما مأساتهم في الحاضر .. ويبدو ستكون مأسـاتهم في المستقبل القريب والبعيد نتيجة لتكوينهم العقلي الذي ينحو دائماً نحو الإنعزال وفرض النفـي على الذات.

يا ترى أي تاريخ يقرأ الغرب وسيدته الولايات المتحدة، لقد مضى على استقلال هذه الدولة 224 سنة وبضعة أشهر - استقلت في سنة (1190هـ/4 تموز (يوليو) 1776م)- واستقلال الولايات المتحدة جاء عن وطنها الأم (الاستعمارية الكـبرى ) بريطانيـا .. علـى حساب شعوب العالم الجديد سكان الأرض الأصليين الذين سموا "بالهنود الحمر" خطأً. ونجد أوجه شبه إلى حد التطابق بين قوى الاستعمار الاستيطاني قديمها وحـديثها، حيـث كـان مشروع استيطان القارة الأمريكية (العالم الجديد) على حساب السكان الأصليين واحداً مـن أهم مشاريع الاستعمار الاستيطاني المتزامن مع بروز الأطماع التوسعية للسيطرة على العـالم وقد بدأ بذلك الاستيطان بهجرة كثيفة من الطبقات الدنيا المسحوقة لشعوب القارة الأوروبية، الذين مارسوا كل أشكال القتل والإبادة ضد السكان الأصليين، وذلك بهدف السيطرة على مناجم الذهب والموارد الطبيعية في القارة الجديدة، وفي محاولة يائسة لتفريغ الأرض من سكانها
المحليين وإفنائهم وتدمير حضارتهم القديمة، لكن إرادة االله وإرادة الحياة وإرادة الشعوب فـوق إرادة المستوطنين والمستعمرين وصانعي الموت وأعداء الحياة.. وها هم سكان البلاد الأصليين يتكاثرون ويفرضون لغتهم وهويتهم وثقافتهم في طول القارة وعرضها ويكفـي الاسـتعمار الاستيطاني خزياً وعاراً – على سبيل المثال لا الحصر – اية الاستعمار الفرنسي في الجزائـر وبلدان المغرب العربي، وبريطانيا لجنوب أفريقيا ومصر. فهل تعي الولايات المتحدة وربيبتـها "إسرائيل" الدرس حتى ولو جاء فهمه متأخراً ؟!

(24)

وهل سر هذا التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" أو تنبع من هذا المفهوم الأيديولوجي الثقـافي الاستعماري!! لكن من يضمن للولايات المتحدة سكوت شعوب الأرض الجديدة (الأبـدي ) على استعمارها لأرضهم!؟ فإن دوام الحـال من المحـال، وأن العـدل أساس المُلك وبقاؤه !!؟؟

" أين النـمرود و(هرقـل)ُ ومـن ملك الأرض وولَّى وعـزلْ !" وأَين مـا حاز قارون من ذهبٍ وأيـن إرمٍ وعاد وساسـانُ؟ حبذا لوتعيد الولايات المتحدة قراءة التاريخ مرة ثانية -على الأقل- بدلاً من انكباـا النهم على قراءة تاريخ "اليهود" لعلها تكتشف أن "ذو القرنين" اسكندر المقدوني وبعده طغاة الرومان جاءوا إلى بلادنا غزواً وجاسوا خلال الديار لأكثر من ألف سنة وانصرفوا وللعبرة والذكرى يكفي أن ننعش ذاكرة الولايات المتحدة وحلفائها كيف كانـت اية الإمبراطورية الرومانية الشرقية(بيزنطة) التي ظلمت أمتنا وعسفت وتجـبرت ونغصـت عليها معيشتها، فقصم االله ظهرها على يـد محمـد الفـاتح (فـاتح القسـطنطينية ) سـنة (857هـ/1453م) حيث لم تقم لها بعد هذا الفتح قائمة.وفي هذا عبرة لمن أراد أن يعتـبر !! إن أمتنا تعلم أن "إسرائيل" بدون الغرب وسيدته الولايات المتحدة لا تقوى على الصمود أمام أقل دولة عربية أو شعب عربي. والغرب يعلم وسيدته الولايات المتحدة أن حق العرب في فلسطين كل فلسطين – من البحر إلى النهر- كشمس النهار لا تحتـاج إلى دليل  العرب الذين قبلوا بالعيش المشترك مع اليهود قبل قيام "دولة إسرائيل" لا يضيرهم أن يقبلـوا بالمسالمين اليهود منهم بمنحهم حق المواطنة (باعتبارهم فلسطينيين) والحريات التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان. لكن لن يعطي الشعب العربي الفلسطيني وأمته العربيـة الإسـلامية ودولهم هذه الفرصـة وهذه الحقوق لليهود المسالمين إلا بعد إزالة دولـة "إسرائيل" والتحقق من محوها مـن الوجود !

وصدق قول شاعرنا محمود درويش فيهم :
" أيها المـارونَ بين الكلمات العابرةْ
آنَ لكم أن تنصرفُوا
وتقيموا أينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا
فلنا في أرضنا ما نعملْ
ولنا الماضي هنا
ولنا صوت الحياة الأَولْ
ولنا الحاضر والحاضر والمستقبلْ
ولنا الدنيا هنا والآخرةْ
فاخرجوا من أرضنا
من بِرنا من بِحرنا
من قمحنا .. من حلمنا .. من جرحنا
من ذكْريات الذَاكْرةْ
أيها المـارون بين الكلمات العابرةْ

كلمات دلالية

اخر الأخبار