قضايا سياسية بين المباديء والمصالح

تابعنا على:   20:03 2021-12-05

محمد جبر الريفي

أمد/ في الصراعات السياسية الإقليمية والدولية المعاصرة تتراجع الآن في غالبيتها المبادىء الوطنية والقومية والديمقراطية التحررية وحتي الإخلاص للعقائد الدينية كما كان الحال في الماضي حين كانت الثورات الوطنية ضد الاستعمار تجتاح بلدان العالم الثالث لتحل محل تلك المباديء الآن المصالح المادية على اختلاف أنواعها وأشكالها وطبيعتها ..

مصالح متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية تحوز على الاهتمام وتصبح بؤرة توتر بين كثير من دول العالم لهذا لم تعد القضايا العادلة تحوز بالاهتمام إلا بقدر ما تحقق هذه المصالح وهكذا تراجعت قضايا كانت لها مكانتها في السياسة الدولية كقضية التمييز العنصري وقضية الحياد الإيجابي وعدم الانحياز وقد حلت مكان هذه القضايا قضية الإرهاب الدولي التي هي في الأصل من صنع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بهدف إلصاق هذه التهمة التي هي محل شجب واستنكار دولي بالعالم العربي والإسلامي. ...

على المستوى العربي تراجعت قضية التضامن العربي التي برزت كمسألة ملحة في الفكر السياسي العربي اقتضتها ضرورة تجميد الخلافات السياسية بعد هزيمة يونيو حزيران 67 بين ما كانت تسمى بالأنظمة الوطنية بقيادة مصر الناصرية والأنظمة الرجعية وفي المقدمة منها النظام السعودي فلم يوجد حاليا موقف سياسي عربي رسمي موحد في اطار سياسة التضامن بشأن ما يحدث من فوضى سياسية وامنية في بعض دول المنطقة عنوانها الصراع بين النظام السياسي وقوى المعارضة على السلطة السياسية المدعومة من قبل قوى عربية وإقليمية ودولية كما هو الحال في الأزمة السورية كما تراجعت قبل قضية التضامن العربي قضية الوحدة العربية بسبب انهيار دولة الوحدة بين مصر وسوريا التي أعلن عن قيامها في فبراير 58 من القرن الماضي وكذلك إخفاق مشاريع الوحدة المتعددة بعد ذلك كما أصاب التراجع وهذا هو الأخطر على مستقبل الأمة العربية القضية الفلسطينية نفسها عما كانت عليها قبل عقد الاتفاقيات السياسية مع الكيان الصهيوني حيث كانت القضية المركزية للأنظمة العربية على مستوى الحكومات والشعوب وهي قضية وطنية عادلة بكل أبعادها الوطنية والقومية والدينية ولكن لم تعد لها الآن الأولوية في الاهتمام العربي والإسلامي لأن هناك قضايا قطرية أصبحت أكثر أهمية منها اما أولا : لأن هذه القضايا مرتبطة بأمن الأنظمة السياسية واستقرارها وهي في غالبيتها أنظمة استبدادية قمعية معادية للديموقراطية والمحافظة عليها من رياح التغيير وأما ثانيا : لكون هذه القضايا القطرية مرتبطة ايضا بحاجات الشعوب التي تعاني من ازمات الحياة المعيشية الطاحنة التي لم تجد لها حلولا سريعة حاسمة .. هكذا فان حماية القدس الشرقية من التهويد الذي يجري الآن بوتائر سريعة بعد هذا التراجع خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني الذي أعلن عنه في مثل هذا اليوم 7 نوفمبر من العام الماضي وهي قضية في صميم المبادىء لأنها تدخل في اطار العقيدة الدينية لا تجد من يقوم بالاهتمام بها بشكل حازم وفاعل لمنع تغيير معالم هذه المدينة المقدسة من خلال الهدم المتواصل لبعض البيوت وتشريد عائلاتها والقيام ببعض الإجراءات والمشاريع الصهيونية لربط القدس الغربية والمسوطنات بالقدس الشرقية وهو مخطط استراتيجي تهويدي في اطار ما يزعم الاحتلال بأنه جزء من التطوير، فلا النظام العربي الرسمي الذي عقد بعض أطرافه اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني كمصر والأردن أو الذي يقوم البعض الآخر بأحداث عمليات تطبيع كدول الخليج العربية يمكن أن تضحي كل هذه الأطراف بمصالحها القطرية في سبيل حماية هذه المدينة العربية الإسلامية المقدسة من التهويد ..

اما باقي الدول العربية والإسلامية فمصالحها السياسية والاقتصادية التي توفرها لها علاقات التبعية مع دول الغرب الرأسمالية الكبرى هو عندها أهم بكثير من إقحام نفسها في صراع ديني طويل الأمد لا آفق سياسي واضح للوصول إلى حله كالذي يجري الآن في فلسطين لذلك لا غرابة أن نجد ظاهرة الصمت من دول العالم العربي والإسلامي على ما يجري في القدس هي السائدة والاكتفاء ببيانات شجب واستنكار لا تردع الكيان الصهيوني ولا تجعله يتراجع عن تحقيق مخططاته التهويدية العنصرية في جعلها مدينة يهودية خالصة ؛؛؛

اخر الأخبار