آن الأوان لاستحضار روح الانتفاضة

تابعنا على:   08:41 2021-12-10

 عمر حلمي الغول

أمد/  حلت امس الذكرى ال34 للانتفاضة الكبرى، الثورة في الثورة، التي جاءت في اعقاب حملة حصار واستنزاف لطاقات وقدرات الثورة المعاصرة، التي توجت باجتياح لبنان في حزيران عام 1982، مرورا بما حصل في البقاع وطرابلس الغرب 1983، وما تلاها من حرب المخيمات في بيروت 1985/ 1987 وصولا للقمة العربية في نوفمبر 1987 تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية. لكن الشعب العربي الفلسطيني العظيم في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 اغتنم عملية استشهاد أربعة عمال على معبر بيت حانون (ايرز) من قبل سائق شاحنة صهيوني في الثامن من كانون اول / ديسمبر 1987 ليفجر بركان الغضب والسخط، الذي كان بلغ ذروته آنذاك نتاج انتهاكات وجرائم دولة المشروع الصهيوني وانطلق من مخيم جباليا، مخيم الثورة مشعلا الثورة في الثورة، التي امتدت حتى العام 1993 مع توقيع قيادة منظمة التحرير اتفاقية أوسلو في الثالث عشر من أيلول / سبتمبر من ذلك العام.

وتمكنت الانتفاضة العظيمة من سحق المؤامرة، وردها إلى جحور أصحابها من اميركيين وإسرائيليين ومن والاهم من عرب النظام الرسمي، الذين لم ينبسوا ببنت شفة طيلة شهور الحرب الأطول في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، التي استمرت 88 يوما، لانهم كانوا ينتظرون تشييع الثورة المعاصرة وقيادتها عام 1982.

ورغم تراجع قوى الثورة المعادية المؤقت نتاج استعادة الثورة والقضية الوطنية مكانتها في صدر المشهد العربي والعالمي، إلا ان تلك القوى بقيت متربصة وكامنة للثورة، ولم تتراجع عن مخططها الاجرامي، وناورت، واستغلت الظروف العربية المعقدة بعد حربي العراق وايران 1980 /1988 وحرب الخليج الثانية 1990 و1991 ومن ثم 2003 وما اعقبها من احتلال العراق الشقيق، راس حربة الجبهة الشرقية لتشدد الخناق على الشعب العربي الفلسطيني، إلى ان لجأوا لمخطط الفتنة الداخلية عبر دعم انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية في أواسط 2007، الذي مازال جاثما حتى اللحظة على رأس الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني بذرائع وشعارات غوغائية لا تمت للحقيقة بصلة. ورغم نجاحه النسبي في تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وتهديده لمستقبل الكفاح الوطني التحرري، بيد انه لم ينجح تماما في بلوغ أهدافه، مما حدا بتلك القوى برئاسة الولايات المتحدة لدفع القطار العربي الرسمي إلى محطة التطبيع المجاني الاستسلامي تحت سقف اتفاقات الاستسلام "الابراهيمية" التصفوية، التي دشنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في نهاية عام 2017 أي قبل اربع سنوات بالضبط عبر ما اطلق عليه "صفقة القرن" المشؤومة، والتي وجدت ترجمتها في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب للقدس .. إلخ من عمليات الحصار والخنق للسلطة الفلسطينية، وتجفيف أموال الدعم وصولا لتوقيع كل من الامارات والبحرين الاتفاقات انفة الذكر في اب / أغسطس وأيلول / سبتمبر 2020، ثم لحقت بهم كل من السودان والمغرب والحبل على الجرار.

الان الحالة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه، وهناك ازمة عميقة تهدد المشروع الوطني برمته، ويخطىء من يعتقد عكس ذلك، لان من يقرأ المشهد بعيدا عن الاسقاطات الرغبوية يستطيع ان يتلمس جيدا الترهل والتقهقر والفوضى والانفلات الأمني، والفجوة الكبيرة بين الشعب والقيادة، وحالة من الغضب والسخط والغليان المشابه للحالة الفلسطينية السابقة لانتفاضة كانون المجيدة 1987، وهي مؤشرات واقعية وملموسة، ومن ينزل للشارع يستطيع ان يراها بام عينه

وكل قوى الثورة المضادة تعمل بتنسيق معلن وخفي لتعميق الازمة والهوة بين الشعب والقيادة الشرعية، وتسعى بشكل حثيث لسحب البساط من تحت اقدام منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد. وللأسف القيادة مازالت تراوح مكانك عد، ولم تلتقط الحلقة المركزية في المواجهة، والخروج من نفق المراوحة، رغم الاعلان عن نيتها لدعوة المجلس المركزي، الذي غاب عن الحضور طيلة ثلاثة أعوام كاملة دون سبب مقنع، ومع ذلك الفرصة لم تفت لاعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، كما انها (القيادة) تلكأت في دفع المقاومة الشعبية خطوة جدية للامام. لا سيما وان المقاومة موجودة في عدد محدود لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة من القرى المتناثرة، وما على القيادة الا ان تفعلها وتوسعها وفق خطة شاملة. لان المقاومة الشعبية السلمية اسوة بطابع الثورة في الثورة الكانونية كانت ومازالت تمثل الرافعة الأهم لحماية القيادة والشعب والثورة ومنظمة التحرير ووحدة الشعب والهوية والاهداف الوطنية، وتوقف جرائم وانتهاكات وإرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، وتفرض على اميركا وأوروبا وروسيا والعرب الرسميين والعالم كله وقف المهزلة الصهيونية الأميركية، والاندفاع الجدي نحو فرض الحل السياسي الذي اقرته الشرعية الدولية وقبلت به المنظمة والغالبية من الشعب.

ولا اعتقد اني اتجاوز المنطق العلمي بالاستنتاج، بان اللحظة السياسية الراهنة تعتبر محطة فاصلة في مستقبل الكفاح الوطني، فإما ان نلتقط الحلقة الأهم في السلسلة المذكورة انفا، واما ان تفتح أبواب جهنم في الداخل الفلسطيني. ولا أرى حلا وسطا. لإن انصاف الحلول لم تعد تجدِ، وحدود المناورة الوطنية ضيقة جدا، فاما نكون او لا نكون. وكل عام وذكرى الانتفاضة العظيمة وشعبنا بخير.

اخر الأخبار