النقب الفلسطيني يشتعل بالثورة في مواجهة استراتيجية التهويد

تابعنا على:   12:17 2022-01-17

عليان عليان

أمد/ يواصل العدو الصهيوني مصادرة الأراضي العربية في النقب، وبقية أرجاء فلسطين المحتلة عام 1948 ، وفي الضفة الفلسطينية المحتلة والقدس ومحيطها ،تحت مبررات متعددة ، تارةً تحت مبرر التطوير، وتارةً بذريعة الزعم أنها أراضي دولة ، وتارة بذريعة إقامة مناطق خضراء ، وتارةً بذريعة أهميتها لأغراض عسكرية ، وعملية النهب الجديدة في النقب تتماهى مع ما جرى في منطقة الجليل والمثلث عام 1976 ، وغيرها من المناطق المحتلة في فلسطين المحتلة عام 1948، وتتماهى تماماً مع عمليات نهب الأراضي المستمرة في الضفة الفلسطينية لإقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية، ولشق الطرق الالتفافية الاستيطانية التي تلتهم ما مساحته 500 كيلو متر مربع من الأراضي الفلسطينية الزراعية التي جرت تغطيتها في الاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني .

النقب يتعرض لأكبر عملية سطو على أراضيه

فالنقب الذي تبلغ مساحته ما يزيد عن (14) ألف كيلو متر مربع ، 60 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة ( 27) ألف كيلو متر مربع ، تعرض لأكبر عملية سطو لأراضيه منذ عام 1948 ، ولم يبق للقبائل العربية فيه سوى أقل من (3) في المائة منه يقيمون في عدد من القرى والمدن في مناطق قضاء بئر السبع ، كمدينة رهط وتل السبع وشكيب واللقية وحورة وكسيفة وعرعرة وقرى أخرى وعددها أكثر من 10 مدن و160 قرية مثل بئر هداج الأعسم وغيرها الكثير.

وكانت قوات الاحتلال قد شرعت خلال الأيام الماضية، بتجريف مساحات واسعة من أراضي عائلة الأطرش قرب قرية سعوة في النقب ، كخطوة أولى لتجريف أراضي ستة قرى أخرى بذريعة " التحريش" وإقامة مناطق خضراء في النقب ، متجاهلة أن أراضي النقب مملوكة لأبنائها العرب قبل قيام دولة الكيان الغاصب عام 1948 ، ومنذ أيام الحكم العثماني وأن أصحابها يمتلكون في معظمهم شهادات إثبات ملكية لها ، وسلطات الاحتلال بمجزرتها الاستيطانية تواصل ما بدأته منذ عقود في مصادرة ما تبقى من الأرض الفلسطينية في النقب .

ولم تكتف سلطات الاحتلال بمصادرة الأراضي ، بل أنها قامت وتقوم بهدم البيوت العربية في النقب، حيث تم هدم حتى الآن (10) آلاف منزل بذريعة عدم الترخيص ، وتقوم بهدم القرى غير المعترف بها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر جرى هدم قرية العراقيب الفلسطينية (196) مرة ، وأعاد أهلها بنائها في تحد للاحتلال، يعكس عمق الارتباط بالأرض .

وقرية العراقيب واحدة من 36 قرية عربية في النقب لا يعترف الاحتلال بها ، وهي محرومة من أية خدمات مثل الكهرباء والماء والمدارس ، ومن خدمات البنية التحتية ،ومع ذلك فإن أبنائها العرب متمسكون بها ولا يغادرونها ، حفاظاً منهم على أراضيهم وهم في مواجهة مستمرة مع سلطات الاحتلال .

باختصار شديد فإن أوضاع العرب –أبناء البلاد الأصليين - في صحراء النقب تسير من سيئ إلى أسوأ ، جراء سياسات التطهير العرقي التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 وحتى اللحظة ، والتي تصاعدت في السنوات العشر الأخيرة استناداً إلى مشروع برافر الذي أقره الكنيست الإسرائيلي يوم 24 يونيو/حزيران 2013 بناء على توصية من وزير التخطيط الإسرائيلي إيهود برافر عام 2011 ،لمصادرة 700 ألف دونم من الأراضي العربية الفلسطينية في النقب ، ولنقل سكان 22 من أصل 39 قرية عربية غير معترف بها في النقب داخل مناطق التخطيط اليهودي، والمقدر عددهم بنحو 40 ألف شخص يشكلون قرابة 40% من العرب البدو ومصادرة ما تبقى من الأراضي العربية في النقب، لإضفاء شرعية القانون الإسرائيلي على تهجير العرب دون إذن قضائي ويحرمهم من حق الطعن فيه.

هبة شعبية فلسطينية في مواجهة تجريف الأراضي والاستيطان

لقد شهد النقب الفلسطيني الجريح الأسبوع الماضي ، هبة شعبية ضد الاستراتيجية الصهيونية وتطبيقاتها على الأرض ، التي تستهدف نهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية المملوكة لأبناء شعبنا الصامد في أرضه ، فما أن شرعت سلطات الاحتلال بتجريف مساحات من أرض الفلسطينيين في النقب قرب قرية سعوة ، حتى انطلقت حشود كبيرة من الفلسطينيين من مختلف أرجاء مناطق 1948 ، من الجليل والمثلث وعكا وحيفا ويافا واللد والرملة ومن سائر بلدات النقب ، للدفاع عن أرض النقب العربية.

وقد اشتبكت الجماهير العربية مع قوات الاحتلال لمنع عملية التجريف ، وقامت بقطع الطرقات أمام آليات العدو ، في حين استخدمت شرطة الاحتلال قنابل الغاز السام والرصاص المطاطي ، وقامت برش المتظاهرين بالمياه العادمة ، وأمام استبسال الجماهير في الدفاع عن الأرض ، تم استقدام" فرقة يمام" المتخصصة بقمع المظاهرات ، التي لجأت إلى اعتقال ما يزيد عن (46) ، بينما قام طيران العدو بالتحليق على علو منخفض في محاولة بائسة لبث الرعب في صفوف المتظاهرين ، الذين أعلنوا أنهم سيعاودون التظاهر لوقف عمليات التجريف ولإطلاق سراح المعتقلين. .

لماذا الهجمة الصهيونية على أراضي النقب؟

هنالك عدة أسباب تدفع الكيان الصهيوني للمسارعة في مصادرة أراضي النقب أبرزها:

1-أن عدد العرب في قرى ومدن النقب يتزايد بسرعة بحكم نسبة الولادة العالية التي تفوق نسبة الولادة لدى المستوطنين ، إذ بلغ عدد العرب في النقب عام 2014 ( 314) ألف نسمة من أصل مليون نسمة ، مع ضرورة الإشارة هنا أن الفارق في حينه بعدد السكان لصالح اليهود يعود إلى سياسات الاستيطان ، وليس إلى معدلات الخصوبة .

لكن عدد العرب في الفترة اللاحقة وصل إلى حوالي نصف عدد سكان النقب ، بحكم معدل الخصوبة العالية ، فمتوسط عدد الأبناء في الأسر العربية يصل إلى حوالي (7) أبناء وفق نسبة توالد (5) في المائة ، في حين أن معدل الأبناء في الأسر اليهودية لا يتجاوز 2- 3 أبناء، وفق نسبة توالد تتراوح ما بين 1-2 في المائة ، ما يعني أن الديمغرافيا العربية في المدى المتوسط ستفوق عدد اليهود في النقب ، وهذا ما سبب صداعاً للكيان الصهيوني الذي يرى في نسبة التكاثر العربية خطراً أمنياً على الكيان ، وعلى المشروع الاستيطاني برمته ، ويحول دون تطبيق " يهودية الدولة، ومن ثم فإن حكومات العدو عملت على مصادرة ما تبقى من أراضيهم وهدم قراهم ومنازلهم ،ونقلهم وتجميعهم قسراً في مناطق صغيرة المساحة وحصر تواجدهم فيها ، من أجل كسر التمركز السكاني العربي الكثيف في مناطق لها هويتها وتراثها العربي.

لقد رصد العدو الصهيوني القفزات المتتالية في عدد السكان العرب في النقب، إذ ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي 200 ألف حتى نهاية العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين ، ووصل إلى 314 ألف نسمة حتى مطلع عام 2015 ، ليصل إلى حوالي نصف مليون لاحقاً حتى 2015.

2- أهمية النقب في استراتيجية العدو الصهيوني من عدة زوايا أبرزها :

أ-أنه يختزن في جوفه مخزون هائل من المياه العذبة، ما يجعله صالحاً للزراعة وليصبح سلة غذاء للكيان الصهيوني ، وفي الذاكرة قيام حكومة العدو بتحويل مياه نهر الأردن في شهر مايو ( أيار)عام 1964 ، وجرها مياهه للنقب بواسطة مضخات ترفع المياه من (108) متر تحت سطح البحر إلى (238) متر فوق السطح .

تجدر الإشارة إلى منطقة بئر السبع والخليل تشترك في حوض مياه تبلغ مساحته 300 كيلو متر مربع ، ويستفاد منه سنوياً ما بين 20 - 21 مليون متر مكعب، وتنخفض معدلات التغذية أحياناً إلى 16,6 مليون متر مكعب في حين لا يتعدى أعلاها 21 مليون متر مكعب.

لقد أدرك مؤسس دولة الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني " ديفيد بن غوريون" أهمية النقب مبكرا، عندما أطلق شعاره "إذا لم نصمد في الصحراء فستسقط تل أبيب"، والذي اعتبره الصندوق القومي اليهودي "الكيرن كايمت " وغيره من المؤسسات الصهيونية توجيهاً استراتيجياً عملت على خلق الآليات لتطبيقه ، عبر مصادرة الأراضي وهدم البيوت والقرى وصولاً إلى عمليات التجريف والتحريش التي نشهدها هذه الأيام .

وقد سبق أن وصف بن غوريون صحراء النقب في خطاب له في البرلمان الصهيوني "الكنيست الثاني" عام 1951 بأنها " مشروع الأمة" حيث جاء في ذلك الخطاب : "علينا غرس مئات الآلاف من الأشجار على مساحة 5 ملايين دونم ، لنغط بالغابات كل جبال البلاد ومنحدراتها وكلّ الهضاب والأراضي الصخرية غير المناسبة للزراعة وكثبان الساحل والمهانة التي تعرّض لها الوطن، والمهانة التي تعرّضت لها الأرض، علينا أن نجند لذلك كل القوة المهنية للبلاد".

فالمشروع إذاً هو خلق الارتباط بين الضيوف الجدد وبين الأرض المسروقة من أهلها، لأن زرع الأشجار هو الطريقة الوحيدة لمساعدة اليهود على تنمية علاقة وجدانية قوية مع الأرض"، كما قال مؤسس دولة الاغتصاب ،ولأن التشجير هنا يمثل هوية قومية، فهو يستوجب قلْع جذور "الشجرة الأخرى"، وهي هوية الفلسطينيين الذين لا يزالون يصارعون بأجسادهم العارية للاحتفاظ بحقهم ( انظر بيروت حمود ، مقال : النقب تقارب أحلام بن غوريون ، جريدة الأخبار اللبنانية ، 14 يناير( كانون ثاني) 2022).

ب- وفي ضوء الاستصلاح المستمر لأراضي النقب المصادرة، تم إقامة العديد من المستوطنات في النقب لاستيعاب حوالي 800 ألف مستوطن ، ناهيك أن مشروع التجريف الجديد للأراضي يستهدف إقامة ( 12) مستوطنة جديدة ، بعد أن صادقت سلطات الاحتلال على إقامة (3) مستوطنات في النقب العام الماضي.

ب- أن صحراء النقب تتميز بموقعها الاستراتيجي الجيوسياسي الهام المحاذي للأراضي المصرية والأردنية ، وهي باتساعها تشكل حاجزاً كبيراً بين عمق الكيان الصهيوني وبين مصر ، وليس صدفةً في هذا السياق أن يتم بناء مفاعل ديمونة في الجزء الجنوب الشرقي منه ، وأن تبنى فيه المطارات الحربية ، وأن تقام فيه مستودعات هائلة للأسلحة الأمريكية المتطورة، وأن تجري فيه المناورات العسكرية المشتركة مع الجيش الأمريكي وغيره من الجيوش الغربية.

كلمات دلالية

اخر الأخبار