السنوارُ وخياراتُ بئرِ يوسف

تابعنا على:   09:26 2022-01-25

منار مهدي

أمد/ جرتِ العادةُ أن نعودَ للربطِ بين الماضي والحاضرِ والمُستقبلِ، لكي نصلَ للحقيقةِ من التاريخِ الإنسانيِّ المرتبطِ بالقصصِ والأحداث، وبالتطورِ الطبيعيّ لديمومةِ حركةِ التغييرِ في المساراتِ البشرية، السياسية والاجتماعيةِ المُوصلة إلى تحقيق نتائج مُستهدفة من حركة التغيير، بقدرِ ما تلعب فيها دائمًا الأقدارُ الإلهية دورًا عظيمًا في مسيرة التحول وتحديد الأهداف سلفًا، ومن هنا لا بدَّ من التأكيدِ على أن الضرورةَ الحتمية التي لا مجالَ فيها لإنجازاتٍ عشوائيةٍ غيرَ محددةٍ من قبل، على أنها نظريةٌ يمكن تبنيها من قبل أشد الناس إلحادًا وتمسكًا بالقوانين العلمية، ومن قبل أشد الناس إيمانًا وقدرية. 

‎وما بين الضرورةِ والأحداث، حتمية قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وقدرية مرور المسافرين بعد إلقائه في البئر لإنقاذه، ليصبح فيما بعد عزيز مصر.

ونحن نعلم أن التدخل الإلهي كان لديه كلمةُ الفصلِ في عمليةِ التخطيطِ والتنفيذِ من المُقاومةِ الفلسطينيةِ التي نجحتْ في خطفِ الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006م، والتي فرضت واقعًا أجبرت فيه المُقاومةُ الاحتلالَ الصهيوني بعد أربعِ سنواتٍ تقريبًا من المفاوضات غيرَ المُباشرة على قَبول الصفقة الأكبر في تاريخ الصراع والصفقات مع الاحتلال عبر الوساطة المصرية، والمسألةُ ليست هنا، بل هي أكبرُ مما ينبغي، وخاصةً بعدَ حتميةِ الإفراج في صفقة التبادل عن يحيى السنوار مؤسسِ جهازِ الأمن والدعوة "مجدِ" مع روحي مشتهى عام 1985م، تمهيدًا لعودة السنوار من جديد للدور المفقود في حماس، ومن أجل استعادة المشروع الذي انحرفت بوصلتُه بعد الانقلابِ المسلح من القوة التنفيذية التابعة لحماس على السلطة الفلسطينية التابعة لحركة فتح ولمحمود عباس في غزةَ عام 2007م.

وبناءً على ذلك يمكن القول أن مرحلة مُختلفة قد بدأت في حركة حماس، وخاصة في مُعالجات تصحيح وتصويب المسار التي يصب في حماية المشروع التحرري داخل حماس بعد تيه الحكم، وهذا يأتي عبرَ الفصل بين تطوير قدراتها القتالية وتقنياتها التضليلية للمُقاومة، وبين احتياجات إدارة الحكم في غزة من جهة، ومن جهة أخرى، بينَ مُواجهةِ جماعاتِ المصالحِ وأصحابِ النفوذِ في حكمٍ بات يرى فيه المُواطنُ بأنّه يعتمد على المحسوبيةِ والرشوة في قطاع غزة الذي لا يزال يعيش معاناةَ الحصارِ والفقرِ والبطالة.

والموضوع لم ينتهِ بعد، بل معَ انتخاب السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس في غزة مرتين، يمكن لنا القول في هذه المرحلة قد نجحتْ حماسُ مع السنوار في تحقيق تقدم كبير في ملف إعادة بناء الثقة وترميمِ العلاقات الإقليمية، ولا سيما مع الدولةِ الإيرانيَّةِ وحزبِ الله اللبنانيّ في الخارج، وفقًا لبرنامج دعمٍ ومشروعِ تطويرِ أدواتِ ردعِ المُقاومة، كما يستمر سعيها في تحسين علاقاتها مع محور السعودية أيضًا، وفي الداخل الفلسطيني أنجزت حماس تشكيلَ غرفة ِالعملياتِ المشتركةِ أو الموحّدة لفصائل المُقاومة مع بداية عام 2018م، لهدف إدارة المُواجهة مع الاحتلال، كما نجحت في إعادة تنشيط ملف العلاقات الوطنية مع القوى والفصائل الفلسطينية في غزة، مما كان لها الدور مع حماس في برنامج فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار على طول حُدود الاشتباك في قطاع غزة مع قوات الاحتلال الإرهابية، وأيضًا نجح السنوار مع الوقت في الحد من الاعتقال السياسي في غزة، وفي فتح مساحات مقبولة أمام حرية الصحافة، وحرية التعبير والرأي، وقد نجح السنوار في رد الاعتبار السياسي لملف المُصالحة الوطنية مع حركة فتح لفترة من الزمن، من عبر المتابعة والاهتمام باللقاءات والحوارات الوطنية في القاهرة وغزة سابقًا، وصولاً لحوارات الجزائر اليوم من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي لا يزال قائمًا رغم كل الجهود والجلسات واللقاءات بين حركتي فتح وحماس منذ ثلاثة عشر عامًا. 

وبالتالي علينا طرحَ السؤالِ العاجلِ الذي يجب أن يكون على طاولة السنوار للإجابة عليه خلالَ الأيامِ القادمة، وبعيدًا عن حسابات الربحِ والخسارة في الحرب والسلم، وعن حسابات الظروف المعيشية والتعقيدات السياسية والأمنية القائمة.

وعليه نسأل السنوار: هل فعلاً غزة غادرتِ البئر؟؟ وباتت فلسطين تنتظر منك أن تكونَ عزيزُ القدس أم لا زالت تنتظر وعدَ الآخرة المرتبط بحتمية زوال دولة الاحتلال الصهيوني عن الأراضي الفلسطينية المُقدسة؟؟

اخر الأخبار