الاستعمار وتحرر الشعوب

تابعنا على:   08:13 2022-01-29

عمر حلمي الغول

أمد/ نقيضان لا يلتقيان، هما الاستعمار والشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار، لان التناقض بينهما تناحري، ولا يمكن ان يتجاورا سياسيا وفكريا واقتصاديا وثقافيا. واذا ما التقيا، فإن لقاءهما يكون ممرا اجباريا للاستعمار للبحث مع حركة التحرر في كيفية انسحابه وزواله من الدولة المحتلة، ومنحها الاستقلال مرغما لا طواعية. وحتى في ظل شروط استثنائية في حال وافقت حركة التحرر اللقاء مع المستعمر في ظل موازين قوى محددة يكون اللقاء خطوة على طريق الانعتاق من نير الاستعمار، وليس للتساوق مع المستعمر، وان وجدت مساومة ما من قبل حركة تحرر ما مع اعدائها وعلى حساب المشروع الوطني يعود السبب لضعف وانتهازية هذه القيادة او تلك، او نتاج تعقيدات ذاتية وموضوعية فرضت تدوير زوايا للتقدم نحو التحرر الوطني وفق سياسة الخطوة خطوة، وتمرحل الكفاح التحرري، وليس تنازلا عن المصالح والحقوق القومية.

ومبدئيا لا تكمن المشكلة في المساومة، ففي كل عمليات التحرر الوطني تمت مساومات. لكن هناك مساومات رخبصة ومبتذلة، وهناك مساومات ندية تعكس مكانة وقوة واصالة وثورية قيادة حركة التحرر الوطني. وبالتالي اللقاء المؤقت بين النقيضين، هو لقاء نسبي، الاساس فيه خدمة المصالح الوطنية والقومية، وليس العكس. لا سيما وان التفاوض من موقع الندية والمناورة التكتيكية جزء لا يتجزأ من عملية الكفاح التحرري، وليست العملية التفاوضية نقيصة، او خطيئة، بل العكس صحيح، شرط ان تقوم عملية التفاوض على استعادة الحقوق السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية للشعب الواقع تحت بسطار الاستعمار.

ارتباطا بما تقدم، اعلن نفتالي بينت، رئيس حكومة الاستعمار الإسرائيلي يوم الخميس الماضي الموافق 27 يناير الحالي في صحيفة "يسرائيل هيوم" "انه يعارض إقامة دولة فلسطينية. مؤكدا " طالما انا رئيس الحكومة لن يكون هناك (تطبيق لاتفاق) أوسلو." وتابع معرفا بخلفيته الاستعمارية المعادية للسلام، قائلا "انا من الجناح اليميني، ومواقفي لم تتغير، مازلت اعارض إقامة دولة فلسطينية وادافع عن دولتنا." ليس هذا فحسب، انما ذهب لابعد من ذلك، مكررا مواقفه المتناقضة مع مبدأ خيار السلام، حينما اكد بالفم الملآن " لن اسمح بمفاوضات سياسية على خط الدولة الفلسطينية (...) ولست مستعدا للقاء أي من قادة السلطة" الفلسطينية.

وتعقيبا على لقاءات وزير الخارجية الإسرائيلي، يئير لبيد، ووزير الجيش بيني غانتس مع مسؤولين فلسطينيين مؤخرا، قال المستعمر بينت "ليس لديهما سلطة التحرك في الموضوع السياسي."  

وردا على فجور رئيس حكومة التغيير معقدة التركيب اليمينية الاستعمارية، يمكن الرد بهدوء شديد ودون انفعال وغضب، وفق المعايير التالية: أولا من قال لك انك او غيرك من القادة الإسرائيليين الاستعماريين سيأتي برغبته وخاطره لطاولة المفاوضات. لا ستأتي مرغما ومسحوبا من انفك واذنيك بفعل صمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني؛ ثانيا لا تعتقد للحظة واحدة، ان القيادة الفلسطينية مندلقة على لقائك او لقاء غير من قادة دولة الاستعمار الصهيوني، ولكن نتاج رغبتها الأكيد بصناعة السلام الممكن والمقبول تقبل قيادة منظمة التحرير اللقاء ومرغمة، ولكن مصالح الشعب العليا، تحتم ولوجها نفق التفاوض؛ ثالثا أيضا يعود الاستعداد الفلسطيني للقاء للاستجابة لقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، ولوقف دائرة العنف والإرهاب الدولاني المنظم الإسرائيلي؛ رابعا وكذا لتحفيز الأقطاب الدولية وخاصة الولايات المتحدة والشرعية الأممية للارتقاء لمستوى المسؤولية للانسجام مع مئات القرارات الأممية وسلسلة الاتفاقات التي تم التوقيع عليها، ودفع خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 خطوة نوعية للامام؛ خامسا الاستعداد الفلسطيني للقاء مع امثالك المجرمين، ليس لسواد عيونك، او تنازلا عن الحقوق الوطنية، ولكن تجسيدا للحقوق الوطنية وفق معايير الشرعية الدولية، وحماية للسلام، ولخلق بيئة مناسبة للتعايش ونبذ إرهاب دولة التطهير العرقي، التي تقف على رأسها.

وتعقيبا على تعقيب زعيم حزب يمينيا القزمي في الائتلاف والمشهد الإسرائيلي عموما على لقاءات وزيري خارجية وحرب الحكومة الإسرائيلية مع القيادة الفلسطينية تأكيده انهما لا يمتلكا "سلطة التحرك في الموضوع السياسي." فهو يشير أولا لتغوله عليهما، رغم انهما اكثر حضورا ونفوذا في الشارع الإسرائيلي؛ وثانيا تساوقهما مع اليميني المتطرف يعكس تساوقا معه، ومع خياره الاستعماري؛ ثالثا يؤكد ضعفهما وجبنهما امامه ومن عودة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو؛ رابعا إضافة لكل ما تقدم، لا يقلوا استعمارية وتطرفا عن الولد الصهيوني المتعجرف بينت. لانهما لو كانا يملكان الشجاعة، ولديهما القناعة بخيار السلام لما صافحا زعيم يمينا من اصله. لكنهما باسم العقدة من زعيم الليكود، وكونهما مطمئنان لعدم وجود ضغط دولي عموما واميركي خصوصا ارتميا تحت حذاء بينت التافه، وكونهما من ذات الطينة.  

لكن على بينت واقرانه من المستعمرين الإسرائيليين ان يدركوا جيدا، انكم ستأتون عما قريب مرغمين للتفاوض على انسحابكم الكامل من الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنح دولة فلسطين استقلالها الناجز، وتأمين عودة اللاجئين لابناء الشعب الفلسطيني وفقا للقرار الدولي 194، ومنح المساواة الكاملة لابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. وان غدٍ لناظره قريب.

اخر الأخبار