مشروع النهضة العربي هل يجد فرصة في مرحلة تطاحن المشاريع؟

تابعنا على:   10:05 2022-02-06

صالح عوض

أمد/ شبهات حول العروبة:
قبل الولوج في هذه الموضوع من المفيد أن أزيح من أمام القارئ بعض الملابسات أولها ان طرح العروبة هنا ليس طرحا عرقيا إنما هو طرح أولويات لكاتب عربي يعيش في منطقة عربية بل وفي عمقها "فلسطين" ولذا فإن تحسس الدور الحضاري للعرب يأتي من باب الأولوية والواقعية فضلا على أنه يمس جزءا كبيرا يسكن رقعة حاسمة من جغرافية الامة وعلى مواقعها المقدسة جميعا وهو جزء متقدم من أمة تحمل رسالة ويجمعها تاريخ طويل، و لقد تحمل هذا الجزء مهمة الريادة التاريخية في العالمية الإسلامية الأولى وهو لايزال يمتلك من العناصر ما يؤهله للقيام بالمهمة نفسها وان تأخر نهوضه لأسباب واقعية، أو على الأقل سيكون جزءا أساسيا من المهمة الحضارية، وهذا ما فهمه جمال الدين الأغاني عندما ترك بلاده ومذهبه وجاء الى قلب العرب-مصر- والتحق بأزهرها واثار فيها روح اليقظة فكان صوت المنطقة وروحها للنهوض، وفي هذا دعوة للتكامل وليس للتصارع مع المشروعين الأخيرين -التركي والإيراني- المنهمكين الان في التحرك الدؤوب في التوسع والنهضة، وحيص ان لكل منهما خصوصياته وتحدياته الخاصة والعامة، من هنا فإن البحث عن السبيل لنهضة العرب ليس على حساب غيرهم من أبناء الأمة لا سمح الله ولا للضرر بهم، ولا للتصادم مع المشروعين التركي والإيراني، انما هي ترتيبات الواقعية و"الأولى لك فالأولى"، فيصبح من العبث ان نفكر بطريق يفيد به العرب غيرهم من أبناء الامة قبل أن ينهضوا لقوتهم وجمع عناصر قوتهم.
ليس بريئا من يرفع في وجوهنا الشارة الحمراء كلما حاولنا الاقتراب من موضوعة العرب، وكأننا ندعو بدعوة الجاهلية كما فعل القوميون المتطرفون في الأحزاب القومية العربية، أو كأن الدعوة لنهضة عربية تعني الانفصال عن الأمة، أو الاستهانة بتضحياتها وجهود طلائعها في كل مكان، أو كأننا نتحدث عن أفضلية عرق على عرق! فيما نرى بعض أبنائنا بغير إحساس بمسئولية منهم يتغنون ليل نهار بتجارب شعوب أخرى وقوميات أخرى -تربطنا بهم روابط الاخوة والنصرة-دون تمحيص وتدبر، بل ويجتهد البعض في البحث عن مزايا الاقوام والشعوب في حين يتلذذ بذكر المثالب كلها في العرب الحقيقي منها والمفبرك، ولعلهم لا يدركون أنهم لن يفيدوا شعبهم ولا أمتهم بمثل ما يفعلون من هيام بتجارب الاخرين بل لعلهم في خانة من يتباهون بما ليس من صنعهم على طريقة العجزة الذين يتسلّون بمآثر التاريخ.. انها المنقصة ذاتها التي يشترك فيها من يتفاخر بالماضي والذي يتفاخر بأفعال أقوام آخرين، فكلا الطرفين يتباهى بما ليس له فيه جهد أو دور.. كما أنه من المعيب ان نتحرك بروح عدائية لغيرنا من أبناء الأمة فيما نظن أنه دفاع عن مشروع النهضة العربي، حيث أن نقيضنا الجوهري هو الاستعمار وأدواته ومنهجه واساليبه العدوانية أما علاقتنا بمشاريع الأمة فهي علاقة تكامل وتنافس إيجابي وان اختلفت في بعض إجاباتها وان اختلفت بعض اجتهاداتنا.. وعلى هذا فإن الدعوة لنهضة العرب إنما هي في الحقيقة محاولة بعث لمنطقة مركزية في الأمة لها خصوصياتها وحساسيتها وهنا يكون من الضرورة على أصحاب المشروعين البارزين في الأمة الآن ملامستها بهدوء دون محاولة لتفجيرها او التجاوز عليها.. وذلك ليس فقط بدافع أخلاقي وقيمي تفرضه أواصر الاخوة وانما أيضا بدوافع المصلحة لتجنيب العرب أن يكونوا نقيضا للمشروعين فيكونوا عوامل تدمير لهما وتخريب عليهما لا يمكن الاستهانة به لاسيما ان وجدت الدوائر الاستعمارية إمكانيات تشغيله ضد المشروعين..
وهنا نتساءل هل هناك مشروع نهضة عربي؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب ان نتحرر من الأجوبة المعلبة والنمطية فالنهضة العربية المعاصرة متواصلة منذ بدأت الحركات الوطنية والثقافية والتحررية في الوطن العربي مع مطلع القرن الحالي بعد أن اكتشف العرب ان محاولتهم بناء دولة جامعة لهم بموافقة الاستعمار كانت مغامرة مدمرة.. فكانت الحركات التحررية والثقافية في مشرق العرب ومغربهم تتحرك لاستعادة السيادة والاستقلال والقيام بالمهمات التاريخية.. ولعل ابن باديس والثعالبي ورشيد رضا ومحمد عبده وحسن البنا ومصطفى السباعي والسنوسية وعبدالكريم الخطابي وخلفهم رهط كريم من المفكرين والأدباء والشعراء العرب استطاعوا ان يرسموا معالم النهضة التي تبدأ باستعادة اللغة العربية دورها وقيمتها واستعادة الإسلام حيويته وتحريره من الافهام السقيمة والاعتزاز بتاريخ الامة ودورها الإنساني الحضاري.. وفي نهضة الرواد كانت المعاني تتحدد دونما اضطراب وكان كل شيء يوضع في مكانه دونما ظلم أو طغيان رغم تهويش المتطفلين على الثقافة والنهضة.
بعيدا عن لعبة الألفاظ نقرر بيقين أننا ندعو الى مشروع نهضة العرب ولا ننظّر لنهضة عربية منعزلة بمعنى أننا نريد ان يسهم العرب بما لديهم من خصوصيات في مشروع نهضة الامة، وليس في ذهننا مشروع نهضة عربية مستقلة عن مشاريع النهضة في الامة او بمعزل عنها او في تضاد معها.
العرب على مائدة المشاريع:
على المستوى الدولي هناك مشاريع متصارعة تحاول توزع القطبية او الاستئثار بها: "امريكا وروسيا والصين" وهي تتحرك بدأب للسيطرة على العالم لاسيما المنطقة العربية والعالم الاسلامي، وعلى المستوى الإقليمي تبرز ثلاث مشاريع" التركي والإيراني والصهيوني" تحاول تقاسم المنطقة والاشراف عليها وهي تتصادم فيما بينها حيانا او تتساوق او تتشارك وان كان المشروع الصهيوني لقيط ولا مبررات تاريخية او منطقية له ولا ضمانات لاستمراره فان المشروعين الاخرين لهما ما يبررهما تاريخيا وموضوعيا وهما يجدان في تمددهما في المنطقة العربية تبريرات قوية ولو كان ذلك على حساب وحدة الدولة العربية ونسيجها الاجتماعي.. فمع المشاريع الدولية ينظر الى العرب على أنهم أمة قد خلت، وما ينبغي ترك فرصة لهم لكي يعاد تشكلهم من جديد، ولهذا يتجه الغرب لوضع كل ضمانات التدمير والهيمنة في صلب الواقع العربي من الكيان الصهيوني الى حكام التبعية والى بعثرة المجتمعات العربية بالتجزئة وبالتناثر الطائفي والسياسي وبضرب كل محاولات النهوض بشكل مباشر او غير مباشر، وقادة المشروع الاستعماري ينطلقون من قاعدة أيديولوجية فلسفية تفيد انه بافقاد العرب القدرة على الانطلاق يمكنهم إبقاء المارد الإسلامي مشتتا وميتا وبلا روح، لهذا فهم ينقلون المعركة على ارض العرب من موقع الى موقع حتى لكأنك لا ترى مكانا للحرب والصراع والتدمير الا في ارض العرب مشرقا ومغربا، وفي الحين الذي يتساهل المستعمرون في مسألة النووي الباكستاني ويبدون تقبلا للنوي الإيراني بحدود اقل فانهم اسرعوا في تدمير المفيعيل العراقي ونواة المفاعل السوري، أما على مستوى المشاريع الإقليمية فيصار الى تقاسم منطقة العرب واخضاعهما بمزيد من التفتت والالحاق على اعتبار انها المجال الحيوي لكلا المشروعين ولكل مشروع منهما قاعدته الفلسفية فان تحرك احدهما بباعث السياسة" الدولة العثمانية" يتحرك الاخر برسالة" محور الشيعة" وفي الحالتين يجد كل من المشروعين نفسه مضطرا ان يدخل على الأمن العربي والمجتمع العربي لتقسيمه واحداث التنافر فيما بين طوائفه واعراقه.. مع المشاريع الدولية نراقب حجم الضغط الثقافي والنفسي والإعلامي لإحباط أي محاولة للنهضة العربية والغريب انه في حين تم القبول بدولة قومية تركية ودولة قومية فارسية لم يسمح بقيام دولة عربية قومية "400" مليون انسان رغم تحالف زعماء عرب الحجاز والشام والعراق مع الانجليز لإسقاط السلطنة العثمانية ورغم الوعود الموثقة بان ذلك سيمنح العرب فرصة قيام الدولة العربية، بمعنى واضح تماما ان الدوائر الاستعمارية تجعل نصب عينيها تفتيت العرب وتكريس التجزئة بينهم واثارة الفتن في مجتمعاتهم كما لم يفعلوا باي من القوميات الإسلامية الأخرى.. وهذا كله لإدراك الدوائر الاستعمارية أي دور يمكن ان يقوم به العرب في العالمية الإسلامية القادمة واي قوة سيدفعون بها في مشروع نهضة الامة؟
من أين تبدأ نهصتنا:
إن محو الامية الثقافية عملية منتظر منها استعادة وعينا الخاص بالثقافة والقيم، فلقد تعرضت الأمة والنخب فيها بالذات لحشو متراكب من الأفهام المشوهة عن الدين والعروبة والأمة والاجتهاد والبشرية والعدالة والحريات.. إن أمية ثقافية بالخاص عن ثقافتنا كانت موطئا للأفكار المشوهة ولفقدان أجيال من أبناء الامة اليقين والثقة والتوازن.. ومن هنا فمن غير المقبول تجاوز معركة المفاهيم والقيم الى سواها من المباني الفكرية والنظرية او الى برامج تنمية وتطور مادي لأننا حينذاك سنكرر الفشل.. لقد كان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يخوض هذه المعركة على وسعها منذ اليوم الأول لبعثته فكان يتصدى لدعاة العصبيات كما كان يتصدى للأساطير والخرافات والوهن والاستسلام للواقع وللإمعية، وكان يتصدى للمسيئين للعرب و للمعتدين على أهل الفضل وكان يتصدى للظلم على المرأة والضعفاء من الناس وكان يتصدى لطغيان المال والوجهاء، وكان يدافع باستبسال عن حق الانسان في حرية الاعتقاد وحرية التعبير والإنصاف في التعامل مع الإنسان كل الإنسان كما كان يؤكد دوما على الآصرة الإنسانية بين الجميع" كلكم لآدم" مع احترام المخالفين واحترام أحزانهم وافراحهم، كان صلى الله عليه واله وسلم معني تماما ان يتصدى للتنطع والانبتات عن السنن ويتصدى لحرق المراحل ويعطي كل موقف ما يستحق في السياق العام.. كانت معركة القيم لا تكتفي بالمواعظ بل عملية تربوية تدريبية تبدا من اماطة الأذى عن الطريق الى التحرر من كل سلطان معنوي او مادي الا لله مرورا بإكرام الضيف والاعتناء بالجار وعابر السبيل والانفاق بالمال والوقت والجهد والاهتمام والاتقان في العمل، معركة المفاهيم والقيم بكل شمولها هو ما يتميز به الشوط الأول من أشواط الانتقال بالأمة الى الحضارة المنتصرة.. لقد كانت المعركة الأكثر سخونة في عمره المبارك حتى استقام للناس فهمهم وبرز لهم معيارهم جليا فانبعثوا لصناعة أعظم تجربة بشرية.. وهكذا يمكن القول ان النهضة تبدأ من هنا من استعادة وعينا بثقافتنا وقيمنا وترتيب اولوياتنا وعدم القفز عن المراحل والدوائر.. بعد ذلك نسأل: ماهي مؤهلات العرب لاستعادة دورهم الحضاري والتسلل من الحصار والاختراق الرهيبين الى ظهور حقيقي في واقع الحياة يعيد من جديد ترتيب الأمة في سياقها الحضاري؟
خارج سياقنا التاريخي:
الكلام هنا عن الأحزاب والقوى السياسية العربية ..تركنا العراق يدمر امام اعيننا وبعضنا شارك في ذلك وتحالف مع الاعداء.. وتركنا سورية تتآكل وتنهار بأموال عربية ومن ثم بصواريخ روسية وتركنا ليبيا تقصف بكل انواع الصواريخ والقنابل الفرنسية وتركنا السودان والصومال و لبنان... وقبل ذلك ومعه فلسطين التي تشهد على هواننا وضياعنا.
ان ما تم خلال العقود المنصرمة أمر مذهل على صعيد تفكك عرى الاخوة والتعاطف والولاء داخل العرب ووصل الامر الى ذروته عندما هرول البعض الى علاقات الصلح والتنسيق والتعاون والتشارك في مهمات باطلة ضد أبناء الامة وقضيتها المركزية فلسطين..
أبعد ذلك نلوم الفرس والترك على تمددهم في خاصة أمرنا وعبثهم في العراق وسورية ولبنان وسواها؟ ونحن الأولى منهم بمواجهة مشكلاتنا محملين بالاحساس والحرص على سلامة المجتمع وتجانسه وتماسكه لان المشكلات هذه تلينا نحن، لن نلوم الا انفسنا نحن العرب فالفرس لهم مصالحهم ويريدون بناء امبراطورية قوامها الشيعة او تعتمد على الشيعة، وهم يتحركون لبناء محورهم من شيعة العرب والعجم ويزرعون في كل بلد عربي فيه شيعة ممثلا وتنظيما، والترك يحنّون الى السلطنة العثمانية وينشطون لهدف محدد واحد انه السلطنة العثمانية حيث تكون اسطمبول العاصمة وهم في هذا يتحالفون مع اعداء ويحاربون اخوة والمهم ان ينجزوا المهمة..
العرب لديهم كل مؤهلات الحضور الفاعل أوله اللغة العربية بوابة القران الكريم والتاريخ المجيد والرسالة العظيمة وتفردهم بإنسانية ضد العنصريات، ولديهم الامكانات المادية الضخمة ولديهم مكة والمدينة والقدس ومحمد رسول اله منهم ولديهم كتلة سكانية متكاثرة بشكل هندسي 400 مليون عربي ورقعة جغرافية مترامية ولديهم روابط الدين والحضارة والاحترام في شتى بلاد المسلمين لاسيما اسيا وافريقيا.. ولديهم رصيد انهم هزموا في الوقت المعاصر امبراطوريتين الفرنسية والامريكية في الجزائر والعراق.. كما حطموا من قبل في أوائل انبعاثهم الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية..
هل بعد هذا كله ننتظر سوانا ينزع شوكنا..؟ لاننتظر الا نهوضا عربيا لملأ الفراغ وعلاقات وثيقة مع الفرس والترك وتعاون وتكامل معهما في اطار مشروع نهضة الامة ولكنهما يجب ان لا يكونا بديلا عن العرب.. وهذا يدعو مباشرة الى علاقات إنسانية مع البشر جميعا بقوة واقتدار ووضوح وبمبادرات لسعادة الانسان وسلامه وامنه وتأمينه على معتقده وحياته وماله وفتح كل القنوات للاستفادة من الإنتاج الحضاري البشري..
رحلة كبيرة وجليلة ولكنها ممكنة وضرورية وكل شيء متوفر لها وننتظر الرجال الكبار على مستوى نهضة الامة أيا كانت مواقعهم ليخرجون امتهم من عبث العابثين ومن التهميش الى المجد.

كلمات دلالية

اخر الأخبار