الرئيس عبّاس في لهيب السلام

تابعنا على:   12:32 2022-04-21

عائد زقوت

أمد/ بعد مخاض دام قرابة الثلاثين عامًا للعملية السلميّة لم تنجح في وضع حَمّلها المنشود، ولم تسفر عن أي أفق سياسي حقيقي، وإنّما أنجبت صفقة القرن التي وئدت على ما يبدو فلسطينيًا وإعلاميًا، لكنها تأخذ مجراها في التطبيق بتصاعد بياني محسوب ومدروس، ففي هذا الإطار لم تُلغِ أميركا قرارها بالسيادة الإسرائيلية على القدس واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، ولم تفِ أميركا بنقضها لهذا القرار من خلال إعادة افتتاح القنصلية الأميركية في القدس كرسالة لها مدلولها السياسي، كذلك ساهمت أميركا وبعضًا من الدول الاقليمية في توطئة المناخ السياسي الفلسطيني لتقبل ما يسمى تقليص الصراع ومنح التسهيلات الاقتصادية والإنسانية من خلال التفاوض بين فريقي رام الله وغزة، والحدث الأبرز في هذا السياق الغزو الإسرائيلي للمسجد الأقصى من أجل فرض السيادة الإسرائيلية على القدس ومقدساتها، من خلال البربوجاندا لذبح القرابين في المسجد الأقصى، ثم التراجع عنها بعرض مسرحي تُظهر فيه اسرائيل استجابتها للضغوط الدولية والتي بدورها غير معنية بتأجيج الأوضاع في المنطقة بغية مصالحها المتعلقة بالحرب الأوكرانية الروسية، وكاستجابة للضغوط الفصائلية الفلسطينية، وهي بهذا تحقق تطلعات البعض في تحقيق انتصارات وهمية يتغنى بها أصحابها عبر الفضائيات التي تعج بالمحللين المهللين لهذه الانتصارات .

وفي حقيقة الأمر أنّ اسرائيل نجحت في تنفيذ مخططها المتدحرج بالتقسيم الزماني للمسجد الأقصى حيث نشاهد يوميًا استباحة قطعان المستوطنين للأقصى من السابعة والنصف حتى الحادية عشرة صباحًا، بقبول رسمي اقليمي ودولي وكأنّ المعضلة تتركز في ذبح القرابين وليس في استباحة الأقصى والتقسيم الزماني، وبحسب التصريحات الإسرائيلية ستستمر هذه الغزوة حتى انتهاء أعيادها يوم الجمعة القادم .

ومن المرجح أنْ تستأنف اسرائيل هذا السيناريو في كافة مناسباتها واحتفالاتها، والتي ستختلق الكثير منها لأجل ترسيخ ما أنجزته في هذه الغزوة على طريق فرض الرؤية الصهيونية للحل السياسي مع الفلسطينيين، والتي تكَرَّم بعرضها وزير حرب الاحتلال غانتس والتي لا تختلف عن صفقة القرن سوى بالمسمى، بل هي أقل منها حيث اشترط فيها احتفاظ اسرائيل بالسيطرة الأمنية المطلقة على أرض فلسطين التاريخية، و بعد مرور يوم الجمعة ستكتفي قياداتنا وفصائلنا بإشباع عواطفهم ورغباتهم في تسجيل الانتصارات .

وعود على بدء فإنّ الحالة المأساوية التي يمر بها النظام السياسي الفلسطيني الذي يعاني من الشقاق والنفاق، و كذلك من تغيير اهتمامات الدول الاقليمية بالقضية الفلسطينية، والضغوط التي تمارسها على القيادة لقبول الواقع السياسي الجديد المبني على الشراكة الاقتصادية والأمنية مع الاحتلال، وكذلك المحاولات اللامتناهية لربط ما يحدث في القدس بالأزمة السياسية الحكومية الإسرائيلية، بهدف توجيه الأنظار على غير أفقها الصحيح يُكرِّس التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى في ظل تغييب للوعي الشعبي الفلسطيني .

‏إنّ ما آلت إليه القضية الفلسطينية، وما طرأ عليها من متغيرات داخلية وإقليمية ودولية، وتكالب المحتلين والنفعيين عليها، يدعو الرئيس عبّاس صاحب الإرث النضالي لرفقاء انطلاق الرصاصة الأولى، والذي تعهد مرارًا وتكرارًا بأنْ لا يسمح للتاريخ أنْ يُسَجلَ في عهده تفريط في الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها عدم التخلي عن القدس ومقدساتها، إلى إعادة تقييم ما آلت إليه القضية الفلسطينية، والتحرر من القيود الإقليمية والدولية التي لا يعنيها سوى المحافظة على دولة الاحتلال، وبسط روايتها التلموذية في المنطقة العربية، ‏ووضع مقررات المجالس الفلسطينية موضع التنفيذ متسلحًا بإيمانه بشعبه وحقوقه التاريخية في وطنه.

إنّ ‏بقاء الواقع الفلسطيني المرير على ما هو عليه، والقبول بفرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى تحت ستار العملية السياسية، والاتفاقيات المرحلية، أو الانتصارات الوهمية، لهو لعنة تاريخية، ووصمة عار في جبين الجميع، وستحول تاريخنا لبصاق وطني، لن يشفع فيه معادلات وتوازنات إقليمية أو دولية، أو النوايا الحسنة .

كلمات دلالية

اخر الأخبار