مناظرة بيرزيت والخطاب الطلابي المسؤول

تابعنا على:   19:38 2022-05-18

حمزة حماد

أمد/ لم تكن التجربة الأولى لهذه الجامعة العريقة التي اعتادت أن تقدم نفسها نموذجًا لتخرج القادة والعقول النيرة، على طريق مواصلة النضال والكفاح في كافة المجالات. إن جامعة بيرزيت في الضفة المحتلة تواظب على إقامة العرس الديمقراطي نحو ممارسة الطلبة لحقهم المشروع في الانتخاب والترشح خلال انتخابات مجالس الطلبة.

جاء هذا العالم بشكل مختلف، من حيث المضمون، والظروف، والعوامل الذاتية والموضوعية لاستكمال هذا العرس الذي كنا نأمل أن نراه في كافة ربوع الوطن، لكن وبكل أسف يبقى الانقسام سيفًا قاطعًا لهذه التجربة التي بالطبع في حال تمت، ستكون غنية ولها انعكاساتها الإيجابية على واقع الحال بما يمكن الطلبة من قيادة المرحلة نحو البناء الوطني العام.

عُجت مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتهاء المناظرة بين الكتل الطلابية بالدفاع والتبرير، والتقييم للمداخلات التي قدمها ممثلي هذه الكتل، فلا شك أن كل منهم كان سيعمل على تقديم رؤيته ورسالته لدى الطلبة، إلا أن كان الثقافة الحزبية المقيتة حاضرة وبقوة تبريرًا للصراع المجتمعي السائد وتحديدًا بين طرفي الانقسام، فكان الردح السياسي سيد الموقف، ولا أحد منهم عبر عن مصلحة الطلبة، فلا قضايا أو برامج وأفكار قد طُرحت !

لذلك نرى أن الانقسام السياسي لعب دورًا بارزًا في إفساد العقول أولًا، وإفساد الحياة الجامعية لدى الطلاب، فطبيعة الخطاب الطلابي بالأمس كان وصمة عار على جبين طرفي الانقسام، وكان لا بد أن يكونوا مُدركين بأن هذا كله نتاج التغذية الحزبية القائمة على أساس مفاهيم الكره والحقد بين أبناء الشعب الواحد، مما يعكس حقيقة ما يعيشه المجتمع  برمته من أزمة عميقة طالت مناحي الحياة المختلفة للإنسان الفلسطيني، إضافة لحالة التشويه في التفكير التي أصبح يعاني منها هذا الجيل، علمًا بأنه الجيل الذي سيقود المستقبل كما يقال !!!!

رغم هذا العبث كله، يبقى الأمل في من يزرعون بذور حب الوطن في نفوس أبناءه من خلال تقديم خطاب طلابي مسؤول وحكيم، ورسالة عنوانها الوحدة الوطنية والتأكيد على أهمية الشراكة في الدفاع عن مصالح الطلبة، والصلابة في انتزاع الحقوق. هذا كان واضحًا في خطاب ممثل كتلة الوحدة الطلابية الإطار الطلابي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حين بدأ خطابه قائلًا: "جئتكم اليوم أحمل بيدي مادتين، الأولى فيها صواريخ من الردح السياسي، يعجز عنها كُل من هب ودب وركب الأرض، أما المادة الثانية، فهي تحوي رؤيتنا ورسالتنا الوحدوية الثورية النقابيّة، والمتجذرة فينا، ولأننا أصحاب رسالةٍ نؤمن بها ونهتدي بمنارتها، فعليه.. لن نرضى بإضحاك ضابط المنطقة الصهيونية علينا، فها هي المادة الأولى.. مزقيها يا رفيقة".

بلا تردد أو تفكير، "برافو" أيها المناظر المشتبك، صاحب البوصلة الصحيحة، إن هذا المضمون يعبر عن الوعي الذي يتميز به كوادر هذا الإطار الطلابي الذي يناضل على أساس فكرة، ويحاول جاهدًا أن يعمم النهج الوطني الذي غلب من خلاله كل المصالح الحزبية، بل تفوق هذا المُناظر في خطابه أيضًا، كما يُحسب له بأنه الإطار الوحيد الذي أثبت صدق انتماءه لفلسطين أولًا وابتعد عن الشعارات، واتضح هذا قولًا وفعلًا عندما رفع علم فلسطين فوق رايته الحزبية خلال الدعاية الانتخابية، وأشعل خطاب الوحدة والشراكة الطلابية لانتزاع حقوق الطلبة خلال المناظرة وأخذ بها بعيدًا عن أساليب الردح والتخوين والتشكيك وغيرها، والتي لا تخدم العملية الديمقراطية على الإطلاق. كيف لا .. وكانت خطابه يركز على الجانب النقابي والخدماتي، و حرية العمل داخل أسوار الجامعة بما فيها نشاطات وفعاليات الأطر التي تأخذ الجانب الحزبي التي عارضتها الجامعة في الفترة الأخيرة.

كما لا ننسى، عندما عزز هذا المناظر المميز في خطابه الوحدوي مستندًا لمقولة مشهورة للشهيد والقائد النقابي المعروف أحمد الكيلاني حين قال:" إن الدم الفلسطيني لا يتجزأ .. ورصاص الاحتلال لا يفرق". وكأن هذا الثائر الموشح بالكوفية الحمراء خلال خطابه وفي وسطها النجمة الخماسية قد قدم إشعارًا لزملائه المناظرين بضرورة الحذر من أن الاحتلال لن يمنحنا الفرصة لإتمام هذا العرس الديمقراطي، وبالفعل قام هذا المحتل بفعلِ خبيث من أجل أن يفسد الحياة الديمقراطية بين الطلبة، وبث سموم الفتنة، فما كان من هؤلاء الفرسان إلا أن وضعوا هذا الاحتلال في مكانه وطبقوا الوحدة ضده من خلال إدانة سلوكه الإجرامي والتأكيد على وحدة الموقف الطلابي المناهض للمحتل.

إلى ذلك، نستطيع القول أمام هذا السلوك المبني على الوعي لبعض الكتل الطلابية بأن الإضافة الحقيقية ليست في النسب داخل المجلس وإن كانت خطوة عملية على طريق التمكين وسلطة القرار، لكن هذا لن ينجح أو يوفق حين يكون بمعزل عن البرنامج النضالي الواضح، والوعي الجمعي الناضج من أجل تعزيز مبدأ الشراكة، والمتسلحة بالثقافة الوطنية التي عنوانها "فلسطين أولًا" وأن الحزب وسيلة لهذا الهدف.

أخيرًا، باعتقادي أن الحالة السياسية الفلسطينية مهددة بخطر أكبر، وهذا يتحمل مسؤوليته القيادة الفلسطينية في مختلف ألوان الطيف السياسي وعلى وجه الخصوص طرفي الانقسام، الأمر الذي يُحتم استعادة الوحدة الوطنية بشكل أسرع من أي وقت مضى من أجل انقاذ مستقبل طلابنا وشبابنا المهدد، والذين سيطرت عليهم ثقافة الانقسام بدلًا من الثقافة الوطنية الجامعة والموحدة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار