زيارة بايدن مأزق أم مدخل لتحالف؟

تابعنا على:   14:31 2022-07-01

د. سامي محمد الأخرس

أمد/ بعد أيام قليلة سيزور الرئيس الأمريكي المنطقة ومن ضمن جدول الأعمال زيارته للأراضي الفلسطينية وهي زيارة ليست الأولى لرئيس أمريكي بل سبقها زيارات عدة من رؤساء أمريكيين، كانت بمثابة زيارات برتوكوليه لتأكيد برنامج الولايات المتحدة التاريخي لخدمة كيان الاحتلال وتدعيم أركانه وقوته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. إذن بماذا ستختلف زيارة بايدن عن سابقاتها من الرؤساء الامريكيين؟

في الفهم النظري لمستقبل القضية الفلسطينية لا يوجد أي مؤشرات تؤكد وتدلل على أن هذه الزيارة ستعطي نتائج أكثر مما أعطت الزيارات السابقة، وهذا الفهم تدركه السلطة الفلسطينية جيدًا، وربما يفهمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أصبح الأكثر دراية وقدرة وفهم لمفاتيح المنطقة عامة وقضيتنا خاصة، وكذلك ما أدركه من مفاوضاته قبل عقود مع كيان الاحتلال من جهة، ومع الإدارة الأمريكية من جهة أخرى.

عليه فإن وجه الاختلاف الذي تحمله هذه الزيارة في أنها تحمل بطياتها ملامح الأزمة الروسية_ الأوكرانية، والتحول الحيوي والهام الذي شهده العالم بعد قرار الرئيس الروسي بوتين بشن حملة عسكرية ضد أوكرانيا وضع لها العديد من الأهداف التكتيكية والاستراتيجية التي تتلخص في إنهاء القطبية الأحادية التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم بعد انهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي السابق، وفرض معادلات جديدة على الخريطة الجيوسياسية الدولية، وكذلك صياغة واقع جديد وملامح جديدة للاقتصاد العالمي والطاقة العالمية وخاصة الغاز؛ ولكن بالعودة إلى ما سبق فإن ما يهمنا نحن كفلسطينيين هو الخارطة السياسية الجديدة للعالم، والتفاعل مع مستحدثات ما بعد الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي وإن لم تتحدد ملامحها بعد على أرض الواقع، إلا أنه لا يمكن إنكار تفاعل عناصرها، وظهور ملامحها الفاعلة في السياسات الدولية والإقليمية، وهي الدوافع الرئيسية التي يحملها بايدن في جولته القادمة لمنطقتنا، والتي يحاول من خلالها إعادة تدوير سياسة الأحلاف من جديد، واستغلال هذه الأحلاف في عملية فض يد روسيا أولًا من المنطق، وثانيًا محاصرتها ضمن مجموعة من الأحلاف وخاصة في المناطق التي تشهد نفوذ روسي وعلى وجه التحديد الشرق الأوسط حيث لروسيا ضلع وباع سواء عبر سوريا والقواعد العسكرية هناك، أو عبر الحليف الآسيوي المتنفذ إقليميًا إيران، والتي تشكل مع الصين قوة إسناد هامة لروسيا في صراعها الطويل مع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية. وعليه فإن العنوان الرئيسي للزيارة هو تدعيم الموقف الصهيوني في المنطقة وفتح مزيد من أفق التمدد السياسي والهيمنة لهذا الكيان بعدما تغول في المشهد العربي من خلال عمليات التطبيع مع دول الخليج العربي التي تعادي إيران، وبذلك محاولة ترويض دول جديدة من خلال فتح آفاق سياسية واقتصادية جديدة، ومن ضمن هذه الأدوات السلطة الفلسطينية رغم ضعفها وحصارها وعدم الوفاء صهيونيًا_ وامريكيًا بالمتطلبات الفلسطينية أو الحقوق الفلسطينية إلا أن هذه القضية لها أولويات واهتمامات خاصة في محاولات التقرب عربيًا، ويقين الولايات المتحدة أن مفتاح النجاح لأي حلف شرق أوسطي هو المسألة الفلسطينية نظرًا لأهميتها في الوجدان العربي الرسمي والشعبي، وأنه لا يمكن تمرير أي مخطط أو تحالف دون إخضاع الموقف الفلسطيني مهما كان متشرذمًا أو ضعيفًا. وهو الهدف الرئيسي لزيارة بايدن، ولا يمكن الاعتقاد أو التفاؤل بأهداف أكبر من ذلك، لأن السياسة الأمريكية لم تشهد تغيرًا جوهريًا يبشر بدعم مطالب الفلسطينيين بدولة فلسطينية مستقلة على أراضي حزيران ١٩٦٧، ولكن ربما تشهد طمأنة وتهدئة للرأي السياسي الفلسطيني في قضايا مثل القدس، الاستيطان، الإقتصاد ...إلخ من تلك القضايا.

فما المطلوب فلسطينيًا؟

المشهد الفلسطيني الرسمي هو مشهد مرتبك مهزوز يواجه تعقيدات كبيرة جدًا، وخطيرة جدًا، حيث أن النظام السياسي الفلسطيني يشهد انقسامًا جيوسياسيًا منذ خمسة عشر عامًا، بين قوتين متنافرتين السلطة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح تنطلق من عقيدة السلام الممكن تحقيقه أو التفاعل معه رغم كل ما تضعه دولة الاحتلال من عراقيل، وسبل إفشال، وكذلك مفهوم الحياد الذي تمارسه في دائرة علاقاتها مع الأزمات العربية، وتستطيع البناء وفق هذا المذهب السياسي مع دول مؤثرة في المنطقة مثل الامارات، قطر، السعودية.

والقوة الأخرى حركة حماس التي تسيطر وتدير غزة وتطرح شعار المقاومة كتكتيك لها في تفاعلها مع منظومة العلاقات في الإقليم، وتحاول وتسعى جاهدة لأن تكون من ضمن حلف على رأسه قوى المقاومة أو حلف الممانعة الذي تقوده إيران وسوريا وحزب الله، ولكن فيما يبدو أنها فشلت بلقاءات لبنان على الحصول على تفويض من قوى م ت ف المعارضة وعلى رأسها الجبهتين الشعبية والديمقراطية لذلك فهي أمام خيارات معقدة، وخاصة بعد التقارب المصري _ القطري، والذي يتطلب منها سرعه حسم خياراتها فلسطينيًا بعيدًا عن جماعة الإخوان المسلمين الحاضنة والام لها، وهذا لن يتحقق إلا بأن تمارس حماس فلسطينيتها الكاملة.

أما م ت ف الممثل الشرعي والوحيد المعترف به عربيًا ودوليًا فهو يشهد انقسام سياسي بين قوى وفصائل المنظمة، ورفض لمعظم السياسات من قوى المعارضة وخاصة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تخضع لعقوبات مؤثرة من قيادة المنظمة، واستبعاد طوعي لتمثيلها في اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي وبثقلها كونها الفصيل الثاني بالمنظمة لم تحسم خياراتها بعد، كما لم تحسم م ت ف أيضًا رؤيتها للانقسام في داخلها، فالجبهة الشعبية حتى راهن اللحظة غير قادرة على حسم خيار اصطفافها التكتيكي في ضوء رؤيتها بآليات التعاطي مع الحلف المراد تشكيله من قوى الممانعة أو من م ت ف لكنها رغم ذلك تؤكد بكل مواقفها على التمسك ب م ت ف، وخطاب قيادتها الجديدة أكد على شعارات الستينات والسبعينات في عودة غير واضحة للعقود السالفة.

أمام هذه الخيارات ما هي الخيارات الفلسطينية أمام بايدن؟

يمكن للقيادة الفلسطينية حمل العديد من الأسئلة عن رؤية بايدن لحل القضية الفلسطينية، ورؤيته لمفهوم وطبيعة الدولة الفلسطينية، وما يحمله في جعبته لمستقبل هذا الملف، كما يمكن حمل ملف القدس وسياسة فرض الأمر الواقع في القدس والمسجد الأقصى، وملف الأموال الفلسطينية، والثروات الفلسطينية المسيطر عليها من دولة الاحتلال، وكذلك ملف الإستيطان الصهيوني، والأسرى الفلسطينيين مع حملة شعبية فلسطينية في الداخل الفلسطيني وكذلك في الخارج من البعثات والممثليات الفلسطينية، ولكن كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن القيادة الفلسطينية لا تعول كثيرًا على هذه الزيارة، لذلك فإن تحضيراتها لها لا تخرج عن المشهد البروتوكولي التقليدي.

الخلاصة أن زيارة الرئيس الأمريكي بايدن تستهدف في المقام الأول محاولات لحشد تحالفات ضد الدب الروسي المنطلق في الغابة الدولية لتقاسم نفوذ السلطة مع الأسد ملكها الأوحد، وأن زيارته لن تحرك في القضية الفلسطينية شيئًا جوهريًا على مستوى الأهداف والتطلعات الفلسطينية التي لا تحتاج موقف فردي من الرئيس الأمريكي فقط، بل تغيرًا جوهريًا في السياسات الأمريكية وهو لم يحدث بعد، ولا ملامح لهذه المتغيرات في الوقت الراهن أو الأجل القريب. وإنما من المتوقع أن تحقق زيارته مزيدًا من عمليات التطبيع العربية، واحتواء لبعض المواقف التي ظهرت بعد الحملة الروسية من السعودية والإمارات، ومحاولة ممارسة الضغوط على إيران لإخضاعها للتحركات الأمريكية. وعليه فإن زيارة الرئيس الأمريكي تحمل ملفات صعبة لن يستطيع تحقيق ما يصبو إليه نظرًا لتقاطع المصالح وتعارضها بين دول المنطقة عامة، والسياسات الأمريكية خاصة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار