القضية الفلسطينية هامشية على الزيارة البايداسرائيلية- زيارة بايدن ضجيجٌ حول اللاشيء

تابعنا على:   10:50 2022-07-15

محمود جودت محمود قبها

أمد/ حَمَل يوم الأربعاء المُوافق 13/7/2022 للكيان الصهيوني زيارة بايدينية نَعتوها بالتاريخية؛ فهي رحلته الأولى صوب الشرق الأوسط منذ توليه لِمَصبه، والتي عَبَّرَ من خلالها باستجلاء عن الولاء الأمريكي اللامُتناهي للكيان الصهوني؛ فَباكورة خُطاه كانت في الأراضي الفلسطينية المُغتصبة لدى الكيان الغاشم، الذي استقبله بِحفاوةٍ وكياسة على سجادٍ أحمرٍ لُوِّن بدماء شُهداء فلسطين الأبرار، وأعمار أسراها البواسل القابعين خلف القضبان، فَداس من يَدّعي أن دولته راعية لحقوق الإنسان بِخُطاه على قهر أربعة وسبعين عامًا من النكبة على الكل الفلسطيني، لِيُقبل وجوهًا ويُصافح أيادٍ عاثت ولا تزال تدميرًا في الأرض الفلسطينية، إن الإدارات الأمريكية المُتعاقبة أثبتت على مَرِّ التاريخ أنها داعمة للكيان المُغتصب، فالكيان الذي يشعر بالأمان استقبل بايدن بتكثيف القضم من الأراضي الفلسطينية، والمُصادقة على مُخططات استيطانية جديدة في عُموم مناطق الضفة الغربية والقدس المحتلة.

لن يستطِع بايدن إخفاء خشيته من أي فراغٍ شرق أوسطيٍ قد يسمح بتغلغل زحفٍ صينيٍ وروسي إلى المنطقة، ولن يتمكن من تمويه هرولته نحو النفط ومصادر الطاقة في مُحاولةٍ للخروج من مأزق تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، مُحاولًا الترويج لفكرة لن ترَ النور وهي "الناتو الشرق أوسطي"، فالتغيرات العالمية والوعي الشعبي بات يفرض نفسه بقوة تجاه الحكم الأمريكي الأحادي، ولكن كي لا يُقال أنه عاد مُنتكسًا أو يفقد ماء وجهه بات يُصرح بأن زيارته هذه جاءت في وقتٍ حيويٍ لِتعزيز المصالح الأمريكية وتواجدها الثابت، إضافة إلى مُناقشة الملف الإيراني، والملف الفلسطيني، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وتوفير شرق أوسطٍ أكثر تكاملًا وأمنًا واستقرارًا، ساعيًا إلى تقاربٍ ما بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني لتوسيع نطاق التطبيع والدمج الكامل لإسرائيل في المنطقة، والمُفارقة المُضحكة المُبكية هنا؛ أن أمريكا التي تستخدم حُلفاءها العرب المُطبعين هي ذاتها التي تَحتقهرهم، فهي تَمنعهم من الإتفاق على منافعهم، وترغمهم على الإتفاق لصالح منافعها، وتزرع بينهم العداوة والبغضاء، وتجمعهم على مودتها، ثم تستخدمهم ضد إيران، وتتفق معها من خلفهم، وتسلب منهم الأراضي الفلسطينية وتغرّمهم ثمن التنازل عنها، فكما أشعلت فتيل الحرب بين الروس والأوكران وجلست موقف المُتفرج الذي بات يُنادي بِشعاراتٍ رنانة لا تعدو عن كونها رفعِ عتب، فإنها قد تدفع بذات الفتيل نحو إشعال الحرب ما بين الشرق الأوسطي وإيران، ثم تعاود الوقوف لتُراقب وتترقب الضحايا والغنائم لرسم استراتيجيات جديدة تتواءم والصورة العالمية التي رسمتها.

إن الزيارة البايداسرائيلية التي حاولت الإخفاء في ثناياها تدخلاتها بالإنتخابات الإسرائيلية والتخفيف من حالة إحتقان الشارع الإسرائيلي التي باتت لا تَخفى على أحدٍ في الآونة الأخيرة، استهلت بتوجهها نحو القاعدة الجوية العسكرية، لاستعراض أنظمة الدفاع الصاروخية والقبة الحديدية، وطلب الدعم للمنظومة الدفاعية الجوية بأنظمة الليزر، ليتولد بذلك قبة بايدينية لِصَدِّ صواريخ الآمال الفلسطينية التي باتت تتقهقر مع كل عامٍ احتلاليٍ جديد، ففي خِضّم الأحداث العالمية التي قد تُغير خارطة العالم أحادي القطب إلى أقطابٍ مُتعددة في موازين القوى، وما تحمله هذه الزيارة البايدينية في جُعبتها من ملفات دولية ومصالح أمريكية وإسرائيلية، لن يكون لديها وقتًا مُواتيًا لِمُفاوضاتٍ سياسية فلسطينية- إسرائيلية، وقد يُكتفى في هذه المرحلة بخطوات بناء الثقة، وتقديم بعض التسهيلات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لذا فإن الزيارة الهامشية المحدودة الوقت للرئيس الفلسطيني، كانت محط رفض شعبي لِكُل ما قد تُقدمه هذه الإدارات المُتعاقبة، تخلله مُظاهرات مُنددة باستقباله في الأراضي الفلسطينية، والتي أكدت على مَرَّ التاريخ أنها والكيان وجهان لعملة واحدة، فكلما مرت السنون تعزز الكيان على حساب الشعب الفلسطيني وأراضيه، وتراكم الخذلانٌ لدى أبنائه الذين تحولوا إلى قنابل موقوتة لا أحد يعلم أوان انفجارها وصداه، وكان آخرها مُحاولات التمويه في قضية الشهيدة الصحافية "شيرين أبو عاقلة"، حيث تُحاول أمريكا حرف بوصلة هذه الجريمة وتوجيهها من جريمة إنسانية واضحة المعالم إلى قتلٍ غير مُتعمد، في مُحاولة بائسة للتخفيف من جرائم هذا الكيان الغاصب.

إن الرئيس الأمريكي الذي يفخر بصهيونيته، ويُجسد الدعم الأمريكي الصارم لإدماج إسرائيل في الشرق الأوسط الكبير، تَوَّج زيارته في اليوم التالي بما وُسِمَ بـ "إعلان القدس"؛ وهو الإتفاق الأمني المُشترك الذي يتعهد فيه الرئيس الأمريكي ورئيس الكيان الغاصب، بِمَنع إيران من حيازة السلاح النووي، والذي جاء في نصه: "تؤكد الولايات المتحدة أن جزءًا لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح أبدًا لإيران بامتلاك سلاح نووي، وأنها مستعدة لاستخدام كل عناصر القوة الوطنية في سبيل هذه الغاية"، مُؤكدًا أن هذا الإعلان جاء لِمَصلحة أمنية حيوية لإسرائيل والولايات المُتحدة والعالم بأسره. إن إدعاء المصلحة والمُناداة بها لا يتم تفصيله إلا وفق المقاس الذي يتواءم وفق أهواء المصالح البايداسرائيلية، فلم نرَ تلك المصلحة أثناء قتل الأطفال والنساء والشهداء الفلسطينيين بدمٍ بارد، ولم نراها أثناء مُصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء البؤر الاستيطانية نظام الأبارتهايد العنصري دون وجه حق، ولم نشهدها أثناء الإجتياحات والقصف المُدمر فوق رؤوس الأبرياء في قطاع غزة، لم تظهر تلك المصلحة في إغلاق مطار غزة الدولي أمام الشعب الفلسطيني وَترك المنفذ الوحيد له معبر الكرامة التي تُهان عليه كرامة المُواطن الفلسطيني، لم نرَ المصلحة تُندد بانتهاك كل الإتفاقيات الدولية وحقوق الإنسان وضربها بعرض الحائط، فهذه المصلحة تسير على شعوب العالم بأسره إلا على طفل أمريكا المُدلل "الكيان الإسرائيلي الغاصب"، ويبقى التساؤل هنا إلى متى..!!

إن الشعب الفلسطيني شاهد بكل غصةٍ الهبة العالمية المُنددة بانتهاك الإنسانية إبان الحرب الروسية على أوكرانيا، ووقف مُتساءلًا في الوقت نفسه عن السُبات العالمي تجاه قضية فلسطينية تُعاني ويلات إحتلالٍ إسرائيلي غاشم منذ أربعة وسبعين عامًا، لذا فإن الضجة الهائلة التي صاحبت زيارة الرئيس الأمريكي بايدن كانت حول اللاشيء، إلا أنها أتت بفائدة واحدة للدولة الفلسطينية؛ ألا وهي التأكيد على الشعب الفلسطيني أن عليه أن "يحك جلده بظفره"؛ ويبدأ بخطوات صادقة وجدية تجاه المقاومة الشعبية من كافة الفصائل المُوحدة، والإنهاء الفوري للانقسام المشؤوم الذي لم يَكن يومًا إلا مصلحةً للعدو، والسعي نحو دولة فلسطينية راسخةٍ وعاصمتها القدس الشريف.

اخر الأخبار