أنا والكوفية

تابعنا على:   14:41 2022-08-16

محمد جبر الريفي

أمد/ تفتحت عيناي على روية الكوفية معلقة في صدر البيت بجانب صورة الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين فقد كان أبي يعتمرها كغطاء على راسه وكذلك اخوالي الثلاثة خاصة اصغرهم سنا ابو صقر الذي كان يضع العقال الأسود مائلا على جهة اليمين وذلك ابرازا لفتوته اما اخي الكبير وأبناء العائلة كانوا يرتدونها على رؤوسهم ويلفونها حول رقابهم في فصل الشتاء حيث برد غزة القارس في الليل.. . في بعض المرات وانا عائد قرب المغرب بعد مذاكرة الدروس في جولة مشيا على الأقدام من الخط الشرقي كنت امر على مقهى كبير حيث لا أرى في المقهى عبر بابه الخشبي الكبير المفتوح على مصراعيه سوى رؤوس مغطاة بالكوفية. بمختلف ألوانها البيضاء والزرقاء والحمراء ونادرا ما ارى رأسا عاريا بدونها . غادرت غزة قبل عدوان عام ٦٧ وعدت إليها بعد ثلاثين عاما من الغربة القسرية وكانت الكوفية تلازمني كواحدة. من قطع الملابس المطوية بعناية في ركن من حقيبتي الجلدية الكبيرة.. كانت الكوفية محل محبتي رأيتها بشغف في شوارع عمان ومقاهي دمشق وبيروت وأسواق بغداد ومحلات جدة ومكة والطائف والمدينة المنورة وحين التحقت بصفوف الثورة الفلسطينية بالأردن عام ٦٩ لففتها بلونها الأزرق على رقبتي... قبل فجر ذلك اليوم الذي غادرت به غزة وقف ابي على الباب في انتظار سيارة الأجرة التي ساستقلها إلى القاهرة لحظتها كان البرد قاسيا والسماء ملبدة بالغيوم وصوت برق يتناهي إلى مسامعنا من بعيد وما أن وصلت السيارة ورأت امي السائق يضع على راسه الكوفية وأيضا اثنين من الركاب يرتدونها حتى دخلت إلى الغرفة مسرعة لتأتي بكوفية ابي المعلقة على المسمار بجوار عقاله وبجوار صورة الحاج امين الحسيني مفتي فلسطين وقد لفتها بيدها الحنونه على رقبتي وعندما ركبت في السيارة لوحت بيدها وهي تبكي وقد مشت السيارة تشق طريقها إلى القاهرة وانا طيلة الطريق لا اسمع الا صوتها ولا اتحسس الا كوفية ابي..

اخر الأخبار