اليزابيث الثانية

تابعنا على:   08:31 2022-09-26

محمد شريف كامل

أمد/ لقد تابعت كما تابع العالم بأثره ما قيل وما كتب في اليزابيث الثانية والتي رحلت بعد ان أتمت عامها السادس والتسعون، جلست منهم سبعون عاما على عرش المملكة المتحدة أو "بريطانيا العظمى" التي حكمت نصف العالم، وقد تناول العديد من وكالات الأنباء والكتاب والمواطنين حياة وموت ملكة "بريطانيا العظمى" والتي لا يعرف جيلنا ملك أو ملكة جلسوا على هذه العرش غيرها، وقد تناولوا حياتها من عدة جوانب من الناحية الاجتماعيه ومن الناحية الرسميه، وبلا شك يحق للكثير من الشعب البريطاني أن يحزن لوفاة الملكة المعمرة التي لم يعاصروا غيرها كرأس لمملكتهم.

ولكن الغريب أن البعض استخدم عبارات براقه لا علاقه لها بهذه الملكة أو غيرها من ملوك بريطانيا وكل أوروبا، مثل أن ينسبوا لها الأزدهار والنمو والديمقراطيه والحريات، ومن المعلوم أن ملكة بريطانيا وفق الدستور هي رمز يملك ولا يحكم، ودون الدخول في جدل حول الملكية والتي تمنح الملك مُلك الأرض والثروات، وهي فكرة بائدة لأن الملكيه في حد ذاتها ناشئة من فكر الاستعباد.

وإذا تجاوبنا مع البعض في فرضية أن الملكة اليزابيث كان لها دور سياسي أو إجتماعي أو حتى إنساني، ففي رأي المتواضع هي لا تستحق أي من صور الاحترام أوالتبجيل، وذلك يعود لكون بريطانيا التي لقبت نفسها ب "العظمى" كانت أحد أسوء القوى الإستعماريه والتي قتلت وشردت الملايين عبر العصور.

ومن منا لم يقرأ تفاصيل التاريخ عليه فقط أن يواجه عنواين ما كتب في مأسي الاستعمار والتي ندفع جميعا ثمنها حتى يومنا هذا، مأسي حصرها لا يتحمله مقال بل كُتب فيه المجلدات، وعلى سبيل التذكره وليس الحصر نورد بعضها:

- التنكيل بأصحاب الأرض الأصليين المسمون "الهنود الحمر" في شمال أمريكا واستراليا والذي وصل الي حد التمثيل بالجثث والتنافس في إقتناء أكبر عدد من رؤس الضحايا وإغتصاب النساء واختطاف الأطفال وقتلهم والتمثيل بهم.

- بالمثل كانت أفريقيا السوداء التي لم يسلم أي شعب منها من أشكال التنكيل وسرقة الثروات، الاستيلاء على كل مناجم المعادن النفسيه والبترول والتي حتى يومنا هذا مازال ذلك المستعمر يستنزف تلك الثروات عن طريق شركات العديد منها ما أُنشئ خصيصا لهذا الغرض، وأعتقد أن ذكر مأَسي دول مثل كينيا ونيجيريا كافية للتدليل على ذلك.

-  وتاريخ حكومة الفصل العنصري في جنوب افريقيا وزيمبابوي "روديسيا البيضاء" لا يحتاج لتوضيح أكثر من ذكره وحسب، بالاضافة لذلك إطلاق يد تجار الرقيق في خطف وبيع الاطفال والنساء الأفارقة، ومأساة العرق الأسود والملونون في العالم الغربي مازالنا نعاني منها حتى يومنا هذا، وهي أكبر دليل على ذلك.

-  وكذلك الهند الكبرى "الهندو باكستان وبنجلاديش وسيريلانكا" والتي أُستنفذت ثرواتها ومُزقت أراضيها وشهدت مأَسي لا تُعد ولا تُحصى.

وتعيش كل شعوب العالم الثالث حتى يومنا هذا، وأعتقد أن ذلك سيبقى إلى الأبد، في ظل نتاج سياسة بريطانيا المعروفة بـ "فرق تسد" فمنها جائت الفتن الدينية في الشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا وأفريقيا، حتى في أوروبا ذاتها.

وإذا إنتقلنا للحديث عن علاقة الغرب والعرب ومهما طال المقال فلن يكفي لسرد مآسينا التي نعيشها حتى الأن نتاج ذلك الاستعمار والاستغلال الذي شمل المئات بل الألاف من القصص المثبته تاريخيا، فبالإضافة لكل ما ذكر على المستوى الدولي والذي عانى منه أغلب شعوب العالم من الشرق إلى الغرب كانت مآسينا التي تمثلت في القتل والتنكيل والأغتصاب وسرقه الثروات، وكان "وعد بلفور" هو أكبر نكسات المنطقة العربيه والاسلاميه، والذي صدر بأسم حكومة جلالة الملكه.

ولم تتوقف حكومة جلالة الملكة عند ذلك الحد، ويعلم الجميع أن الجيش الانجليزي المحتل لفلسطين سهل دخول الصهاينة المهاجرين وقيد تحركات المقاومة العربية للإستيطان، وأستخدمت المخابرات البريطانيه كل أدواتها وعملائها لتمكين الاحتلال والإستيطان وقمع الثورات العربية في فلسطين وعلى كل أرض العرب، وأمتد الأمر حتى تعيين مشايخ القبائل حراس لحقول البترول وتمكين شركاتها من عقود طويلة الاجل تتحكم وتستنفذ مواردنا الطبيعيه، فتغير لون الإستعمار فثبت أوتاده.

وأستمر الدور في محاربه حركات الاستقلال في العراق ومصر والسودان واليمن وكل أرض العرب، ناهيك عن مشاركتها في مؤامرة العدوان الثلاثي مع فرنسا والكيان الصهيوني، المؤامرة التي قزَمت دور بريطانيا في العالم. وأستمر دور مملكتها زلم يتوقف حتى يومنا هذا، ولا ننسى تبني بريطانيا لأكذوبة أسلحة الدمار الشامل والتي حاولت الولايات المتحدة ترويجها لشرعنة الحرب الغاشمة على العراق.

لقد بُنيت نهضة بريطانيا العظمى بل وكل الغرب على أشلاء شعوب وثروات وحرية أكثر من نصف سكان الأرض، والغريب في الأمرأن هناك من يمجد دور الملكة من خلال ما أطلق عليه تعبير "القوه الناعمة" والتي لا أدري فيما أستخدمتها؟ ولمصلحة من؟ بل على العكس تماما لقد أستسلمت بل وباركت كل السلوكيات المعوجة والفاشية وأكاذيب الأستعمار.

واليوم ينصب أبنها ملك، تشارلز الثالث صديق الصهيونية وعدو محاسبة اسرائيل وعدواً لمقاطعه اسرائيل، فهو ملك ذو رأي سياسي، وتوجيه لا يختلف أن توجيه الأم وكا سبقها.

إن الإمتنان للعدل والحريه في بلاد الغرب صورة مشوهه للحقيقه، فقد تحطمت شعارات المساواه والعدل على باب التفرقة الداخلية والخارجيه والاستعمار والعبوديه. ولذا فمحاولة تحويل اليزابيث الى رمز للعدل والحرية لا تلائم تاريخ او حاضر تلك المملكه.

وإن كانت اليزابيث حقا رمز فهي رمز للاستعمار والاستهانه بحقوق الانسان، إن مقولة أن بريطانيا معقل الديمقراطيه هي مقولة جوفاء تفرغ الديمقراطيه من مفهومها الحقيقي، وليس التعبير الاكاديمي، فالديمقراطية بمفهومها الحقيقي لا تنفصل عن قيمة حقوق الانسان وعدم الجور على الشعوب الأخرى وإلا تحولت الى أداة لوصول طبقه طاغية للحكم.

الديمقراطبه لا قيمه لها ان لم تكن نبراس لحقوق البشريه بكل الوانها وأعراقها وليست فقط ديمقراطية الجنس السائد المستعمر والناهب لثروات البلاد لتزين تاج المُلك.

ويدعي البعض أن الغرب تقدم وأزدهر على أيدي تلك العصابات المسماه دول، وأنه نجح في ذلك بطرد الدين من حياته، والحق في ذلك فقط أن تخلي الغرب عن الدين هو ما جرد تلك الدول من كل أشكال الإنسانية وتحولوا إلى أبشع صور الإستعمار والإستغلال، فكانت نهضتهم السريعة مبنية على سرقة الثروات والمعرفة والموارد بكل أشكالها.  

ورغم كل ذلك يجب علينا تعزية شعب بريطانيا في وفاة الملكة اليزابيث الثانية، ووجب علينا تهنئة الملك المتوج تشارلز الثالث بتنصيبه ملك على دولتهم، ولكن هذه التعازي وتلك التهاني يحب أن يصحبها مطلب أساسي بل إصرار أن تعتذر بريطانيا عن ماضيها وتقلع عن ممارستها الاستعماريه المقنعه الحاضرة وأن تعوض كل الشعوب عن ما عانته وعن ما سرق منها، وبذلك فقط تكون بريطانيا قد كفرت ولو قليلا عن ذنوب قد لا تغتفر.

اخر الأخبار