بين الدونباس وفلسطين.. عندما يكون النفاق ثقافة وسلوكا!

تابعنا على:   09:36 2022-10-02

سليم يونس الزريعي

أمد/ انتفضت الولايات المتحدة الأمريكية والدول التابعة لها في أوروبا، وهددت موسكو بمزيد من العقوبات عقب التوقيع في الكرملين يوم الجمعة 30 سبتمبر في احتفال مهيب جرى في موسكو بالتزامن مع احتفالات موازية في المناطق التي أعلنت استقلالها عن الدولة الأوكرانية، بعد استهدافها بحرب استمرت منذ عام 2014 أثر الانقلاب اليميني الذي رعته الولايات المتحدة ضد الحكومة المنتخبة القريبة من موسكو حين ذاك، لتصبح هذه المناطق سكانا وأرضا روسية منذ التوقيع.

نظرة عدائية تاريخية!

هذه الخطوة التي نددت بها تلك الأطراف، من شأنها أن تثير أكثر من سؤال حول مآلات العملية العسكرية الخاصة في الدونباس إذا ما استمر الدعم الغربي لأوكرانيا، لأن روسيا ستوصِّف هذا الدعم كاعتداء مباشر على الاتحاد الروسي يستوجب الرد، في سياق الدفاع عن النفس، في ظل حملة تحريض وكراهية ضد كل ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، وهي تظهير سياسي وفكري لجوهر الثقافة الأنجلوسكسونية التي تنظر إلى روسيا باستعلاء( كشرق همجي متخلف)، وهذا الموقف الأمريكي وتوابعه في أوروبا منسجم مع موقفهم العدائي تاريخيا من الروس، بعد أن بات أكثر وضوحا وعدوانية وداعم لأوكرانيا في حربها على المناطق التي يقيم فيها المواطنون الأوكران من أصول روسية منذ عام 2014، دون أن تشكو ضمائرهم في حينها مما يتعرض له سكان تلك المناطق من تطهير عرقي متعمد مع سبق الإصرار، ولكن سرعان ما نكتشف أن لديهم ضمائر ولكن في سياق المتاجرة بحقوق الإنسان خدمة لمصالحهم.

الغرب..الشذوذ الإنساني

ومع ذلك إذا افترضا جدلا أنه يمكن لبعض الدول أن تعظ، فهل لأمريكا الإمبريالية سارقة خيرات الشعوب، وأول دولة تستخدم السلاح النووي ضد دولة استعمارية فاشية أخرى، ولكنها كانت في حينها تعلن استسلامها، ومع ذلك لم يشفع لها ذلك من استهدافها بالسلاح الذري لأول مرة في التاريخ، لكن ذلك الشذوذ الإنساني والقيمي والأخلاقي من قبل أمريكا في استهداف اليابان، كان مقصودا منه من قبل الولايات المتحدة إرسال رسالة قوة وتفوق موجهة للاتحاد السوفيتي السابق آنذاك، التي كان جيشه الأحمر يحرر أوروبا من النازية، وهو الشريك في الحرب على النازية، لكنه بالنسبة لأمريكا وأوروبا الإمبرياليتين، كان العدو الحقيقي، بصرف النظر عن التحالف المؤقت ضد النازية، فهل مع كل هذا التاريخ الأسود من المقبول أن يسمح لتلك الدول التي استعمرت وقهرت شعوب العالم في كل قاراته، لنفسها أن تحدد مشروعية مواقف وقرارات دول أخرى، قرر سكانها بمحض إرادتهم تقرير مصيرهم.
ولكن إرادة سكان الدونباس ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، لا تعني تلك القوى الإمبريالية، كونهم من أصول روسية، ومن ثم لا تعتبر تلك القوى أنه من حق هؤلاء السكان ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم بعد استهدافهم بعمليات تطهير عرقي طوال ثماني سنوات، فيما غاب تشدقهم بقيم حقوق الإنسان، التي طالما وظفوها للضغط وتصفية الحسابات مع دول العالم التي تريد أن تكون مستقلة بعيدا عن النفوذ والهيمنة الغربية.

إنسانية الغرب وفلسطين

ومن ثم هل لمثل هذه الدول التي تستخدم نفوذها بشكل غير إنساني لمحاصرة دول اقتصاديا، وتجويع شعوبها بما يشبه المجازر( سوريا)، وتَكْذِب وترتب أدلة اتهام بشكل وقح من أجل تدمير دول أخرى(العراق)، أن تكون حارسا للقانون الدولي والقيم الإنسانية، بل وتكيّف تفسير القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وفق أهوائها، فيما يغيب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم مستمرة منذ مساعدتها في زرع الكيان الصهيوني في فلسطين عن منظومتها الحقوقية والإنسانية في نفاق وازدواجية معايير تفضح سلوك تلك الدول المفارقة للقيم الإنسانية المشتركة.،

فانتازيا الموقف الصهيوني!

والسؤال هنا هل يصح ابتداء وبالمعنى الأخلاقي والقانوني إلى أمريكا وأوروبا الاستعمارية، التي نهبت وأبادت شعوبا أخرى، أن تحتكر حصرية حق تحديد الخطأ والصواب في العلاقات الدولية؟ أو أن تقرر أن سلوك وقرار شعب ما مشروعا من عدمه؟ مع التحفظ من منطلق النزاهة الفكرية والأخلاقية أن تقوم بذلك مثل هذه الدول التي استعمرت شعوبا أخرى لقرون، وأبادت سكان بعض دولها ونهبت خيراتها.

ولكن إذا كان ذلك فيما يتعلق بدول مثل أمريكا وأوروبا، فإن الفنتازيا السياسية والقانونية والقيمية، هي عندما يتحدث كيان قام على سرقة فلسطين في ظل رفض شعبها ومقاومتهم لوجوده منذ عشرات العقود وما يزال، كما يحتل الجولان السوري فيما أهله يرفضون وجوده، وكذلك مزارع شبعا اللبنانية، ويحاصر قطاع غزة منذ أربعة عشر عاما، عن رفضه الاعتراف باستفتاء تقرير المصير الذي جرى في الأقاليم التي انضمت إلى روسيا، وبعملية التحاقها بوطنها الأصلي.. فهي والحال هذه ذروة الاستهتار والتجني علي القيم والحق والعدل والقانون.
والملفت أن كيان الفصل العنصري الصهيوني الذي ليس له علاقة مطلقا بالقانون والحقوق والمبادئ والقيم الإنسانية، انتصر بشكل واضح هذه المرة لليهودي زيلينسكي رئيس دولة أوكرانيا، بأن أعلنت وزارة خارجية الكيان الصهيوني في بيان لها رفضها الاعتراف بإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضم مناطق أوكرانية إلى روسيا، وأكدت دعمها لسيادة وسلامة أراضي أوكرانيا؛ حسب ما ورد في بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية.

المفارقة أن من يقول ذلك هو كيان سرق الوطن الفلسطيني، بمساعدة الدول الغربية، بزعم أن له حقا توراتيا في فلسطين، وهو ما دحضه بقوة علماء آثار ومؤرخون يهود ممن يعيشون داخل الكيان، وصل حد القول أن التوراة نفسها مجرد أساطير وخرافات، ليكون السؤال هل من حق مثل هذا الكيان الذي قام على الخرافات واحتلال أرض شعب آخر، ما يزال يرفض وجوده ويقاوم احتلاله من داخل وطنه على طريق إنهائه حتى اللحظة ، أن يتحدث عن مشروعية استفتاءات المناطق المحررة في أوكرانيا من عدمه، وهو الكيان الذي قام بسرقة وطن بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة، تلك الدول التي تتحدث الآن عن عدم مشروعية التحاق المناطق المحررة في أوكرانيا بوطنهم روسيا، فيما زرعت وبالقوة مجموعات المستجلبين الصهاينة في فلسطين على حساب أهل البلاد.

هنا تظهر مفارقة "أحجية" الكيان الصهيوني، وهي أحجية تتعلق بطبيعة مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين، النشأة والسلوك منذ عام 1897 وحتى الآن، ومن ثم موقفه من التحاق مناطق أوكرانية ذات غالبية روسية بالاتحاد الروسي، مع أن هذه المناطق روسية أصلا.

بل ذهب أبعد من ذلك بإعلان ولايته على المواطنين الروس ممن يحملون أيضا جنسية كيان الاحتلال بتحذير من يتواجد منهم في روسيا من تنفيذ قرار التعبئة العسكرية نظرًا لتطبيق القانون عليهم، في حين دعا جيش الاحتلال الجنود حملة الجنسية الروسية – الإسرائيلية المتواجدين في روسيا إلى العودة الفورية لكيان.
والسؤال ماذا يفعل المواطنون اليهود في روسيا ولِمَ ينطق عليهم قانون كيان الاحتلال دون قانون الدولة الروسية؟، هل يريد الكيان الصهيوني بث الذعر بين أتباع الديانه اليهود من أجل نزوح جماعي من روسيا والاصطياد في الماء العكر بزيادة فرص هجرة جديدة بعد أن نضبت مصادرها أو كادت؟
الكيان الصهيوني والقانون الدولي
لكن بأي حق قانوني أو أخلاقي يقول الكيان الصهيوني إنه لن يعترف بالاستفتاء أو عودة تلك المناطق إلى الوطن الأم، فيما لم ينفذ قرارا واحدا من قرارات الأمم المتحدة، بل واستولي على مناطق فلسطينية بحلاف قرار التقسيم ورقم 181 عبر ارتكاب عشرات المجازر وتدمير أكثر من 500 قرية، ثم احتل ما بقي من فلسطين التاريخية عام 1967 بما فيها القدس التي أعلن ضمها في27 يونيو 1967، خلافا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فيما يتعلق بوضع مدينة القدس والضفة المحتلة، ولم يكتف الكيان الغاصب بذلك، وإنما واصل مشاريع ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية لسلطته ضد إرادة الشعب الفلسطيني الذي يخوض نضالا لم يتوقف منذ عشرات السنين.
ثم هل لمثل هذا الكيان أن يوصِّف ما جرى في الأقاليم التي التحقت بروسيا بأنه غير شرعي فيما يحتل الضفة الغربية والقدس التي تكيف وضعها القانوني قرارات مجلس الأمن الدولي بأنها أراض محتلة، وهي قرارات لم يحترمها الكيان الصهيوني، بل ويقوم بعملية تهويد لمساحات شاسعة منها بقوة السلاح فيما الشعب الفلسطيني يقاوم ذلك، لكن الدول الغربية تحميه وتتواطأ معه، وهي ترى بأم العين أن الشعب الفلسطيني يرفض الاحتلال، لكن نفاق أمريكا والدول الغربية كشفته بشكل فاضح، استفتاءات الأقاليم التي قررت العودة لوطنها الأصلي الذي مثل ذروة النفاق والكذب وازدواج المعايير لدى تلك الدول.
ذلك أنه عندما يتعلق الأمر بممارسات وعنصرية الكيان الصهيوني، فهي تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي الإنساني وبقرارات الأمم المتحدة فيما يخص القضية الفلسطينية. عبر تواطؤ تلك الدول وصمتها المخجل، مقارنة بموقفها من إقليم الدونباس ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون التي قرت في استفتاء حر الانضمام إلى روسيا وطنهم الأم.
مفارقات صهيونية وغربية
بل وصل الأمر بالولايات المتحدة حد الاعتراف بسيادة الكيان الصهيوني على الجولان بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مرسوم تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه أن هضبة الجولان السّورية المحتلّة جزءٌ من كيان الصهيوني وهو يعني اعترافه بقانون "إسرائيل" حول الجولان الصادر عام 1981 ،المرفوض كما أنه انتهاك فظ غير مشروع، لقراري مجلس الأمن الدولي رقم 497 و242 اللذان سبق للولايات المتحدة التصويت عليهما.
وأخيرا هل لمثل هذه الدول التي وفق معاييرها المزدوجة بشكل وقح، رفض حق تقرير المصير لسكان قرروا بمحض إرادتهم ذلك، فيما كانوا يتعرضون لتطهير عرقي، وحرب تستهدف لغتهم وثقافتهم وتاريخهم، لكنها تقف إلى جانب عدوانية الكيان الصهيوني وتوفر الحماية له من القانون الدولي، بل جعلته فوق القانون طوال أربعة وسبعون عاما من الاحتلال لفلسطين، وبررت سلوكه ومجازره، وضد إرادة الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير الذي يرفض الاحتلال؛ بل ويقاومه.

اخر الأخبار