الوضع العربي (2).. متطلبات الإصلاح

تابعنا على:   08:03 2022-10-17

نبيل فهمي

أمد/ يتمتع العالم العربي بموارد طبيعية وفيرة بخاصة في مجال الطاقة والمواد الخام، ولديه مساحات شاسعة للزراعة، ويتمتع بموقع جغرافي متميز جعله يؤثر في الاقتصاد العالمي، ومحل اهتمام استراتيجي وأمني لدول عديدة بخاصة الكبرى منها.

ومع هذا، لا يخفى على أحد أن الوضع العربي غير مستقر أو مطمئن، وأن الرؤية المستقبلية له بين شعوبه تتسم بالقلق والتشاؤم الشديد، في ضوء أحداث تعرض لها منذ منتصف القرن الماضي أسفرت عن أشكال وأنماط مختلفة من الاضطرابات المجتمعية، والنزاعات العسكرية، بل وانهيار بعض الدول وتفككها، تزامناً مع مشكلات تعد سابقة لا مثيل لها في العصر الحديث.

وتعرضت المنطقة لعبث أطراف غير عربية في مصائرنا من داخل الشرق الأوسط ومن خارجه، وهناك أسباب داخلية عديدة من داخل الدول العربية لما وصلنا إليه.

ونقطة الضعف الأولى لمدة طويلة كانت رفض عالمنا العربي تقبل التغيير التدريجي في حياته الطبيعية، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، في حين أن التغيير سمة حتمية من سمات الحياة، ويحدث بمعدلات أسرع في العالم المعاصر نتيجة للطفرة في مجال الاتصالات، كما أن المطالبة بالتغيير والتطوير بمعدلات سريعة هي سمة من السمات الخاصة بالشباب، الذين يمثلون غالبية تصل إلى 65 في المئة من شعوبنا.

 وللأسف نجد أن متوسط نصيب الفرد من الدخل في المنطقة العربية طبقاً لإحصاءات البنك الدولي أصبح أدنى من منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي في عام 2015، وذلك على رغم أن المنطقة العربية كانت تسجل مستويات أعلى منها حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وطبقاً لإحصاءات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2017، سجلت المنطقة العربية معدلات أدنى في مؤشر التنمية البشرية عن كل من أوروبا ووسط وشرق آسيا وإجمالي العالم، عدا جنوب آسيا ومنطقة الصحراء الكبرى في أفريقيا.

وعارض العرب أو معظمهم التغييرات التدريجية، لذلك تعرضوا للتغيرات الطارئة المضطربة والمصحوبة أحياناً بالعنف وتفكك الدول، بخاصة بالنسبة إلى الدول العربية العريقة والقديمة، بينما جاءت الصدمة أخف بين الدول العربية الأكثر شباباً عمراً أو قيادةً، وأولئك الذين تبنوا مبدأ التغيير ولو جزئياً، أو على الأقل تجنبوا معارضته في كل المجالات. 

أما نقطة الضعف الثانية فهي في ضعف قدراتنا الذاتية الوطنية في مجال الأمن القومي مقارنة مع جيراننا مثل إيران، أو من خارج المنطقة مباشرة مثل تركيا، ناهيكم عن القدرات الإسرائيلية، واعتمادنا جميعاً تاريخياً بدرجات مختلفة على الأصدقاء الأجانب لتأميننا وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، مما جعل أغلبنا يتكاسل عن التطوير المستمر لقدراتنا الأمنية الذاتية، وخلق خللاً في التوازن الأمني والسياسي مع دول إقليمية أخرى مجاورة لنا، وقد يكون الاستثناء عن ذلك دول المواجهة.

المشكلة ليست في وجود علاقات أمنية استراتيجية في المنطقة، أو حتى تحالفات مع دول كبرى لدعم تأمين مصالحنا والحفاظ على سيادتنا، بخاصة إزاء مواجهة الأزمات الكبرى، وإنما في الاعتماد عليها كلياً وتجاهل تطوير قدراتنا الوطنية، فإسرائيل وتركيا دعمتا قدراتهما الوطنية والأمنية والسياسية في مجال الأمن الوطني، مع الاحتفاظ بعلاقات أمنية وتحالفات رسمية مع الحلف الأطلنطي والولايات المتحدة والغرب، مما أتاح لهما الاستفادة من هذه التحالفات، وبناء قدرات ذاتية مع الاحتفاظ باستقلالية قراراتهما الوطنية إلى حد كبير، وخلق توازن أمني لصالحهما مقارنةً مع عديد من جيرانهما.

 يجب أن يستفيد العرب من تجارب جيرانهم، وحتى أعدائهم، من خلال الحفاظ على علاقات أمنية وسياسية قوية مع الأصدقاء من القوى العظمى، لدعم مصالحهم وأمنهم عندما تتوافق المصالح والأولويات، مع تطوير قدراتنا الأمنية الوطنية في مواجهة الأزمات والتحديات التقليدية المحدودة وكبح وردع أي أطماع غير مشروعة من جيرانهم.

وعلى رغم تشاؤم البعض من الوضع العربي، أعتقد أيضاً أن هناك بعض البوادر للتغيير الإيجابي في الحال العربية، وأهمها ما نشهده من بنية أساسية وتركيز على الشباب، بخاصة في مصر والسعودية والإمارات، ونشهد بوادر تغيير في المنظومة الاجتماعية الراسخة، وعدم الاعتماد فقط على اقتصادات الموارد الطبيعية والسعي للتطور التكنولوجي، والتمسك بتأمين الهوية الوطنية، مع احترام خصائص الطوائف المختلفة للشعوب، وأتمنى أن تتواصل الجهود وترسخ تحقيقاً للطموحات، فالمشوار لا يزال أمامه طريق ممتد ليصل إلى المستوى المطلوب.

ونشهد أيضاً تركيزاً جديداً على تطوير القدرات الذاتية الأمنية، وقناعة بضرورة أخذ زمام المبادرة في توفير الأمن وطنياً، من خلال تطوير القدرات العسكرية الذاتية، وكانت هناك الدعوة المصرية السابقة لبلورة قوة عربية للتدخل السريع، وأتمنى أن تنجح الدول العربية في التغلب على تباين مواقفها في هذا الصدد، فهذه الأفكار أفضل بكثير من المقترح الأميركي خلال ولاية ترمب، وهو تشكيل قوة إقليمية تحت رعاية أميركية هدفها الوحيد مواجهة إيران، أو ما تسرب أخيراً قبل جولة بايدن عن تشكيل "ناتو" شرق أوسطي.

وفي هذا السياق، يجدر التنويه أيضاً أن حماية الأمن القومي والوطني لدولنا العربية ليس من خلال تطوير قدراتنا العسكرية فقط، على رغم أهمية بل ضرورة ذلك، وإنما يشمل بأولوية متقدمة تنشيط العمل الدبلوماسي العربي. وغياب المبادرة الدبلوماسية العربية في حل المنازعات الإقليمية القائمة هو أمر غير مفهوم، وعلينا طرح الأفكار والبدائل السياسية لمشكلات المنطقة حتى تؤخذ المصالح العربية في الاعتبار، بخاصة مع النشاط التركي الواسع في المشرق والآن في شمال أفريقيا، وسيل من الطروحات الإيرانية في الخليج، تجعلهما مركزاً للحوار والاهتمام، من ضمنها أخيراً دعوة لحوار شرق أوسطي عربي وغير عربي، وهي فكرة أؤيدها من حيث المبدأ، وإنما كنت أفضل أن تصدر من إحدى الدول العربية الرئيسة مثل مصر أو السعودية، لبلورتها بشكل إيجابي، ولكي توفر لها المصداقية المطلوبة وألا توظف فقط لتخفيف الضغط السياسي أو تحقيق مصالحهم دون حل النزاعات القائمة.

كل هذه الأمور وغيرها يجب أن تكون محل نقاش وبحث خلال قمة الجزائر في بداية نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث لا تقتصر الجلسات على خطب عامة وتسجيل المواقف، بل أدعو أن يصدر عن القمة تكليف واضح بإعداد تصور أو تصورات عربية عن مستقبل الشرق الأوسط سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، تأميناً لشبابنا وتحصيناً لمستقبلهم.

اخر الأخبار