رغم التحديات.. "ماسح الأحذية" يعد البرازيل بالأمل

تابعنا على:   08:14 2022-11-04

سليم يونس الزريعي

أمد/ صحيح أن ماسح الأحذية والعامل الذي فقد خنصر يده اليسرى لسوء ظروف العمل، فاز بفارق بسيط عن خصمه اليميني جايير بولسونارو، لكن متى كان شرط الفوز في الانتخابات يتعلق بالفرق بين نتيجتي المتنافسين طالما أن أحدهما قد حاز على أصوات أكثر من نصف المقترعين؟ أليس هذا هو قانون صندوق الاقتراع؟ ولعبته التي يناضل من أجلها الجميع.
ولذلك أليست دعوات أنصار بولسونارو الجيش للانقلاب على نتيجة الانتخابات هي نسف لمفهوم الديمقراطية وتداول السلطة شكلا ومضمونا؟ وتحمل مخاطر الانزلاق نحو الفوضى، خاصة وأن بولسونارو يزعم أن فهمه للحياة هو الأسلم، ويجب أن يسود على كل المجتمع.
ويؤسس لهذا الانقلاب صورة بولسونارو العسكري المتعالي على الطبقات الاجتماعية الضعيفة، وحليف البلطجية ورجال الأعمال المتوحشين، وغير المبالي بالقضايا البيئية وضرورة الحفاظ على ثروة الغابات الأمازونية وحمايتها من أطماع رأس المال الجشع والتصنيع الذي يزحف على مساحاتها بشكل شرس.
أليس هذا السلوك يشير لموقف عدمي من قبول الآخر، يؤثث له التشكيك في نزاهة النتائج في حال هزيمته ، ولذلك لمّح بولسونارو للتمرّد أُسوة بما حصل في انتخابات الولايات المتحدة الماضية عندما اعترض ترامب على هزيمته بدعوى سرقة الانتخابات. كما اشتُهر بولسونارو بازدرائه لملف الحريات الشخصية.
ولذلك من الطبيعي أن يختلف التحدي الذي يواجهه الرئيس المنتحب دا سيلفا هذه المرة عنه عندما تسلم الرئاسة في المرة السابقة عام 2003، كونه يواجه الآن نفس اللوبي الذي راهن على بولسونارو رجل المؤسسة العسكرية، ونجح في سجن لولا دا سيلفا على خلفية اتهامه بقضايا فساد مالي، لأنه أعرب عن رغبته في الترشح للرئاسة من جديد سنة 2018، وهي التهم التي برأته منها المحكمة العليا بعد ثلاث سنوات من سجنه، والمفارقة أن القاضي الذي حكم بسجن لولا في 2016، عيّنه بولسونارو على أثر فوزه بالرئاسة، وزيرا للعدل!!!
ويبدو أن المناضل اليساري صاحب معجزة البرازيل الحديثة لولا دا سيلفا يدرك طبيعة من يواجه ممن يمثلهم بولسونارو الذين هم على استعداد للذهاب بعيدا للدفاع عن مصالح تحالف البلطجية ورجال الأعمال المتوحشين، وهو لم ينس أنهم كما قال": "حاولوا دفني حيا، وأنا الآن هنا لحكم البلاد.. في موقف صعب للغاية، لكنني متأكد من أنه بمساعدة الناس سنجد مخرجا ونستعيد السلام".
فهو كما قال: لم يواجه مرشحا، وإنما واجه آلة الدولة الموضوعة في خدمة المرشح بولسونارو لذلك قال دا سيلفا: "لقد وصلنا إلى نهاية واحدة من أهم الانتخابات في تاريخنا.. انتخابات وضعت مشروعين متعارضين للبلاد وجها لوجه. لكنه مع ذلك أكد أن البلاد بحاجة إلى السلام والوحدة.
ولهذا شدد أيقونة اليسار على أنه "ليس من مصلحة أحد أن يعيش في أمة مقسمة في حالة حرب دائمة".
وتابع "اليوم نقول للعالم إن البرازيل عادت" وإنها "مستعدة لاستعادة مكانتها في مكافحة أزمة المناخ".
ومن الواضح أن الانتخابات عكست انقساما مجتمعيا له أساسه الأيديولوجي مما يفتح الباب أمام من ينكرون حق نصف الشعب في الحياة الكريمة إلى الانزلاق نحو العنف الذي يغذيه سلوك الرئيس المنتهية ولايته وصمت المؤسسة العسكرية حتى الآن.
ومع كل الثقة في قدرة هذا المناضل على تجاوز كل العقبات كونه يملك تجربة وإرادة وجماهير مؤمنة بمشروعه وبحقها في الحياة، فإن المهمة مع ذلك ليست سهلة نظرا لفقدان الانسجام مع المشهد التشريعي ورئاسات الفيدراليات، إضافة إلى أن الانقسام الذي يشهده المجتمع البرازيلي يعكس نوايا فريق لا يريد الخير للبلاد.
لكن المناضل لولا دا سيلفا؛ وهو يعي التحدي الهائل الذي ينتظره ، فإنه شدد على ضرورة إعادة بناء البلد بكل أبعاده في السياسة، في الاقتصاد، في الإدارة العامة، في الانسجام المؤسسي، في العلاقات الدولية، وقبل كل شيء في رعاية الأشخاص الأكثر احتياجا.
ومع كل هذا الانقسام قال:"سنكون قادرين جميعا على إصلاح هذا البلد، وبناء البرازيل بحجم أحلامنا مع الفرص لتحويلها إلى حقيقة واقعة.. سوف نعيش في زمن جديد.. زمن السلام والمحبة.. إنه وقت يحق فيه للشعب البرازيلي أن يحلم مرة أخرى".
كيف لا وهو الذي خلال فترة رئاسته استطاع تحويل البرازيل من دولة مفلسة إلى واحدة من أكبر وأقوى اقتصاديات العالم واحتلت المرتبة السادسة دولياً ، وحققت نسب نمو تكاد تكون معجزة.
وترك لولا دا سيلفا 200مليار دولار فائض في البنك المركزي، وأخرج 20 مليون مواطن من خط الفقر ، وتحولت البرازيل من دولة مدينة إلى دائنة وأعاد 3 ملايين مهاجر برازيلي إلى الوطن، وترك سجل إنجازات لا ينتهي، كل ذلك في تسع سنوات فقط!!
وفي الوقت الذي كانت فيه شخصية بولسونارو إشكالية ومثيرة للجدل، مثَّل لولا دا سيلفا أيقونة عالمية. وقد أقر الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن لولا دا سيلفا الزعيم الأكثر شعبية عبر العالم.
ففي عهده تحولت البرازيل إلى وسيط دولي يُصغي إليه في النزاعات الدولية الاقتصادية والسياسية، ليس فقط على صعيد أميركا الجنوبية، حيث عملت البرازيل على حل النزاعات بين فنزويلا وكولومبيا والأكوادور، وإنما أيضاً كوسيط للتعاون ما بين أميركا الجنوبية وبقية العالم الثالث وبين الأخير والولايات المتحدة.
وهو عراب التقارب بين القارة الأميركية الجنوبية والعالم العربي، حيث استضافت البرازيل أول قمة عربية أميركية جنوبية عام 2005. كما كان قد تقدم مع القادة الأتراك، باقتراح وسط للنزاع الإيراني النووي مع الغرب، يقوم على تخصيب اليورانيوم الإيراني للأغراض السلمية في تركيا.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، وقفت البرازيل تحت قيادة لولا دا سيلفا، مواقف مؤيدة للشعب الفلسطيني وسعيه لاستعادة سيادته الوطنية على أرضه المحتلة عام 1967. واعترفت بالسلطة الفلسطينية، كدولة فلسطينية قائمة، مثيرة غضب إسرائيل ودهشة الولايات المتحدة في حينها.
وأخيرا يمكن القول إن التحديات أمام المناضل لولا دا سيلفا كبيرة ومعقدة في ظل انقسام مجتمعي حاد، لكن دا سيلفا هو أيضا رجل التحديات الكبرى، ويقف خلفه جمهور يريد أن يغادر القاع نحو فسحة أمل، الوحيد القادر على توفيرها له ولجميع مواطني البرازيل، هو لولا دا سيلفا.

اخر الأخبار