لماذا منظمة التحرير الفلسطينية؟!

تابعنا على:   13:37 2022-11-07

د. سامي محمد الأخرس

أمد/ في كل مناسبة تقفز منظمة التحرير الفلسطينية إلى الحالة الجدلية الفلسطينية، وهذا ليس عبثًا أو ترفًا بل لأن منظمة التحرير الفلسطينية تعتبر هي الكيانية الفلسطينية الثابتة وغير المتغيرة التي تحدت كل الظروف القهرية التي مرت بها القضية الفلسطينية، وأكدت على مفهوم الهوية الذي حاول الأصدقاء قبل الأعداء طمسه وإذابته، والقفز عنه لتكتمل الرواية الصهيونية وتثبت أحقيتها الوجودية التي منحتها إياها قوى الاستعمار العالمي ممثلة ببريطانيا من خلال تصريح (بلفور)، وعدم وجود هوية وكيانية للنضال الفلسطيني خلال مراحله المتعددة وتبعيته للدول العربية من جهة، وللأحزاب العشائرية من جهة أخرى، وعليه خاضت م ت ف معركة شرسة منذ انطلاقتها أو منذ أن سيطرت عليها قوى المقاومة والثورة الفلسطينية، لتؤكد الهوية الفلسطينية، وتبعث الروح في الكيانية الفلسطينية كهوية مستقلة، وتخوض كل المعارك لتخرج من كل معركة منتصرة وأقوى مما كانت عليه سابقًا، إلا أن الأحوال والسياسات الداخلية التي قادت م ت ف واستفردت بها بقيادة فردية وبمؤسسات تخدم هذه الفردية أضعفت من وجوديتها ورمزيتها كثيرًا إلا إنها لم تنهيها أو تقفز عنها، حتى جاءت اتفاقيات أوسلو لتزيد عمق أزمات م ت ف وتزيد من الهيمنة عليها وعلى مؤسساتها، في ظل محاولات تغييبها عن التأثير الفاعل في النظام السياسي القائم عبر مؤسسات السلطة الفلسطينية، وهو متجهات بعض الأفراد والشخصيات المتنفذة التي وجدت بالسلطة الفلسطينية مدخلًا حيًا لتغييب م ت ف والإسترسال في وأد وتغييب م ت ف عن دورها ونفوذها وكيانيتها خدمة للكثير من الأهداف، أول هذه الأهداف خدمة الشخوص المتنفذة التي رأت في م ت ف كيانية لا تخدم مصالحهم وقفزهم على الحالة الوطنية، ثانيًا خدمة لمخطط العدو الصهيوني الذي يدرك خطورة وأهمية م ت ف في مواجهة الرواية الصهيونية، ثالثًا خدمة لبعض الأجندة الإقليمية والعربية التي تجد بمنظمة التحرير عدوًا يواجه مخططاتها في المنطقة وخاصة في القضية الفلسطينية، وعليه فإن م ت ف واجهت العديد من المخططات والتوجهات التي حاولت النيل من وجودها ومن شخصيتها الإعتبارية الكيانية الفلسطينية.

من هنا فإن م ت ف تحتل مكانة جوهرية في التأريخ الفلسطيني، وفي الوجود الفلسطيني وتكون هدف وشاخص للرماية في كل المراحل سواء فلسطينيًا أو اقليميًا أو دوليًا، وهي لليوم تعيش في حالة مواجهة مع قوى وجهات متعددة. مع ضرورة الإقرار بأن أوضاع المنظمة وأحوالها في حالة يرثى لها حيث سيطر عليها الفساد، ونالها التآكل في مؤسساتها وكيانيتها، وحضورها السياسي عبر تعطيل كل مؤسساتها وتعطيل قوة نفوذها، وحالة التفرد والهيمنة التي تعيش فيها، وأصبح شعار إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية هو مطلب مهم لجميع القوى والاتجاهات حتى هناك أصوات بحركة فتح تطالب بذلك، وهنا يمكن القول إنه - حق يراد به باطل- في الكثير من الحالات والظروف، فنحن أمام حالات متعددة من هذه المطلبية التي تحاول أن ترسل للرأي الفلسطيني أن منظمة التحرير الفلسطينية بحالتها الحالية أحد معطلات عملية (المقاومة) و(التحرير) في الوقت الذي ترفض فيه بعض القوى الانضمام للمنظمة ومؤسساتها إلا وفق اشتراطات معينة، وإن كان لهم الحق في ذلك إلا أن لهم العديد من الاعتبارات الأخرى التي تحاول السيطرة على منظمة التحرير ككيانية تؤدي وتخدم المشروع الحزبي الأكبر لدى بعض الأحزاب، وأحزاب أخرى تتساوق مع مفهوم إصلاح م ت ف كأنها السد المنيع أمام المقاومة ومشروع التحرير في الوقت الذي تستكين فيه هذه القوى في قوقعة مصالحها الحزبية، ولا تتوازن في علاقاتها الوطنية بل تميل لصالح من يخدم مصالحها الحزبية، وقوى أخرى تعتبر أعضاء في م ت ف ولكنها تحاول جاهدة أن تقفز عن الرؤية الوطنية في عملية النضال من أجل م ت ف أيضًا خدمة لبعض الأهداف، وقوى مستفيدة من حالة م ت ف تتساوق مع الموجود من أجل المصالح الحزبية. إذن فكل المصالح التقت لأن تبقى منظمة التحرير الفلسطينية هي شعرة معاوية التي يمكن من خلالها تصفية الحسابات، أو طرحها في واجهة كل حدث يطرأ على الساحة الفلسطينية.

لا يمكن لنا التسليم بحال م ت ف الحالي، كما لا يمكن التسليم بأن يتم محاولات تعرية هوية وكيانية م ت ف استغلالًا لمحاولات البعض وأجندته من تشويه الحقيقة القائمة بأن م ت ف هي الكيانية والهوية للشعب والقضية الفلسطينية التي يمكن خلالها مواجهة الرواية الصهيونية.
فموضوع إصلاح م ت ف هو أقرب لمفهوم المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، حيث أن جولات المصالحة التي تجري بين الفينة والأخرى هي مجرد ترف حزبي، وهذا ما يؤكده مواقف بعض القوى التي لا تستطيع القول (لا) في وجه المتناحرين من فتح وحماس انقيادًا لمصالحهما الحزبية ومناطق النفوذ وحرية الحركة التي يتحركوا فيها وفق قواعد الاشتباك الفصائلي، وما يؤكد ذلك المقالات التي تنشر عن هذه المصالحة من بعض القادة المتنفذين في العديد من الفصائل التي تشارك بالجولات، وتؤكد على إيمانهم المطلق بأن هذه الجولات هي عبث ومجرد ترف سياحي فقط، والسؤال هنا إن كانت هذه القيادات تدرك ذلك فلماذا تخادع الرأي العام الشعبي الفلسطيني؟ ولماذا تشارك في هذه الجولات؟ ولماذا لا تقول (لا) وتعلن ذلك للرأي العام الشعبي الفلسطيني؟

الإجابة عن تلك التساؤلات تأتي في سياق القياس وفق المصالح الحزبية التي تأتي كأولوية عن المصلحة الوطنية، وحالة الخداع الممارس من هذه الفصائل للشعب الفلسطيني أو الخشية من ضرب مصالحها في بقعة جغرافية ما، حيث تبيح لنفسها المقاومة في مناطق جغرافية وتحرم مقاومتها فق مناطق أخرى وفق (الضرورات الحزبية) أو الضرورات لصاحب الولاء.
خلاصة الأمر ندرك جميعًا أن م ت ف هي الكيانية الفلسطينية التي يمكن من خلالها مواجهة الرواية الصهيونية، وفرض معادلة في غاية التعقيد التي تلخص في ( أين فلسطين؟)

كلمات دلالية

اخر الأخبار