فتوى محكمة العدل الدولية.. وتشريع استخدام العنف لكنس الاحتلال

تابعنا على:   09:06 2022-11-14

سليم يونس الزريعي

أمد/ بتصويت 98 دولة واعتراض 17 من بينها كالعادية الولايات المتحدة وكندا وبالطبع الكيان الصهيوني، وبعض الدول الأوروبية كألمانيا وإيطاليا والنمسا، ومعهم بذرة الاستعمار الإحلالي أستراليا، وامتناع 52 دولة ؛ قبلت الأمم المتحدة بواسطة لجنة خاصة تتعلق بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار وبناء على طلب السلطة الفلسطينية، مساء الجمعة11تشرين ثاني/نوفمبر، التوجه إلى المحكمة الدولية في لاهاي، وإلزامها بإبداء رأيها القانوني بخصوص شرعية الاحتلال (الإسرائيلي).
تكييف قانوني
والمفارقة أن هذا الطلب لا يتعلق بفلسطين القضية الأساس – أي فلسطين التاريخية - ولكنه يطالب بفتوى تتعلق باحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية عام 1967، في حين أن هناك عشرات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي كيفت الوجود الصهيوني على الأقل في الضفة الغربية، بما فيها القدس على أنه احتلال، وأن تلك الأراضي هي مناطق محتلة. ومنها الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (محكمة لاهاي): الذي صدر في التاسع من تموز/ يوليو 2004م، حول الجدار الفاصل الذي كان الكيان يقيمه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عندما أكدت المحكمة في قرارها -بكل وضوح- عدم شرعية بناء الجدار وقانونيته في الأراضي الفلسطينية. كونها أراض محتلة.
أما الطلب الفلسطيني هذه المرة فهو يتعلق بدعوة محكمة العدل الدولية الإجابة عن السؤال المتعلق بطبيعة وشكل هذا الاحتلال الصهيوني المستمر وغير القانوني وجرائمه، وضرورة تحديد مسؤوليات وواجبات (إسرائيل)، سلطة الاحتلال غير الشرعي، ودور المجتمع الدولي ككل والمنظمة الأممية في إنهاء هذه الظاهرة التي تشكل جذر الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني وعدم الاستقرار، والسلم والأمن في المنطقة.
قرار الجمعية العامة
ولذلك تضمن نص مشروع القرار، أن الجمعية العامة ووفقا للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، تطلب من محكمة العدل الدولية، عملا بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة:
أ- إصدار فتوى حول التبعات القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها طويل الأمد، واستيطانها وضمها للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 967 ، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي والطابع ومكانة مدينة القدس، ومن اعتمادها للتشريعات والإجراءات التمييزية ذات الصلة.
ب- كيف تؤثر السياسات والممارسات الإسرائيلية المشار إليها في الفقرة (أ) على الوضع القانوني للاحتلال وما هي التبعات القانونية التي تنشأ بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة من هذا الوضع؟.
ماهية الفتوى
ومن أجل إزالة أي لبس حول الرأي الاستشاري، فيجب أن يكون معلوما أن الرأي ليس ملزمًا قانونًا بشكل مباشر، كونه رأيا استشاريا"، ولكن من الناحية العملية، فهو يتمتع بمكانة عالية جدًا باعتباره تصريحًا بالوضع القانوني، وإنما بيان موثوق للغاية حول الوضع القانوني . "
وما يهدف إليه طالب الرأي هو نوع من تقرير المحكمة بأن الاحتلال بأكمله غير قانوني، أي ليس مجرد إجراءات محددة"، "لأنه (الاحتلال دائم ، ويتسم بانتهاك حق تقرير المصير، بسبب المستوطنات،ىلذلك يريدون من المحكمة أن تصل إلى استنتاج مفاده أن الاحتلال بأكمله غير قانوني، وهذا يعني أن هناك واجبا بالانسحاب الفوري من الأراضي موضوع الاحتلال.
غضب في الكيان
وقد أثار قرار إحالة موضوع الاحتلال وأثره على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم غضب المندوب الصهيوني الذي هدد قبل التصويت باتخاذ إجراءات أحادية للرد على هذا القرار. واتهم الذين سيصوتون مع مشاريع القرارات “بتدمير عملية السلام” (غير الموجودة)، معتبرا أخذ الموضوع إلى محكمة العدل الدولية “إنهاء أي محاولة للعملية السلمية”، وقال إن ذلك “خطوة أحادية يقوم بها الفلسطينيون تهربا من الجلوس على طاولة المفاوضات”، وطالب بالتصويت ضد مشروع القرار.
فيما قال مندوب الولايات المتحدة، إن هذه القرارات تثير قلق الولايات المتحدة و”تعتبر أحادية الجانب” وإن بلاده تؤكد أن السلام لن يأتي إلا بالمفاوضات الثنائية ولا تؤيد طرح المسألة أمام محكمة العدل الدولية.
وقبل جلسة التصويت في الأمم المتحدة، تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايته، يائير لبيد، مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وعدد من رؤساء الدول حيث تمكنّ من ثني قبرص عن موقفها وامتناعها عن التصويت لصالح التوجه الفلسطيني؛ حسب ما ورد في "واينت".
وزعم لبيد، أن "هذه خطوة فلسطينية أحادية الجانب تقوض أساس حل النزاع ومن شأنها أن تضر بكل تحرك مستقبلي محتمل لذلك، إذ أن الفلسطينيين يريدون استبدال المفاوضات بإجراءات أحادية الجانب".
ودعا لبيد الدول التي دعمت توجه السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الدولية، إلى "إعادة النظر في موقفها ومعارضته في إطار التصويت بالجمعية العامة"، مشيرا إلى أن "طريقة حل النزاع لا تمر عبر أروقة الأمم المتحدة أو الهيئات الدولية الأخرى".
ويكتسب القرار التاريخي لمحكمة العدل الدولية، الذي وصفه الفلسطينيون بالإنجاز الدبلوماسي والقانوني، بإصدار قرار حيال “الماهية القانونية لوجود الاحتلال الإسرائيلي المستمر” في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس المحتلة، أهمية بالغة لأنه يفتح حقبة جديدة لمساءلة “الكيان الإسرائيلي” وتقديمه للمحاكمة أمام المحكمة على احتلاله وجرائمه المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.
إن القرار الأممي، الذي صوتت عليه لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار بأغلبية ساحقة، يعني أن الفلسطينيين يطلبون من المحكمة الدولية أن تقرر أن الاحتلال الإسرائيلي يعدّ حالة دائمة، أي ضّم بحكم الأمر الواقع، وليس مؤقتاً على النحو المنصوص عليه في القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والناصّ على انتهاء الاحتلال من خلال مفاوضات وفق صيغة الأرض مقابل السلام.
مأزق للكيان
وتخشى سلطات الاحتلال من إمكانية أن يمنح القرار الأممي الوشيك الشرعية والمنصّة المتقدمة لحركة “BDS”، حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والمبادرات العالمية المختلفة الداعية لمقاطعة الكيان الإسرائيلي في العالم، وفق صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
وتضّمن القرار، فقرات تعالج الآثار القانونية الناجمة عن الخرق المستمر من الاحتلال الإسرائيلي لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني من خلال منظومة الاستعمار، والفصل العنصري القائم على اعتماد تشريعات وتدابير تمييزية، وفي ظل الممارسات والجرائم التي يرتكبها وأدواته المختلفة، وفق وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني، رياض المالكي.
الفتوى ليست بديلا..
ومن المهم هنا وجوب وعي أنه مع أهمية هذه الخطوة والمسارـ فلا يجب ولا للحظة تصور أن هذا الرأي الاستشاري سيؤدي إلى وجود قوة تدخل دولية لتحرير الشعب الفلسطيني". وإنما سيقف دور تلك الفتوى المتأملة على خلق نوع من الرواية التاريخية من أن الوجود الصهيوني في فلسطين هو وجود احتلال غير شرعي، ينتهك حق تقرير المصير.وهو يسمح للجهات الفاعلة في المجتمع المدني والدول والمنظمات باستخدامه كنقطة انطلاق قانونية مقبولة في العديد من المنتديات". وبسبب ذلك ستضع الفتوى الكيان الصهيوني في مأزق قانوني وسياسي وأخلاقي، لأن هناك إجماعا دوليا واسعا جدا على أن إجراءات الكيان في المناطق المحتلة غير قانونية ".
ومن ثم يمكن القول إن هذا المسعى الفلسطيني يمثل أحد أوجه وأساليب النضال الدبلوماسي والسياسي من أجل الحصول على تكييف قانوني سياسي من أعلى سلطة قضائية في العالم، لكشف طبيعة سلطة الأمر الواقع القائمة بالاحتلال في مناطق الضفة وغزة، وهذه الفتوى من شأنها أن تشرِّع للشعب الفلسطيني بشكل لا لبس فيه الحق في مقاومة الاحتلال حتى انتزاع حريته ومن شأن ذلك أن يضع الكيان الصهيوني أخلاقيا وقانونيا وسياسيا في مواجهة العديد من شعوب العالم، التي على الأقل تقف وراء قرار طلب الرأي الاستشاري ويفضح سلوك تلك الدول التي تحمي وترعي كيان الاحتلال.

اخر الأخبار