السلطة الفلسطينية.. فقدان الصلة بالواقع

تابعنا على:   08:04 2022-12-17

سليم يونس الزريعي

أمد/ إن القراءة في نتائج استطلاع الرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في الربع الأخير من عام 2022، تشير إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية تفتقد للثقة الشعبية على ضوء تلك النتائج التي أيد فيها 72% من الجمهور (84% في قطاع غزة و65% في الضفة الغربية) تشكيل مجموعات مسلحة مثل "عرين الأسود" لا تخضع لأوامر السلطة الفلسطينية وليست جزءاً من قوى الأمن الرسمية" ونقدر أن ذلك يرتبط بعدم قيام السلطة بدورها الواجب تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، بالدفاع عنه في مواجهة استباحة الاحتلال للضفة الغربية أرضا ودما ومقدسات.
هذه الاستباحة أسفرت حسب تقرير للأمم المتحدة في 15 ديسمبر الجاري عن استشهاد 150 فلسطينيا في الضفة الغربية بينهم 33 طفلا منذ بداية العام، الأمر الذي جعل عام 2022 الأكثر دموية في هذه المنطقة من الأراضي الفلسطينية المحتلة". وذلك في غياب دور السلطة الإيجابي، بل ومنعها ما تسميها أعمال العنف المسلح ضد الاحتلال، في حين أن التقرير أشار إلى أن "المستوطنين الإسرائيليين المسلحين والملثمين يهاجمون الفلسطينيين في منازلهم، ويهاجمون الأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة، ويدمرون الممتلكات ويحرقون بساتين الزيتون، ويرهبون مجتمعات بكاملها مع الإفلات التام من العقاب". ولذلك من الطبيعي أن لا تتمتع السلطة بمزايا السلطة، وهي العاجزة وأحيانا المتواطئة مع الاحتلال.
وهو ما عكسه الاستطلاع الذي بين عدم ثقة المواطن الفلسطيني في السلطة، وهي كما نظن لا تعود إلى تخلي السلطة عن دورها في حماية والدفاع عن المواطنين فقط، وإنما في منع وملاحقة وتجريم المواطنين الذي قرروا الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هذه العدوانية، وكأني بالسلطة تكمل دور الاحتلال في جرائمه الموصوفة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة، في حين أن أهم واجبات السلطة هو أن توفر الحماية بكافة أشكالها للمواطنين، وإلا ما معني أن تنتظر السلطة من المواطنين أن يعترفوا بها كسلطة لها كافة الصلاحيات.
إن عدم قيام السلطة بحماية المواطن أو منعة من الدفاع عن نفسه بشكل فردي أو ، يجعله في حل من الخضوع القانوني لها، لأنها فقدت مبرر ذلك، كونها أخلت بالعقد الاجتماعي بينها وبين الشعب في أن تحميه وتدافع عنه وتوفر له الأمن داخليا وخارجيا، فاحترام المواطن للسلطة وقبوله لدورها في ممارسة تطبيق القانون بالقوة، هو رهن بوفائها بالتزاماتها، على قاعدة الالتزامات المتبادلة، أي حماية وحفظ أمن وحياة ومصالح المواطن مقابل وفاء المواطن من جانبه بالتزاماته وفق القانون، لأنه من غير المنطقي أو المقبول أن تطالب أي سلطة باحترامها واحترام حقها في ممارسة القوة داخليا، إذا تخلت عن التزامها بحمايته أو حتى محاولتها الصادقة بتوفير الحماية له في مواجهة التوحش الصهيوني.
والسلطة الفلسطينية ليس فقط لم تف بالتزاماتها كسلطة، بصرف النظر عن طبيعتها، بل باتت عبئا أمنيا في المحصلة، تخدم عبر سياساتها الأمنية مخطط الاحتلال، لأن السلطة التي تطالب الناس بالتزاماتهم نحوها، أي باحترام القانون كما تفهمه هي، وهو فهم مجافي، كونها تخلت عن دورها بل وأحيانا تلاقت ممارساتها مع ممارسات الاحتلال في قمع وقهر المواطن الفلسطيني، فهي سلطة غير جديرة باحترام سياسياتها بالمعني السياسي والقانوني.
وما يثير حفيظة المواطن وغضبه، أن تطلب الحماية من الاتحاد الأوروبي بوضع خطوط حمراء أمام الحكومة الصهيونية المقبلة، وأن يتخذ إجراءات تواجه فيها أوروبا حكومة نتنياهو الفاشية الجديدة ، ذلك أن المناشدة والطلب من أوروبا التدحل لدى الكيان الصهيوني يكشف بؤس ذلك الموقف ويبين أن السلطة في واد وطلائع الشعب من عرين وغيرها في واد آخر. وربما يكشف تقرير الأمم المتحدة حول عدد الشهداء واستباحات قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال كل مظاهر الحياة في الضفة، أن السلطة تعيش حالة انفصال عن الواقع .
ويبلغ هذا الانفصال حدود الفنتازيا عندما تطالب السلطة الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات من أجل حماية حل الدولتين . لأن السؤال هو كيف تفكر هذه السلطة وأي عقل سياسي يقودها؟ وكأني بها تعيش في كوكب آخر، فيما هي تعيش وسط الجحيم الذي خلقه العدو الصهيوني، بل إنها تؤكد على تمسكها بأوسلو وملحقاته، عندما تطالب الاتحاد الأوروبي الضغط على إسرائيل لاحترام المواثيق الموقعة بين الجانبين.
في حين أن أقصى ما يقدمه نتنياهو هو "وضع يمتلك فيه الفلسطينيون كل السلطات ليحكموا أنفسهم ، دون امتلاكهم لأي من القدرات التي تهدد حياتنا ، مما يعني أن الأمن ، في أي ترتيبات سياسية سنمتلكها كلها بشكل واقعي ، ويجب أن تبقى في يد إسرائيل". كما يقول نتنياهو..
للأسف يبدو أن السلطة لا تريد أن تتعلم وتعي أن أوسلو دفنه الكيان الصهيوني ، ومعه حل الدولتين الذي أفرغه الكيان من مضمونه كونه لم يبق من أرض تقام عليها الدولة المنشودة، في المقابل يتشكل مسار آخر يعيد الاعتبار للكفاح المسلح كشرط لخلق ميزان قوى يسمح عبر تراكمه وتطوره بتحرير الأرض، دون قيد أو شرط.

اخر الأخبار