الكيان الصهيوني .. واحتدام مأزقه الوجودي

تابعنا على:   08:33 2022-12-29

سليم يونس الزريعي

أمد/ شكل اتفاق بنيامين نتنياهو مع القوى الدينية والقومية المتطرفة عقب الانتخابات الأخيرة في كيان المستجلبين الصهاينة ضمن تحالف ديني صهيوني متطرف ، انقساما كبيرا في هذا التجمع ، جراء ما يعتقده الرافضون من أن الحكومة الجديدة بأشخاصها وسياساتها وفقا للاتفاق الذي جري بين أطرافها هو أسوأ ما يمكن أن يحصل في كيان الاحتلال.
ردة الفعل السلبية الغاضبة من حكومة نتنياهو تعددت وتنوعت، حتى وصل الأمر بأن يصفها رئيس الوزراء السابق يائير لابيد: أن هذه ليست حكومةـ إنها مشروع لتفكيك" إسرائيل من الداخل” " واعتبر أن ذلك "جنون" قائلا "لن يهدأ". واصفا الحكومة بأنها" متطرفة دينية وقومية".
ويبدو أن حدود الشرخ الداخلي هذه المرة في بعده السياسي الرأسي والأفقي في التجمع الصهيوني في فلسطين، يختلف عن جملة التناقضات الداخلية التي تستوطن الكيان الصهيوني منذ زرعه عتم 1948، كون تلك التناقضات هي أحد سمات هذا التجمع من المستجلبين الذين ينتمون إلى 100 جنسية ، حتى أن المخاوف من تداعيات ذلك ، حركت قادة اليهود الأمريكيين في الولايات المتحدة الذين يعتبرون مصدرًا رئيسيًا للمعونات المالية للكيان الاحتلال، بأن نقلوا تحذيرًا شديدًا للحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، بشأن أي خطوات عنصرية ومتطرفة، تستهدف التعددية الدينية والتغييرات المحتملة على قانون العودة الإسرائيلي وقانون التحول اليهودي،لأنها يمكن أن تؤثر سلبًا على الجالية اليهودية في الولايات المتحدة".
لكن المفارقة هذه المرة هو تصدي المؤسسة العسكرية الصهيونية لحكومة نتنياهو التي يفترض أن يتسم أداءها بالانضباط والتبعية للمؤسسة السياسية، لكن حضور المؤسسة العسكرية في المشهد يؤكد عمق المأزق الوجودي للكيان، مما جعلها تتجاوز الأعراف التي تضبط العلاقة بينها وبين الحكومة، وهنا من المهم التوضيح أن المؤسسة العسكرية في الكيان كانت هي السلطة الحقيقية، بعيدا عن كل الترويج الصهيوني والغربي عن ديمقراطية الكيان ومدنيته، كون المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هي التي تحكم الكيان، فقد حكمها منذ قيامها 10 رؤساء وزراء منهم 7 عسكريون. وأيضا في النظرة للمؤسسة العسكرية التي كانت تعلو التناقضات الحزبية، لأنها تعتبر نفسها صاحبة الحق والولاية الحقيقية على الكيان، فقد حثَّ أكثر من 1000 ضابط سابق في سلاح الجو الإسرائيلي، من ضمنهم رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، كبار المسؤولين القانونيين، على التصدي للحكومة المقبلة.
وفيما سيبقى معنى مفهوم التصدي الذي طالب به العسكريون الصهاينة مفتوحا على كيفية ترجمته، أجرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، اتصالا هاتفيًا نادرًا برئيس الحكومة المكلف، بنيامين نتنياهو، عبّر خلاله عن تحفظّه على نقل صلاحيات من وزارة الأمن والجيش إلى تيار الصهيونية الدينية المتمثل بزعيمي حزبي "الصهيونية الدينية"، بتسلئيل سموتريتش، و"عوتسما يهوديت"، الفاشي إيتمار بن غفير.
تحرك العسكريين ورئيس الأركان أرجعته صحيفة هآرتس إلى أن التغييرات الإسرائيلية، تطال المؤسسة العسكرية، من خلال “تغيير الصلاحيات في الضفة، ومنح حصانة للجنود وقانون التجنيد، سيقوّضون السلسلة القيادية في الجيش الإسرائيلي”، مشيرة إلى أنّ تنازلات رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو لعضوي الكنيست المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير ستلحق الضرر في أداء الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة، واصفة ما يجري بالخطير والجارف.
وأضافت أنّ “التنازلات التي قام بها نتنياهو لشركائه المستقبليين في مجال الدين والدولة هي واسعة ومتنوعة”، وشددت على أنّها “تنازلات شاملة تقلّص صلاحيات الجيش ووزارة الأمن، وتقوّض سلسلة القيادة في الجيش الإسرائيلي”.
هذا الارتباك وحدة التناقضات الداخلية على كل المستويات الصهيونية من الطبيعي أن يقرأ المتابع للوضع الداخلي للكيان حالة الانقسام غير المسبوقة تلك، التي تفجرت مؤخرا، في سياق أنها أحد التجليات الموضوعية لأزمة الكيان البنيوية التي رافقت زرعه في فلسطين، ويبدو أن الكاتب في صحيفة معاريف "يوسي هدار" قد استشرف على ضوء ما يجري، المصير الذي ينتظر الكيان الصهيوني، وهو أن "إسرائيل آخذة في التفكك".
وهذا الاستخلاص ينطلق من وصوله إلى قناعة أن من "أودعت في أيديهم المسؤولية المقدسة عن إدارة الدولة منشغلون بحروب سياسية قذرة، وغارقون في الفساد، ويقلقون على بقائهم الشخصي"كما يقول. الذي يضيف " لم يعد الحديث في الكيان حسب قراءته يدور فقط عن التوترات المعروفة بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، المركز والمحيط، ولم يعد يدور الحديث فقط عن شروخ. وإنما يدور هذه المرة كما قال عن " كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وبفقدان سيادة لا يطاق. مذكرا أن الكيان الصهيوني منذ نشأته يعيش تهديدات لا تتوقف من الخارج، ليخلص إلى أن التهديد الأخطر هذه المرة، أي التهديد الوجودي، هو من الداخل.
وعلى ضوء هذا الاشتباك السياسي المتكئ على أبعاد دينية وفكرية واجتماعية في الكيان، من المهم التنبه فلسطينيا إلى أن الكيان الصهيوني وهو يعيش هذه الحال من الانقسام كتجلي لتلك التناقضات الحادة التي تؤشر إلى أن الكيان يعيش فعلا مأزقا وجوديأ يتعلق بمكنة استمراره ، لذلك ربما يلجأ إلى محاولة حل تناقضاته الداخلية الجذرية على حساب الفلسطينيين في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني ضمن مناطق ال48، وهو أمر يستوجب أن يسعِّر الفلسطينيون من جانبهم مأزق الكيان وتناقضاته عبر مواصلة مشروع التحرير بكل الوسائل الممكنة وصولا لدحره وهزيمة المشروع الصهيوني في فلسطين.

اخر الأخبار