وجود الكيان الصهيوني المحتل.. هو العار

تابعنا على:   12:00 2023-01-15

سليم يونس الزريعي

أمد/ بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا قرارا يطالب محكمة العدل الدولية بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي لأراض فلسطينية، وصف سفير كيان المستجلبين اليهود إلى فلسطين جلعاد اردان القرار بأنه “وصمة عار أخلاقية للأمم المتحدة”، مضيفا “لا يمكن لأي منظمة دولية أن تقرر ما إذا كان الشعب اليهودي مُحتلًّا في أرضه”.
المفارقة أن تجمع المستجلبين اليهود في فلسطين يتجاهل الحقائق العلمية والتاريخية والأخلاقية التي تنفي صلتهم بفلسطين التي هي أرض فلسطينية منذ أن كانت في البدء، ليزعم بوقاحة أن فلسطين هي أرضهم، مستندا إلى كتابهم الديني المشحون بالأساطير والتزوير.
ومن أكد أن كتابهم هو أساطير وتزوير وأنه لا يوجد ما يسمى بالشعب اليهودي ليس نحن، وإنما علماء آثار ومؤرخين يهود من المستجلبين أيضا، ممن سعوا لإثبات رواية توراتهم بشكل علمي، يستند إلى حقائق ملموسة، فاكتشفوا أن الذرائع الدينية وغيرها من المبررات التي روج لها الغرب الاستعماري والمسيحية الصهيونية والحركة الصهيونية من أجل استعمار فلسطين على حساب أهلها الذين عمروها لآلاف السنين المتصلة والممتدة قبل بدء تلك المؤامرة هي تزوير للتاريخ.
وكان لوضع تك الذرائع على مشرحة الحقيقة، أن كشفت أن ما جرى مثَّل أكبر عملية تزوير ديني وتاريخي على مر العصور، ولا يتعلق الأمر هنا بالفصل بين التوراة ككتاب دين والحقائق التاريخية، وإنما في جعل التوراة في ذاته مصدرا للتاريخ، للادعاء بالحق التاريخي في فلسطين، وأخذ كل ما جاء في التوراة على أنها حقائق ربانية مطلقة، ومن ثم اعتبار التوراة الأساس الفكري لإقامة الكيان الصهيوني، بجعله يتجاوز كونه مجرد كتاب دين لأتباع الديانة اليهودية، ليكون برنامج عمل، لمعتنقي الديانة اليهودية مهما تنوعت أعراقهم والجغرافيا التي ينتمون إليها(1).
وجذر هذه الخرافة انطلق من أسطورة التوراة التي زعم اليهود والصهيونية المسيحية أن يهوه وعد إبراهيم ونسله بأرض كنعان من النيل إلى الفرات، بأن أعطتهم هذه الأسطورة حق امتلاك أجزاء من الوطن العربي، وإنكار هذا الحق عن سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين.
إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي جزء من أرض الميعاد من الحدود التوراتية التي منحها يهوه لنسل إبراهيم(2)، هو زعم تأسس على الخرافة، بناء على الحقائق العلمية التي أثبتها مؤرخون وعلماء آثار يهود. التي تتفق والمنطق الذي يقول بأنه لا يمكن تصور أن إلها عادلا ومنصفا، كون العدل والإنصاف من صفاته، يمكن أن يقدم على سلوك ليس من صفاته بأن ينزع أرض الفلسطينيين ويمنحها لمجموعة بشرية أخرى.
والمفارقة هنا أن كل هذا الكذب والتزييف ينسب إلى إله اليهود، ,وإذا كان الكذب هو حالة إنسانية ، فهل يمكن للإله أن يكذب؟ ويبدو أن من كتبوا التوراة بعد قرون من الأسر في بابل قد تعمدوا كذبا أن يضفوا على كتابهم صفة ربانية، ومع ذلك أصرت الصهيونية المسيحية والحركة الصهيونية. على الترويج للتوراة باعتباره كتاب تاريخ أيضا، يستند إلى وعد وإرادة إلهية، وعلى ضوء تلك الخرافة جرى التعامل مع التوراة كأساس فكري لإقامة الكيان الصهيوني بجعله من مجرد كتاب ديني إلى برنامج عمل ومصدرا للتاريخ للادعاء بالحق التاريخي في فلسطين، فكان أن وجدت الحركة الصهيونية في هذا الكتاب الديني الأساس الفكري الأهم لإقامة الدولة اليهودية. ولذلك جرت عملية فكرية واسعة لتعميق مفاهيم هذا الكتاب في الذهن الصهيوني، وتحويله من مجرد كتاب ديني إلى برنامج عمل، بعد أن كان المتدينون اليهود وطوال قرون يركزونه على التلمود الذي يحوي التشريعات والشرائع الدينية ويخلو تقريبا من الأبعاد التاريخية.
فـ"التوراة" كان في العرف الصهيوني مصدرا للتاريخ، وفيه تكمن كل مبررات الادعاء اليهودي بالحق التاريخي في فلسطين. وجاء هذا الإحياء لهذا المصدر في الوقت الذي كانت فيه أغلبية الباحثين في هذا الحقل ترى في هذا الكتاب مجرد كومة منالأساطير التي لا يمكن الاستناد إليها، لا في كتابة التاريخ القديم لفلسطين، ولا في منح الحق لليهود في فلسطين.
ومع ذلك اعتبر الجمهور اليهودي، بأغلبيته الساحقة، معطيات هذا الكتاب هي حقائق تاريخية غير مشكوك فيها، حتىأنهم اعتبروا الباحثين الانتقاديين من اليهود مجرد معادين للسامية(3)، ،لتبرير سرقة فلسطين من أهلها حسب توراتهم، الذي كان في العرف الصهيوني مصدرا أيضا للتاريخ، الذي فيه تكمن كل مبررات الادعاء اليهودي بالحق التاريخي في فلسطين.
واللافت أن ذلك الإحياء لهذا المصدر جاء في الوقت الذي كانت فيه أغلبية الباحثين في هذا الحقل ترى في كتاب التوراة مجرد أساطير لا يمكن الاستناد إليها، لا في كتابة التاريخ القديم لفلسطين، ولا في منح الحق لليهود في فلسطين(4)،
ولأن الإيمان بخرافات التوراة مكون أساس في عقيدة الكنيسة البروتستنتية ، جرى الترويج لخرافة العودة، التي بدأت كمشروع مسيحي بروتستنتي ثم التحقت به الحركة الصهيونية، ولذلك تسبغ تلك الأساطير على حفنة اليهود الذين وصلوا فلسطين عام 1882 لتأكيد ذلك التزوير، أنهم هم أحفاد أولئك الذين طردهم الرومان منها عام 70م، لكن المؤرخ إيلان بابي يدحض ذلك قائلا إن ما قبل عهد الصهيونية كانت الرابطة بين المجتمعات اليهودية في العالم -بما فيه فلسطين- علاقة روحية ودينية وليست سياسية(5).
ويؤكد المؤرخ بابي أن ترتيب عودة اليهود إلى فلسطين كان مشروعا مسيحيا بروتستانتيا في الأصل حتى القرن السادس عشر، ثم أكملته الصهيونية(6).أمل عيسى، المصدر السابق.
إلاّ أنّ هذه الأساطير الدينية للصهيونية بأنّ فلسطين هي (أرض الميعاد)، واليهود هم (شعب الله المختار)، وأنّ القدس في أدبياتهم هي (مركز تلك الأرض)، وأنها (عاصمة الآباء والأجداد)، وأنها (مدينة يهودية بالكامل) يُبطلها بالكامل عالمُ الآثار الإسرائيلي الشهير (إسرائيل فنكلشتاين) من جامعة تل أبيب بنفيه وجود أيّ صلةٍ لليهود بالقدس، وأكّد في تقرير نُشر بتاريخ 5 آب/ اغسطس2011م (أنّ علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة..)، والأكثر من ذلك فإنه يشكك في قصة داوود، وهي الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب معتقدات اليهود، موضحًا أنه: (لا يوجد أساسٌ أو شاهدُ إثبات تاريخي على وجود هذا الملك الذي اتخذ من القدس عاصمة له..)، مؤكداً (أنّ شخصية داوود كزعيمٍ يحظى بتكريم كبير لأنه وَحّد مملكتي يهودَا وإسرائيل هو مجرد وَهْم وخيال لم يكن له وجودٌ حقيقي.)، و(أنّ ما يتعلق بهيكل سليمان، لا يوجد أيُّ شاهدٍ أثري يدلّ على أنه كان موجودًا بالفعل.). ويقول المؤرّخ اليهودي (شلومو ساند) في كتابه (كيف اختُلق الشعب اليهودي؟) إنّ القومية اليهودية خرافة، وأنّ اليهود الذين يعيشون اليوم في (إسرائيل) ليسوا على الإطلاق أحفاد (الشّعب العتيق) الذي عاش في مملكة يهودا، وأنّ اليهود لم يُطرَدوا من الأراضي المقدسة، ومعظم يهود اليوم ليست لهم أيّ أصول عرقية في فلسطين التاريخية(7).

ولم تكن الأطراف المتآمرة على الشعب الفلسطيني بحاجة لمعرفة الحقائق، وإنما هي بحاجة لذرائع لمشروعها، وهي وطنت نفسها على ان تتعامل مع تلك الذرائع كحقائق
مطلقة لأنها تريد تصديق ذلك بصرف عن أنها خرافة من عدمه.
ونقول أخيرا هل حقا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هو وصمة عار كما زعم المندوب الصهيوني؟ـ أم أن العار كل العار هو ما جاء في توراتهم، كما أثبت ذلك علماء يهود صهاينةـ الذين نفوا أي وجود كان لما يسمى بالشعب اليهودي في فلسطين؟، وهي شهادة علمية نزيهة تدحض خرافة وجود شعب يهودي كما أكد ذلك المؤرخ اليهودي شلومو ساند، وكذلك أكذوبة أرض إسرائيل كما حقق ذلك علماء الآثار اليهود مثل "زئيف هرتسوغ" و"إسرائيل فنكلشتاين" و" إيلان بابيه" ، ومن ثم أليس العار كل العار والحال هذه، هو في من كذبوا وزورا باسم الإله ليحتلوا أرضا ليست أرضهم ؟!
الهوامش
1- البروفيسور زئيف هرتسوغ ، علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي "الإسرائيلي" هآرتس 28/11/1999 https://www.facebook.com
2- د. غازي حسين، المشروع الصهيوني إلى أين !، 9/8/2014، https://kanaanonline.org
3- البروفيسور زئيف هرتسوغ ، علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي "الإسرائيلي" هآرتس 28/11/1999 https://www.facebook.com
4- البروفيسور زئيف هرتسوغ ، علم الآثار يكشف زيف الحق التاريخي "الإسرائيلي" هآرتس 28/11/1999 https://www.facebook.com
3- أمل عيسى، عشر خرافات عن إسرائيل، 30/5/2017، https://www.aljazeera.net/
4- أمل عيسى المصدر السابق.
5- ناصر حمدادوش، الأساطير الدّينية المؤسِّسة لإسرائيل، 13/02/2020،https://www.echoroukonline.com
• المرجع: مخطوط دراسة للكاتب بعنوان: "مشروع الحركة الصهيونية في فلسطيني.. نهاية الخرافة"

اخر الأخبار