التقارب التركي السوري: لم يتبقى سوى القليل

تابعنا على:   14:43 2023-01-19

فاضل المناصفة

أمد/ في مقالي الأخير تحت عنوان " لماذا فشل أردوغان في تحقيق مصالحة مع الأسد؟ " كنت قد أشرت الى أن مسألة انتهاك سيادة الأراضي السورية بما فيها  " لواء اسكندرون " ستكون العائق الكبير في وجه أردوغان الذي يقوم بعملية عسكرية داخل شمال سوريا وتوقعت أنها ستكون أحد أولويات بشار الأسد للمضي قدما نحو فتح عهد جديد في العلاقات مع الجارة الشمالية وهو ما جاء به تصريح حاكم قصر دمشق في رده على موضوع التقارب السوري التركي حيث رد بأن التقارب مع تركيا بوساطة روسيا يجب أن يهدف إلى "إنهاء احتلال" أنقرة لأجزاء من سوريا، ولكن الحديث عن عودة لواء اسكندرون ربما يكون مبالغا فيه لدى فالمنتظر أن تنسحب تركيا من الأجزاء التي تحاول أن تتوغل فيها لاصطياد " قسد " ثم تعود للدخول اليها في عملية عسكرية سورية تركية مشتركة .

دخلت إيران على الخط لتقطع كامل التأويلات التي اتهمتها بعرقلة التطبيع بين دمشق وانقرة وممارسة ضغط على الأسد يحول دون قبوله اليد الممدودة لأردوغان، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان مؤتمر صحافي مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو خلال زيارة إلى تركيا يوم أمس الثلاثاء قائلا، "نحن مسرورون جدًا لرؤية أن العلاقات بين دمشق وأنقرة تتغيّر"، وهنا ضربت ايران عصفورين بحجر واحد: أكدت طهران أنها ليست منزعجة بعد تقارب انقرة وتل أبيب ولن تضع حجر عثرة في الملف السوري، كما أكدت أنها تحرص على أن تبقى العلاقة مع أنقرة متينة .

صحيح أن الدور الإيراني في سوريا له تأثير على القرار السياسي السوري لكنه لا يرفض أن تعود سوريا لعلاقاتها الطبيعية في المنطقة بما فيها علاقة الرياض ودمشق التي تقود فيها أبو ظبي جهودا لتقريب وجهات النظر بين النظامين، من هنا نفهم أيضا أن إيران تعي جيدا أن دمشق تبحث عن الخلاص من العزلة والافلات من عقاب المجتمع الدولي وطي صفحة عقد دموي من تاريخ سوريا، وبعبارة أخرى فان إيران لن تبدي أي تحفظات من سياسة سوريا الخارجية لطالما بقيت بعيدة عن التفاوض مع إسرائيل بخصوص عملية سلام ولطالما قبلت المصالحة مع حليفتها حماس واستمرت في علاقتها مع حزب الله ....تلك هي الأمور التي تزعج طهران ولن تقبل لسوريا بأن يكون لها موقف آخر فيها .

لقد سبب تقلب أردوغان في سياسته الخارجية إزاء سوريا، ضربة موجعة للمعارضة السورية وضربة قوية أيضا لصورته في العالم العربي بعد أن كانت مواقفه " البطولية " تحوز احترام الجميع، لكن أتى الوقت الذي وجب فيه أن تتكيف السياسة الخارجية بما يمليه الواقع الذي فرضته الأحداث، فالأسد الذي راهن على سقوطه الجميع لم يسقط بل بات من الضروري بقاءه لكيلا ينجح مخطط تقسيم سوريا الى دويلات ستكون احداها خطرا محدقا بالأمن القومي التركي، أما مسألة اللاجئين فقد حان الآوان للفصل فيها وغلق ملف الثورة السورية نهائيا بما يضمن اخراج صورة للمجتمع الدولي بأن الأوضاع قد عادت الى وضعها الطبيعي وأن سوريا تقود حربا ضد الإرهاب وليست حربا ضد المعارضة .

ما كان لموقف أردوغان أن يتغير من بشار الأسد لو أن هذا الأخير قد خسر المعركة وانسحب من دمشق الى أرض لجوء وما كان للتقارب السوري التركي أن يحصل لولا استشعار تركيا خطر اللغم الكردي الموجود قرابة أراضيها وأقصد باللغم مشروع دولة قومية ممولة من الولايات المتحدة الأمريكية ستدفع أكراد تركيا الى التحرر وستكون مركزا لتدريبهم لرفع السلاح في وجه " المحتل التركي " ومركزا لقيادة هجمات إرهابية داخل العمق التركي، ستكون العهدة التي سيفوز بها أردوغان حتما عهدة تخليص تركيا من شوائب فشل الثورة السورية ومخلفاتها على الأمن القومي التركي وستكون خلالها المعركة الحاسمة ضد قوات سوريا الديمقراطية بتفويض ومشاركة دمشق التي يجب أن تعود الى بسط سيطرتها على كامل الحدود المشتركة مع تركيا.

ستكون خطوة الأسد التالية بعد التقارب مع تركيا، هي اعلان استفتاء مصالحة وطنية يضمن من خلالها عودة المترددين والخائفين من الانتقام، وهي خطوة ضرورية تحدث في البلدان التي تشهد حروبا أهلية يكون الجيش طرفا مباشرا فيها، وسيكون هذا الاستفتاء بمثابة صك الغفران عن كل ما حصل لكل الأطراف بل سيكون الحجة التي ستقدمها سوريا للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة بأن الشعب السوري وبعد أن اعطى التفويض للأسد كرئيس بنسبة 95% قد أعطاه التفويض لطي الصفحة السوداء من تاريخ سوريا والصفح عن جميع من لم تتورط يده بالدم السوري.

كلمات دلالية

اخر الأخبار