
الطريق الى جدتي

بكر نعالوة
أمد/ كنت محظوظا بعض الشيء لأنني من الجيل الذي استطاع أن يتذوق طعم الحياة الحقيقة قبيل الغزو الرأسمالي للمجتمع الفلسطيني في فترة كانت بها الأرض هي جوهر الحياة التي تشكل واقع هذا المجتمع و طباعه السلوكية و الاقتصادية .
أتذكر بعض الصور التي لا زالت تسكن ذاكرتي وأنا في الطريق الى قرية جدتي و حقول البرتقال تزين الطريق كأنها أسوار تحرس الطريق ، الحقول أيضا لا تنضب من لونها الأخضر و رائحة ترابها المبتل .
تستقل مركبة من نوع فلوكس فاجن لتستمتع بتلك الرحلة الطويلة حينها وتمضي جل وقتك و أنت تراقب الطريق من النافذة لتستمتع بتلك التفاصيل المدهشة و قساوة الطريق وهي تفرض بعض المطبات الطبيعية عليك كون تلك الحقبة لم تكن الطرق معبدة بالكامل كما هو اليوم إلا أن ذلك لم يكن عيبا أو عبئا بل هو جزء من جمالية المشهد .
كانت جدتي امرأة جميلة كما ثوبها الذي لا زال عالقا في ذاكرتي وزنارها الذي كنت أنتظر ودعائه بلهفة و شوق وتلك السلة التي تعلوا رأسها محملة بكل خيرات الأرض وهي امرأة ملتزمة تمضي جل وقتها صباحا في الفلاحة و الاعتناء بالأرض و في الليل تكون الكهرباء متاحة لساعات معدودة حيث كانت القرية تتزود بالكهرباء عبر مولدة و في هذا الوقت تتفرغ جدتي لمتابعة بعض الأعمال التلفزيونية البدوية على قناة فواصل أو العبادة و قراءة القرآن رغم أنها أمية و تكثر من الدعاء لأبنائها .
جدتي لم تشتري الخبز قط بل صنعته دوما و كان لديها مساحات زراعية موزعة ومتنوعة من الخضروات التي تزرعها بين أشجار الفاكهة المتنوعة و الكثيرة في حديقة منزلها و تربي مجموعة من الدجاج البلدي و الماعز وتقوم بعمل بعض المفاحم الصغيرة التي تؤمن لها دفيء الشتاء يا لها من امرأة عظيمة في زمن عظيم استطاعت فيه أن تبني حياتا تكاملية بكل تفاصيلها .
جدتي هي شخصية من تلك الحقبة التي تنتمي الى تفاصيل المعترك الزمني الذي تشابه به الناس و تشابهت أفعالهم و ظنونهم بما يتلائم مع سلوكهم المعيشي الذي نمى و تفاعل مع الطبيعة المكتنزة بأبعادها السيكولوجية الزاخرة بأخلاقيات التآلف و التكاتف و الفهم البسيط للحياة و المجتمع رغم صعوبة و مشقة الحياة .