فوضى خلاقة من سلوان إلى أصفهان

تابعنا على:   10:15 2023-02-08

عائد زقوت

أمد/ يبدو أنّ اليسار الراديكالي في الحزب الديموقراطي الأميركي ممثلًا بالطُّغمة الحاكمة في البيت الأبيض، وعلى الرغم من انحسار إعصار الفوضى الخلّاقة في العديد من العواصم العربية التي ضربها الإعصار، لا زال يستهدف إسقاط الدول العربية والإجهاز على ما تبقّى منها بابتداع رؤية جديدة للفوضى وبنمطيّة مبتكرة، فالزيارات المتواترة للمسؤولين الأميركيين التي بدأها جاك سوليفان مستشار الأمن القومي ثمّ وليام بيرنز مدير المخابرات الأميركية وانتهاءً بوزير الخارجية بلينكن، لم تستهدف إرساء الهدوء في الأراضي المحتلة عبر خطط أمنية نوعيّة بعيدًا عن الصّخب وحسب، إنمّا لصياغة استراتيجيّة جديدة ترتكز على استمرار عمليّة السلام ديناميكيًا، دون رؤية مستقبليّة لحلّ القضيّة الفلسطينيّة لاستكمال مسار التّطبيع، واختصار مسار التّسوية ضمن الرّؤية الأمنيّة لدولة الاحتلال والعمل على تحقيق مخطّطاتها في الضفة الغربية وفي القلب منها القدس واللّتان تمثّلان تحدّيًا استراتيجيًا لدولة الاحتلال الغاصبة لميزتهما الجغرافية والديموغرافية، فكان لا بدّ من تحويلهما إلى كيانات أمنيّة منفصلة على غرار قطاع غزة خشية ارتفاع العمليّات الفرديّة البطوليّة، حيث أثبتت هذه العمليّات على مدار الصّراع مع الاحتلال أنها الأنجع والأوجع على الكيان الغاصب، هذه السّياسات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمرتكز الآخر للاستراتيجية الجديدة الداعية لعسكرة الشرق الأوسط لاستكمال مسار إضعاف الدول العربية وإرسال رسائل لجميع الأطراف وخاصّةً روسيا، بأنّ واشنطن لن تسمح لاختبار استراتيجيّة التدافع وإثبات الوجود في مناطق نفوذها.

كما أنّ الرسائل الأميركية استهدفت دول الخليج العربي التي بدأت ببلّورة إعادة تموضع تحالفاتها والاتجاه نحو روسيا والصين، والدّخول في تجمع بركس، والذي يعني بالضرورة كسر الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط، والسماح ببناء القواعد العسكرية الروسية والصينية في المنطقة وهذا ما ترفضه أميركا جملةً وتفصيلًا.
كما أنّ دول الخليج حافظت على استقرارها الاقتصادي والمالي وأمنها الغذائي ممّا جعلها أقل عرضةً للمخاطر، وعزّز من قدرتها على مواجهة الصّلَف الأميركي مما جعلها مصدر إزعاج للإدارة الأميركية وأدخلها في بؤرة الاستهداف والإضعاف .

في ذاتِ السّياق ولمراكمة واشنطن خطواتها للمحافظة على مناطق نفوذها، عمدت واشنطن للمسار الدبلوماسي للإجهاز على الدّول العربية التي نجت من إعصار البيت الأبيض الرّبيعي من خلال إبراز الأزمات وتزخيمها، وخاصّةً فيما يتعلّق بالواقع الاقتصادي الذي تدهور بفعل الأزمات العالمية وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد كأزمة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، إضافة إلى الاستغلال الأميركي لهذه الأزمات حيث عمل بنكها المركزي على رفع الفائدة مما أثر سلبًا على الاحتياطات الدولارية لتلك الدول، مما حدا بتلك الدول إلى الارتهان لقروض البنك الدولي واشتراطاته التي رفعت من نسبة التضخم وانعكست سلبًا على المواطن وقدرته الشرائية.

لا زال يمثّل الشرق الأوسط بموقعه الاستراتيجي وبما يملكه من ثروات بؤرة صراع للدول الكبرى، لذا حرصت أميركا على سدّ الفراغ الذي خلفته في الشرق الأوسط من خلال ربيبتها اسرائيل.. الاستراتيجية الأميركية للحفاظ على مناطق نفوذها تعتمد على عسكرة الشرق الأوسط بواسطة اسرائيل ولتهيئة المناخ السياسي في المنطقة للدخول في حرب إقليميّة شاملة، حرصَ المبعوثون الأميركيون على إرساء قواعد للعمل مع الحكومة الاسرائيلية في المرحلة القادمة، حيث التزمت واشنطن بالتفوّق الأمني والعسكري الاسرائيلي، وذلك بزيادة الإنفاق العسكري لدولة الاحتلال الغاصبة من خلال تزويدها بصواريخ بعيدة المدى وبطائرات درونز المتطوّرة، و رفع سقف الميزانية العسكرية بنحو 33 مليار سنويًا، لتمكين اسرائيل من مواجهة المخاطر الأمنية التي تحيط بها على حدّ زعمهم، وكذلك سجّل الوفد الأميركي تقاربًا كبيرًا مع اسرائيل حول التعاون على أرض الواقع في تنفيذ عمليات سريّة وشبه سريّة داخل إيران، على أن تترك اسرائيل سلوان وتتجه إلى أصفهان.

الهجوم الذي شنته اسرائيل على المنشآت العسكرية في أصفهان وهمدان وأطراف طهران جاء ترسيخًا للاستراتيجية الجديدة وخطوة عمليّة للضغط على الدول العربية المستهدفة للقبول بالشراكة في الحرب الإقليميّة برئاسة إسرائيل، حيث جرت العادة بتهديد إيران باستهداف دول الخليج حال تعرّضها لهجوم أميركي أو اسرائيلي، وما استهداف المنشآت النفطية في أبو ظبي عاصمة الإمارات عن ذلك ببعيد.

اخر الأخبار