
شهداء جبع..
تفاصيل مثيرة عبر "أمد".. جريمة جديدة لـ "الفاشية اليهودية" ..وصمت دولي مريب!

أمد/ جنين- صافيناز اللوح: تناثرت الرصاصات في محيط أجسادهم، دماء هنا وهناك، وصوت صراخ ذويهم من حولهم يعلو، أمٌ تحضن فلذة كبدها وهي تنادي بأعلى صوتها وتستنجد من يواسيها بأن يعود إلى الحياة من جديد، وعلى بعد أمتار قوة كبيرة من جيش الفاشية اليهودية يغلق المكان، وينتشر كالفئران بين الأشجار ليتابع حدثاً طبعه في سجل إجرامه، وبأسلحته الإرهابية وعقليته الظالمة الحاقدة ضد الفلسطينيين.
النايف وسفيان والأحمد، ثلاثة رجال غادرت أجسادهم عن هذا الوطن، بجريمة اغتيال جديدة سجلتها رصاصات الغدر الإسرائيلية، أعمى العالم أبصاره عنها كباقي الجرائم المنقوشة بإرهاب الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني.
ففي فجر يوم الخميس التاسع من مارس الجاري لعام 2023، اقتحمت قوة خاصة بلدة جبع، واختبأت كالفئران داخل منزلاً مهجوراً لتُباغت الشهداء الثلاثة "نايف ملايشة وسفيان فاخوري، وأحمد فشافشة" من كتيبة جبع، وتربّصت لمركبتهم ولاحقتهم، ثم حاصرتهم من كل مكان، وصبّت حقدها وإجرامها عليهم، ليستشهدوا على الفور، وتبقى أجسادهم لساعات حتى بزوغ الصباح.
تجمع المواطنون حول مركبة الشهداء، في أحد شوارع منطقة الفوارة ببلدة جبع، بعد سماع عشرات الطلقات النارية وصراخ شبان في عمر الورود، تم اغتيالهم، ومن ثم نُثرت أجسادهم زهوراً زيّنت الأرض، ليفجر جيش الفاشية مركبتهم كي ينهي جريمته وحقده.
وفي ظهر اليوم ذاته، حمل الآلاف من المشيعين جثامين الشهداء الثلاثة وساروا بهم في شوارع مدينة جنين، وهم يرددون عبارات "من جبع الأبيّة طلعت شمعة مضوية" و"يا جميل العموري جبنالك ورد جوري"، قبل أن تنطلق لرأس مسقط الأبطال، ومن ثم دفنت أجسادهم في مقبرة جبع بعد إلقاء نظرات الوداع عليهم من قبل عوائلهم، فيما عمّ الحداد والإضراب الشامل البلدة، وأغلقت المحلات التجارية فيها حداداً على أرواح الشهداء.
"نايف ملايشة.. خرج من السجون والتحق بركب الشهداء..
أم محمد 20 عاماً، زوجة الشهيد نايف أحمد ملايشة 25 عاماً، والذي ترك خلفه شام عام وشهرين، ومحمد 3 أعوام.
خرج نايف من المنزل الساعة الواحدة من منتصف ليلة الخميس، لملاحقة جيش الاحتلال الذي اقتحم بلدة جبع، واشتبك برفقة اثنين من الأبطال مع تلك القوة، لينتهي المطاف باستشهادهم جميعاً، هكذا قالت أم محمد لـ"أمد".
أم محمد التي شعرت بزوجها قبل استشهاده، تحدثت مع " أمد للإعلام" بصوت خافت لكنها صابرة شامخة رأسها، مفتخرة بزوجها الذي سطر التاريخ اسمه في سجل النضال الفلسطيني.
وتضيف: قبل ليلة من استشهاد نايف طلب الخروج ليتصدى لجيش الاحتلال المقتحم للبلدة، وحينها منعته لكنه؛ أصر على الخروج وصمم على ذلك وقام بفتح الباب قائلاً لي: "ادعيلي وسامحيني".
وشددت، نايف منذ طفولته يحب فلسطين ومقاومة الاحتلال، وكان دائما يحدثني عن الوطن ويؤكد على أن فلسطين تستحق منّا أن ندافع عنها، مضيفةً أنّه من زينة الشباب ولم يضايقني يوماً.
نايف الذي خرج من سجون الاحتلال قبل استشهاده بأقل من شهر، تنقل عبر عدة سجون وعزل انفرادي، لخرج من السجن، ليرى طفلته شام التي ولدت خلال أسره داخل سجون الظلم الإسرائيلية، واحتضنها لـ26 يوماً، ثم غادر الحياة تاركاً محمد وشام، وزوجته التي قبلت بالقدر متيقنةً بطريق الشهادة وحب الوطن.
صور بكاميرا الهاتف أظهرت أيامه الأخيرة..
"منذ خروج نايف من السجن وهو يطلب مني أن أصوره مع طفليه محمد وشام، وكأنه يودعهما فعلياً بأيامه الأخيرة لتبقى ذكرى لنا"، هكذا تحدثت أم محمد.
وأوضحت زوجة الشهيد لـ"أمد"، عاد نايف من السجن بعد فقدان عدد من رفاقه برصاص جيش الاحتلال، وخرج من سجنه وفي قلبه غصّة عليهم، وكان يذكرهم كثيراً ويتمنى لقاءهم، ونوى الشهادة باختياره لهذا الطريق.
وأضافت: نايف حقق ما أراد، ونال الشهادة كما تمناها وبصدق، وأخلص من أجل فلسطين والأقصى، ويحدثني دائماً عن المقاومة وشعرت به روح الجهاد والدفاع عن هذه الأرض".
"ما بزعل حدا وكل الناس بتحبه"، هكذا وصفت أم محمد زوجها خلال حديثها مع "أمد"، وأكدت لنا عن حبها له ورضاها عما فعله رغم فقدانه، مشددةً: أنّ جيش الاحتلال عذّب نايف داخل السجون، وخرج منها بحالة صحية سيئة".
وأكملت حديثها: كان دائماً يجلب صور زوجات الشهداء لأراها ويحدثني عن الشرف الذي نالوه وخاصة زوجة الشهيد تامر الكيلاني ويطلب مني أمثل دورها كيف سأتلقى خبر استشهاده، وكأنه يوصيني بأن لا أبكي ولا أحزن عند فراقه، ولكنني لم أكن أعلم بأنه يعد بأنفاسه الأخيرة في هذه الحياة.
حاولت أم محمد أن تعبر عما يجول في داخلها، بكلمات قد تكون قصيرة لكنها؛ تحمل معاني كبيرة وبصوتها الخافت الذي اختفي بين طيات الحزن والوجع، وبصبرها الواسع الذي نفّذت به وصيته خلال تواجده بقربها.
ووجهت زوجة الشهيد نايف رسالتها عبر "أمد"، أنّ يأخد الفدائيون حقه وينتقموا له ولكل شهيد فلسطيني سقط برصاص الإجرام الإسرائيلي.
كما أوصتهم على طريقة الثائر الشهيد إبراهيم النابلسي، ألا يتركوا البارودة، حتى الرمق الأخير، لأنّ فلسطين تستحق، وأرواحنا فداءً لها.
لن تنسى أم محمد نايف ذاك الشاب الأسمر الذي أنار حياتها بطفلين سيبقيا نوراً لها يحملان اسم أبيهم الشهيد الفدائي الذي حفر اسمه على جدران الرجولة الفلسطينية.
"جريح.. أسير ثم شهيد: حكاية الشهيد فاخوري"..
نجاح فهمي الفاخوري 54 عاماً، والدة الشهيد سفيان عدنان فاخوري 30 عاماً، ولد بتاريخ الـ26 من شهر مايو لعام 1993، في منطقة الفوارة ببلدة جبع قضاء محافظة جنين، بجريمة اغتيال جديدة سجلت في صفحات الجيش اليهودي الفاشي.
أم الشهيد سفيان التي تحدثت مع "أمد للإعلام"، قالت: إنّها تلقت خبر استشهاد فلذة كبدها وهي تتابع الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تم إخبارها بأنّه مصاب فقط.
وتابعت والدة الشهيد، أنّ ابنها تم اغتياله خلال تواجده في مركبته مع اثنين من أصدقاءه، حيثُ أطلق جيش الاحتلال عشرات الرصاصات تجاههم، أدى لاستشهادهم على الفور.
وتضيف أم سفيان حديثها لـ"أمد"، أنّها تلقت نبأ استشهاد نجلها مثل أي أم شهيد بوجع وألم وحسرة على فراق نجلها، منوهةً أنّ شعور تلقيها ورؤيتها خبر استشهاد كان صعباً.
وودّعت والدة الشهيد الفاخوري نجلها بآلام الأم التي لم يشعر بها سواها، قائلةً في حديثها عبر "أمد" وبصوتها الذي اختبأ خلف دموعها: ابني استشهد خلال اشتباكه مع الاحتلال وأصيب بطلق نار في الرأس واليد وعدة رصاصات في جسده وبعيونٍ نائمة، وقمت بوداعه وتقبيله ولكن؛ عند جنازته أحضروه لنودعه الوداع الأخير فكانت أعينه متفتحة ويبتسم".
تمنّت والدة سفيان، أنْها لم تعش هذه اللحظة، ولم يأتي مثل هذا اليوم، ولكنها كانت تعلم بطريق فلذة كبدها الذي اختاره بنفسه، واحتسبته عند الله وبنطق لسانها المستمر بـ"الحمدلله طلبها ونالها".
وشددت فاخوري حديثها: في عام 2020، أصيب سفيان برصاصة في قدمه، خلال اقتحام جيش الاحتلال لبلدة جبع، وبتاريخ 19/1/2022، اعتقله جيش الاحتلال لعدة أشهر في سجن مجدو ليتم الإفراج عنه بتاريخ 28/10/2022، متمسكاً بحبه للوطن وغارساً طريق الشهادة في قلبه قبل عقله.
إغلاق المنزل على زوجته وابنه عدنان"..
ترك الشهيد الفاخوري خلفه عدنان ذو الثالثة من عمره، وزوجته التي اختصر القدر حكايتها مع سندها ليكتب لها لحظة فراق أبدية، أخفت وجهٍ قد اعتادت على رؤيته في كل لحظة.
أم عدنان زوجة الشهيد الفاخوري والتي تحدثت مع "أمد" بصوتها الأنثوي الذي غلب عليه الحزن لفقدانها والد طفلها وسندها في الحياة، تاركاً لها عدنان ليبقى يروي حكاية شهامة والده بين أزقة الوطن المسلوب.
"تم حبسي داخل المنزل"، هكذا كان حال أم عدنان التي لم تعرف عن استشهاد زوجها إلا بعد أن فك سكان المنطقة قيدها من داخل شقتها المغلقة عليها بالأقفال من قبل جيش الاحتلال الذي تربص بين الأشجار والأزقة ليقتحم بلدة جبع.
وتقول أم عدنان لـ"أمد"، سألت الجيران عن سفيان، ولكنهم لم يخبروني باستشهاده، وعندما حاولت الخروج من المنزل لأعرف ماذا حدث به إلا أنهم رفضوا بحجة وجود لجنود جيش الاحتلال، فسألتهم لعدة مرات واستغربت من عدم اتصاله عليّ لأنه بالعادة يهاتفني ويتحدث معي ويُطمئنني عليه ويوصيني بإغلاق المنازل وعدم الخروج منه لوجود اقتحامات، لكن؛ ليلة استشهاده اختلفت عن كل الليالي فلم يوصيني ولم يهاتفني!.
وشددت، تأكدت بأنّ سفيان حدث له شيئاً وعندما اجتمع الناس في المنزل، حينها علمت باستشهاده، وكأنّ قطعة مني وأُخذت، مضيفةً ذهبت إلى المستشفى وودعت سفيان وهو في ثلاجة الموتى وفي عقلي وقلبي لم أصدق وقلت لهم: "سفيان ما استشهد لسا عايش".
"كنت أعلم بالطريق التي يسير بها"، هكذا أجابت أم عدنان على سؤالنا بمعرفتها لما يقوم به زوجها، الذي اختار حكاية الشهداء وتمسك بها، ليكون رفيق دربهم ووصاياهم حياً أو ميتا.
وتضيف أم عدنا لـ"أمد"، يوم استشهاده كان معنا في المنزل وكان يلاعب طفله، وضحك معه واحتضنه كثيراً، وشعرت بنظراته لنا، فاستغربت وسألته: "شو مالك"؟!، فقال لي ديري بالك على عدنان.
اذن.. لم ينتهِ إجرام هذا المحتل، و"جريمة جبع" ليست الأولى ولا الأخيرة، في ظل صمت عربي ودولي مهين لتضحيات الشعب الفلسطيني، وتقف سنداً لإرهاب الفاشية اليهودية ومستوطنيه بحقه، فلا الشجر نطق ولا الحجر تكلم ولا دول العرب والغرب خرجت من جحر تطبيعها أو نطقت بكلمة حق ضد محتل ظالم جائر.