هل سيكون للصين تأثير على القضية الفلسطينية ؟

تابعنا على:   20:43 2023-03-24

طه خالد منصور

أمد/ تتبعا لمسار الأحداث التي تطورت بشكل متسارع في الآونة الأخيرة، والتي كانت لها الأثر في الخروج من عالم أحادي القطب إلى عالم أكثر مرونة مع بروز التحالف الصيني الروسي في وجه المد الأمريكي الذي لطالما كان مسيطرا على منطقة الشرق الأوسط، فكان ظهور الصين بثقلها أمرا مقلقا لأمريكا وحلفائها، ظهور لم يكن خالي الوفاض بل حمل معه مصالحة سعودية إيرانية بوساطة بكين والتي حققت من خلالها اختراق جوهري رغم التحديات والمخاطر.

المصالحة السعودية الإيرانية لم تكن سوى طلائع الزحف الصيني للتوغل أكثر في منطقة الشرق الأوسط لأن الصين ظلت تتعامل مع الشرق الأوسط من خلال البعد التجاري والاقتصادي ولكنها باتت تفكر الآن بشكل واسع بالاستقرار في المنطقة فهي تعي جيدا أن لن تكون بتلك الأهمية إن لم تكن دبلوماسيتها حاضرة في القضايا السياسية والصراعات التي تهدد أمن الشرق الأوسط ومنها القضية الفلسطينية.

حديثنا عن المقاربة الصينية للقضية الفلسطينية باعتبارها إحدى أهم القضايا في الشرق الأوسط يعود بنا قليلا إلى خلفيات تعامل الصين في هذا السياق، وهنا لابد من استحضار أهم مبادرة طرحتها بكين في هذا الشأن.

 ففي سنة 2017، اقترحت الصين مبادرة “النقاط الأربع” وهي المبادرة التي كانت تهدف إلى حل القضية الفلسطينية وفق ما قيل حينها إنه حل سياسي قائم على قرارات الشرعية الدولية، وتحقيق الدعم السياسي لحل القضية الفلسطينية من خلال تعزيز وتجسيد الأهداف السياسية للشعب الفلسطيني، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وتقرير مصير الشعب الفلسطيني وفقاً للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة. من منطلق أن الصين تتمتع بالواقعية الكافية التي تجعلها تعي جيدا ما معنى أن يفقد شعب أرضه ووطنه.

وعلى ضوء هذه المبادرة التي تم استذكارها بعد نجاح الصين في اختراق الخلاف الإيراني السعودي، يكثر الحديث والتأويل لدور فعال قد تلعبه الصين في قادم الأيام لوضع أفق جديدة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهنا لابد من توضيح فحوى القضية الفلسطينية وتشعب أطرافها، فالصراع بين فلسطين وإسرائيل أعمق بكثير من الخلاف السعودي الإيراني فلا مجال للمقارنة بين الخلافات السياسية والصراع القائم على أحقية المكان والزمان، فحجم الصراع يفوق إمكانيات الصين الدبلوماسية وهذا ليس إنقاص من مكانة الصين ودبلوماسيتها الخارجية، بل اعتراف بعقل واقعي أن الصراع على الأراضي الفلسطينية تتداخل فيه قوى إقليمية لا يمكن اختراقها بسهولة وبمبادرات وتفاهمات أقل ما يقال عنها أنها فشلت العديد والعديد من المرات ، وحتى إن كان للصين تطلعات بعيدة للعب الدور القيادي للوساطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من المرجح أن تكون هذه الرغبة مقيدة بسبب افتقارها إلى نفوذ كبير وخبرة وساطة، ناهيك عن هيمنة الولايات المتحدة في هذه القضية.

لكن الصين ولغاية اللحظة تتجنب الانصياع نحو نزاع معقد ومشحون سياسياً مع إسرائيل من جهة وأمريكا من جهة، ما يثبت أن الصين لن تقوم بمبادرات أخرى تجاه القضية الفلسطينية، هو أن مبادرة “النقاط الأربع” لم تكن مؤثرة على مدى السنوات القليلة الماضية، مع غياب ما يشير إلى أن بكين تعتزم تعديل نهجها تجاه الصراع. وهو ما يتماشى مع سياسة الصين في الوساطة بشكل عام، والذي يركز منذ فترة طويلة على الأنشطة والخطابات البارزة دون القيام بدور أكثر نشاطًا لإحراز تغيير حقيقي، فلطالما استخدمت الصين الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كمادة في خطابها ليس لشيء فقط لكسب دعم  الشعوب العربية، من خلال الإشارة المتكررة إلى النزاع و "الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة"، والدعوة إلى محادثات في بكين واجتماعات تناقش إرساء السلام في المنطقة، وهو ما يوضح أن استراتيجية الصين تجاه القضية الفلسطينية لا تتعدى حدود معينة لا يمكن للصين أن تتجاوزها.

ما تحتاجه دول وقضايا المنطقة ومنها القضية الفلسطينية اليوم هو إدارة شؤون الشرق الأوسط من قبل دول عظمى لا تغيّب مصالح دول المنطقة بشكل عام، ولعل ما بات يثبت ذلك هو الهدف الاستراتيجي للدول التي باتت تجاهر برفض هيّمنة واشنطن حيث أصبحت تسعى لتشكيل نظام عالمي جديد بعيد عن الولايات المتحدة الأمريكية، ما يبرر الانجرار وراء الصين التي باتت تشكل النموذج الذي يحقق مطالب تلك الدول ومن بينها فلسطين، لكن ورغم هذا لا يمكن الجزم بمدى قدرة الصين على تولي مثل هذه المهمة بالنظر لنقص الخبرة في المجال لكن وكما يقال: المستحيل ليس صينيا.

اخر الأخبار