عندما يعلم بايدن نتنياهو أصول الديمقراطية

تابعنا على:   11:00 2023-03-28

طوني فرنسيس

أمد/ توج الرئيس الأميركي جو بايدن حركة موفديه السياسيين والعسكريين إلى تل أبيب والشرق الأوسط، باتصال هاتفي أجراه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لينبهه إلى أمرين: ضرورة الحفاظ على التماسك الداخلي في إسرائيل عبر عدم المساس بـ"ديمقراطية" النظام، والانتباه خلال شهر رمضان إلى أخطار التصعيد في الأراضي الفلسطينية، والتزام قرارات الاجتماعات الأمنية الخماسية في شرم الشيخ والعقبة حول خفض التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أثار شكل ومضمون الاتصال الرئاسي الأميركي بالحاكم الإسرائيلي انطباعات كثيرة في تل أبيب. فالمكالمة الهاتفية جرت بعد قطيعة استمرت شهرين بين البيت الأبيض ونتنياهو، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي ينتظر خلالها دعوته إلى واشنطن لمقابلة الرئيس. وهو لا شك توقع عندما أخبروه في مكتبه أن بايدن على الطرف الثاني من الخط، أن اللحظة قد حانت والدعوة إلى العاصمة الأميركية باتت في جيبه. لم يحصل ذلك، وبدلاً منه جاءت "المناورة المهينة" من الرئيس الأميركي. كان نتنياهو، على قول صحيفة "هآرتس"، يتوقع سماع كلمة "دعوة" في "نهاية المكالمة ليكون لديه ما يعود به إلى البيت، إلى السيدة (زوجته) لكن لا شيء". الخلاصة أن البيت الأبيض أصدر بخصوص الاتصال "بياناً توبيخياً بارداً".

تحرص الإدارة الأميركية على ضبط الساعة الإسرائيلية، وهي التي تابعت منذ قيام الدولة رعاية وحماية أمن إسرائيل. هي تحتاج إلى ذلك في خضم مواجهاتها العالمية الكبرى. الأولوية الأميركية هي في الاستعداد لتحجيم الدور الصيني المتصاعد في شرق آسيا، وبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، صارت المهمة الأولى استنهاض أوروبا وزج الإمكانات لجعل أوكرانيا تقف في وجه الهجوم وهزيمة المشروع الروسي في محيطه الجيوسياسي. الآن ازدادت المهمة تعقيداً. الصين وروسيا تتقاربان، والخصم العالمي يزداد قوة، وحضوره في ساحات النفوذ الأميركي الغربي التقليدية يزداد اتساعاً وحضوراً.

عززت روسيا نفوذها في سوريا، وفي آخر زياراته إلى موسكو، "منحها" الرئيس بشار الأسد مزيداً من الفرص الاقتصادية والعسكرية على الأرض السورية. وقادت موسكو جهود التطبيع الإيراني - التركي، لضبط التنافر بين البلدين وضمان مصلحة النظام السوري عبر ترتيب اتفاق مع الرئيس التركي رجب أردوغان، وسعت مع العالم العربي في حركة دبلوماسية مكثفة لإعادة احتواء النظام السوري، وتمدد نشاط موسكو إلى ليبيا وشمال أفريقيا، وإلى السودان والبحر الأحمر، فيما كانت تعزز علاقاتها بإيران، فتتزود بمسيراتها وصواريخها وتمدها بأنظمة دفاع جوي وطائرات حربية حديثة، وتجري معها ومع الصين مناورات عسكرية بحرية دورية في المحيط الهندي، على تخوم بحر العرب وأبواب الخليج.

الصين أيضاً اقتربت أكثر من ساحات النفوذ الأميركي الغربي. عقدت اتفاقات طويلة الأمد مع إيران ومع دول الخليج العربي، وتوجت المفاوضات السعودية - الإيرانية باتفاق على احترام حسن الجوار وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

في السياسة العامة، لا تبدو الصورة زاهية للحضور الأميركي الذي يراقب بدقة كل هذه التحولات. كانت واشنطن مارست ضغوطاً على إيران لضبط برنامجها النووي، وسعت إلى جعل إسرائيل جزءاً من تركيبة الشرق الأوسط وكررت تبنيها حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية، لكنها وفي لحظة التوتر الدولية والإقليمية الحاسمة تفاجأت بأن إسرائيل، حليفتها الأولى في المنطقة، بقيادة حكومتها اليمينية المتطرفة، تكاد تخرب كل ما سعت إليه وعملت من أجله في السابق، وما يمكن أن تطمح إلى تحقيقه في المواجهة القائمة والمرتقبة.

يقف وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش أمام خريطة "ضفتين للأردن"، فيستفز المملكة الأردنية الهاشمية. يمضي وزير الأمن إيتمار بن غفير في حملته العنصرية ضد العرب فيثير الغضب والنقمة في صفوف الفلسطينيين. تفتح الحكومة معركة تعديل سلطة القضاء فينتفض في وجهها مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين.

تقول "هآرتس" إن "النظام بات في يد يمين متطرف على رأسه شخص فاسد وضعيف، يدار من قبل ابنه السام والخطر... لقد علقت إسرائيل في أزمة هي الأخطر في تاريخها".

بدت إسرائيل في لحظة الاتصال الرئاسي الأميركي وكأنها عراق ما بعد صدام، أو لبنان في قيادة منظومة الفشل والفساد. يتصل بايدن ليذكر بأصول الحكم ويشرح معنى الديمقراطية وضرورة إصلاح الجبهة الداخلية، وليبدي تخوفه من تدهور في الأراضي الفلسطينية ينسف مناخاً كاملاً بنته أميركا في المنطقة بما يؤثر في أولويات الإدارة في أوكرانيا وبحر الصين!

لا تريد أميركا لإسرائيل أن تفقد دورها ضمن استراتيجيتها الدولية. خشيتها من حصول ذلك تبرره استطلاعات رأي أجراها معهد "غالوب" حول توجهات الرأي العام الأميركي منذ عودة نتنياهو وفريقه إلى السلطة. أظهر الاستطلاع أنه للمرة الأولى يتعاطف 49 في المئة من المستطلعين المحسوبين على الحزب الديمقراطي مع الفلسطينيين، فيما يتماهى 38 في المئة مع إسرائيل. وهذه السنة ارتفع تأييد الفلسطينيين بنسبة 11 في المئة خصوصاً في أوساط المستقلين. التأييد الأميركي لإسرائيل مستمر لكنه يتآكل! والإدارة الأميركية في طريقها إلى استخلاص العبر في شأن سياستها في شرق أوسط يتحرك على وقع نزاعاته ونزاعات عالمية أكبر، والبداية من توبيخها المعلن الحليف الأول.

عن اندبندنت عربية

اخر الأخبار