
قراءة في المجموعة القصصية (المرابي) للأديب زهير فريد

باسمة الصواف
أمد/ هناك نصوص حينما نقرأها تأخذنا في أفق الـتأويل بأبعاد جمالية وانزياحية؛ لتكشف عن جوانب الدهشة وعمق الفكرة وجرأة الطرح. وهذا ما نلمسه حينما نقرأ المجموعة القصصية (المرابي) خاصة وأن النصوص القصصية تحمل قيمة على المستوى التاريخي بدينامية تخييلية.
فمن الملاحظ أن الكاتب اعتمد كثيرا على النقد وما تحمله من "توليفات مختلفة لاختناقات اليومي والمعيشي" مما يحول السرد التخييلي إلى "بنيات إحالية وسياقية".
صدرت المجموعة القصصية عن دار الرقمية للنشر 2023، مكونة من خمسة أجزاء، الجزء الأول حمل عنوان المجموعة القصصية، وكانت القصة الأكثر طولا من حيث عدد الصفحات.
البعد التخييلي والمفارقات في قصة المرابي:
اعتمد الكاتب في القصة على بعدين: فكري يحمل خطابا معينا، وتشخيصي للواقع من خلال شخصية محمد الذي يدعى باسم "خشبون" كونه قوي البنية، وشخصية والده، وقد ارتبط التخييل بهذين البعدين في هذا النص بايحاءات من التاريخ، والواقع وتأويلها ضمن دلالات سياقية. حيث انطلق الكاتب من زمن سقوط البلاد أي بعد عام (1948)، وعملية تسلل "خشبون" وبعض أصدقائه إلى البلاد من أجل سرقة خرفان وأبقار من مزارع "الكيبوست"، واصفا ما يحدث لمن يتم الإمساك به، مبينا خطورة الموقف.
من الملاحظ أن قصة (المرابي) قد اعتمدت على المفارقات في الأحداث، من خلال ذكر الكاتب لكلمة سرقة الخرفان والأبقار مع أنه يعتبر حق عند خشبون كون البلاد قد سرقت منهم، إلى وضع حال خشبون وأصدقائه الذين سافروا، ابتداء من زواج محفوظ من امرأة يهودية على الرغم من كونه فلسطينيا، وصابر الذي تزوج من عاهرة وفتح بيتا للدعارة خارجا عن القيم التي تربى عليها، وخشبون القوي البنية الذي كان يحمل أكثر من شوال قمح على كتفيه قد مات بسبب دخول آلة حادة في قدمه حين رجوعه من الغربة في الباخرة، وأبو محمد-والد خشبون- الذي عادت له صحته بعد زواجه من فتاة شابة بعدما شارف على الموت، وانجابه أولادا، وقيام أولاده بإرجاع أموال والدهم إلى أصحابهم بسبب الربا الذي كان وسيلة لتجميع أمواله.
وتعدّ المفارقات "استراتيجية قول نقدي ساخر" حسب سيزا قاسم، وقد استطاع الكاتب بسرديته على نقد الواقع من خلال المتخيل التاريخي بطريقة واعية ساخرة للحال الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي، معتمدا على عملية الانزياح الدلالي، بما يناسب الحال الفلسطيني.
الجزء الثاني من المجموعة القصصية:
يضم الجزء الثاني من المجموعة القصصية ثلاث قصص تشترك في الموضوع ألا وهو الوطن: ليلة اعتقال عبد الوهاب، شيندلر اليهودي، قنبلة.
في القصة الأولى والثالثة يلتقي الفضاء الزماني ما بعد الاحتلال، وهناك إشارات للمقاومة متمثلة بالاعتقال وبانفجار قنبلة حين إعدادها، ومن اللافت عند القاص بأنه يبرز كثيرا قضية سفر الشبان هربا من الوضع القائم، وبمصيرهم كما ذكر أيضا في قصة المرابي، ففي قصة "ليلة اعتقال عبد الوهاب" يسافر نضال إلى قطر بعد خروجه من السجن وتخرجه من الجامعة: "هو فهمها وسلم بها"، أما باقي الشبان فمنهم من التحق في التعليم بوظيفة حكومية، ومنهم من عمل في الداخل المحتل. ويشير إلى وضعهم بقوله: ".. فقد ذابوا في الحياة ومشاغلها، وكذلك ذاب سعيد في هموم حياته وشيخوخته.."
ما تميزت به القصتان هو القفلة القصصية غير المتوقعة والتي تثير اندهاشا عند المتلقي.
أما قصة (شيندلر) اليهودي فتدور أحداثها ما قبل عام (1967)، بالحديث عن رجل ألماني يزور المناطق الخاضعة للحكم الأردني –منطقة الضفة الغربية- وهو رجل مخابرات قام بالتعرف على سكان المنطقة والتغلغل بسكان القرى، كسب ثقتهم. وبعد سقوط البلاد في حرب الأيام الستة يظهر السائح الألماني (شيندلر) بلباسه العسكري على ظهر دبابة إسرائيلية، فشعر أهل القرية بالخديعة.
كان (شيندلر) طالب دراسات عليا في علم الاجتماع كانت مهمته أن تكون رسالته حول الأمثال الشعبية التي تتحدث عن قضايا مختلفة، مثل: "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، و"الكف ما بتقدر تواجه المخرز" وغيرها من الأمثال.
يقوم القاص هنا بعرض هذه الأحداث التي تنمّ عن خطورتها، فعند دراسة ثقافة أي مجتمع يجب دراسة الأمثال الشعبية التي يؤمن بها أي مجتمع، حيث يتم فهم طبيعة الناس من خلالها.
لكن في هذه القصة، يقوم شاب بتناول حجر ويضرب بها رأس (شيندلر)، وهنا إشارة من الكاتب بأن هذه الأمثال ليست بالضرورة أن تعمل بها الأجيال اللاحقة، فالشاب محمد الذي رافق شيندلر على أنه سائح ألماني حينما اكتشف الحقيقة قام هو بقتله، ليصبح المثل الشعبي "الكف تواجه المخرز".
يشكل القاص هنا خطابا من الرؤية التاريخية بسردية لها تأثير تخييلي قصصي، تعود بفعلها على المتلقي من خلال شخوصه.
الجزء الثالث والرابع:
يضم الجزء الثالث والرابع مجموعات قصصية، يربطها خيط ألا وهو النقد الاجتماعي والسياسي والثقافي بلغة تعتمد أحيانا على اللهجة المحلية، وفي بعضها يستخدم السجع كما في قصة الشاطر سمعان "روح انت اشطر الشطار، غالب الأقدار، مكسر الفخار، ومجفف الآبار، وزارع الورد في بطن المحار.."ص106
ولأن الكاتب يكتب همّ الوطن وينتقد الوضع العام وما آل إليه جاءت اللهجة المحكية متناسقة مع جمال النص الفكري والثقافي، ما أعطاه قوة تأثيرية في المعنى المراد ايصاله للمتلقي.
الجزء الخامس:
في المجموعة القصصية الأخيرة يخرج الكاتب عن التجنيس القصصي بشكلها الفني، مستخدما "حكاية مروية بصورةٍ مضمرة ومتشظية" والمفاجأة تحدث في نهايتها، على الرغم من استخدام اللغة المحكية في بعضها.
استطاع الكاتب زهير فريد في مجموعته القصصية المرابي "استحضار مختلف الشخصيات التي لا تعبر عن ذواتها الخارجية بقدر ما هي وسيلة في يد الكاتب لمعالجة القضايا الإنسانية"، والوقوف على القضايا السياسية والثقافية المتعلقة بها، بأسلوب ناقد، ساخر في بعضها، بلغة ايحائية تارة، وتارة بلغة المحكي، وتارة أخرى بلغة واقعية مليئة بالهم الذي يعيشه الفلسطيني.
أسس الكاتب له أسلوبا خاصا، ينسجم مع أحاسيس المتلقي وانفعالاته وواقعه المعيشي، مستخدما التخييل التاريخي في بعضها، منسجما مع فلسفته وذاته وعمق رؤيته وفهمه للواقع بسردية تحمل جمالا واندهاشا في السرد، وفي الطرح.
كلمات دلالية
أخبار محلية

الألكسو: يجب التحرك العاجل لحماية الشعب الفلسطيني من آلة الاحتلال الغاشمة
-
"شمس": ما زالت الأمم المتحدة مستمرة في انتهاك ميثاقها
-
اشتية يبحث مع منظمة أطباء بلا حدود تعزيز تقديم الرعاية والخدمات الصحية لأبناء شعبنا
-
الديمقراطية تستنكر اعتقال قوات الإحتلال لعضو اللجنة المركزية"نافز جفال"
-
الصالحي: لا بد من تحرك فلسطيني جماعي لقطع الطريق على تحويل القضية الفلسطينية الى قضية أمنية