المقاصة والخلط المتعمد
تاريخ النشر : 2019-05-05 18:49

لا يضيف المرء جديدا للقارىء، عندما يؤكد ان الإتحاد الأوروبي يقف على رأس المانحين الداعمين لموازنة السلطة الفلسطينية. لكن هذا الدعم ليس لوجه الله، ولا لسواد عيون السلطة الوطنية، ولا هو عربون محبة للعلاقة مع الشعب العربي الفلسطيني وقيادته، ولا تعويضا عن الدور الخطير، الذي إرتكبتة القارة العجوز في التأصيل لولادة القاعدة المادية للحركة الصهيونية في ارض فلسطين (إسرائيل) على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، انما لإسباب تتعلق بمصالح الغرب الرأسمالي عموما، وأوروبا خصوصا. لا سيما وان تحالف الرأسمال الصناعي، العسكري والمالي تقاسم الأدوار في إقامة المشروع الكولونيالي الإجلائي والإحلالي الصهيوني على حساب الفلسطينيين ومصالحهم وحقوقهم التاريخية في ارض وطنهم الأم، ومازال اركان التحالف الغربي منهمكين في إخراج السيناريو، الذي يؤمن حماية الدولة الإسرائيلية الإستعمارية، من خلال إحتفاظها بالجزء الأكبر من فلسطين التاريخية، ومنح الفلسطينيين بعضا من حقوقهم، وبما لا يؤثر على مستقبل المشروع الإستعماري الصهيوني، ومن ضمن ذلك تغطية جزء من نفقات إقامة الدولة الفلسطينية، المرفوضة إسرائيليا وأميركيا منذ تولي ترامب الحكم في الولايات المتحدة مطلع عام 2017. وبالتالي الدعم الأوروبي له ثمن، حماية مصالح الغرب في الوطن العربي، وضمان أمن وسيرورة المشروع الصهيوني. 

ورغم معرفة القيادة الفلسطينية بالخلفية الأوروبية لدعم موازنة السلطة، إلآ انها تتعامل بإيجابية مع ذلك، ليس تواطأً على الذات، ولا تساوقا مع الغرب الرأسمالي، ولا تنكرا للرواية التاريخية الفلسطينية، ولا تهربا من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولكن إنسجاما مع المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني في ضوء القراءة العلمية للشرطين الذاتي والموضوعي، وتمشيا مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية من جهة، ولفضح وتعرية وجه إسرائيل المارقة والخارجة على القانون من جهة ثانية، والتأكيد للعالم أن الباطل الإسرائيلي لا يقبل القسمة على اي مشروع سلام ممكن ومقبول، وبغض النظر عن حجم التنازلات الفلسطينية. 

ومثال صغير على حدود وسقف الموقف الأوروبي من مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نلاحظ ان دول الإتحاد الأوروبي كانت سباقة في تبني خيار الدولة الفلسطينية، وهو ما عبر عنه بيان البندقية في العام 1980، بعد توقيع السادات على إتفاقية كامب ديفيد 1979 ولكن أوروبا لم تتجاوز حتى الآن الدعم اللفظي لهذا الخيار بإستثناء السويد، ومازالت تراوح في ذات المكان، ولم تتجرأ على الإعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، ولم ترفع سقف ضغوطها على إسرائيل الإستعمارية لتكريس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وبقيت أسيرة الناظم العام لتوجهات تحالف الطغم المالية، الصناعية والعسكرية، الذي يدور في دوامة اباطرة راس المال المالي، الخاضعة للعائلات اليهودية الصهيونية. 

ومثال جديد يكشف عن حالة التعثر، والضبابية الأوروبية، الذي تجسد في إجتماع الدول المانحة يوم الثلاثاء الماضي الموافق ال30 من نيسان / إبريل الماضي 2019 في العاصمة البلجيكية/ بروكسل، فبدل ان تتخذ الدول الأوروبية موقفا حاسما، وداعما لقرار القيادة الفلسطينية، الرافض إستلام أموال المقاصة الفلسطينية ناقصة مليما واحدا، لإنها أموال فلسطينية صافية، وليست منةً من احد، وتدفع لقاء تحصيلها 3% على كل شيقل تجمعه دولة اللصوص الصهيوينة، يطالبها الإتحاد الأوروبي بالتالي: اولا إستلامها ناقصة لحين إيجاد حل للمعضلة مع إسرائيل؛ والثاني الخضوع لإبتزاز دولة التطهير العرقي الإسرائيلية فيما يتعلق برواتب ذوي الشهداء، والأسرى، وتحويل رواتبهم لوزارة الشؤون الإجتماعية، والتعامل مع الأمر على اساس إجتماعي إحتياجاتي، وإسترزاقي، وحرفه عن جوهر العملية السياسية الكفاحية، بحيث يتم تحويل الأسرى والشهداء إلى "شحادين"، وليسوا مناضلون وطنيون، متجاهلة تلك الدول الأوروبية، ان رواتب الشهداء، والأسرى دين على كل فلسطيني والعالم ككل وفي مقدمته أوروبا الشائخة، لإنهم رموز للكفاح التحرري الوطني، وعناوين يفتخر بها الشعب العربي الفلسطيني، وان الإرهابي، هو الإسرائيلي الصهيوني، لإنه قاتل، ومغتصب للأرض، ومعاد للسلام والتعايش. وبالتالي القراءة الموضوعية للإقتراح الأوروبي تشير إلى انه يصب من حيث تريد أوروبا، أو لا تريد في النفق الظلامي الإسرائيلي. الأمر الذي يحتم عليها إعادة نظر في مواقفها، والإنسجام مع القرارات والمعاهدات الدولية، والإلتزام بالإتفاقيات المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيل وخاصة برتوكول باريس الإقتصادي.

بديهي لا اطلب من اوروبا أن تخلع ثوبها، ولكني احثها على الإنسجام مع محددات عملية السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والكف عن التساوق مع منطق نتنياهو وترامب، لإنه يدمر كل أمل في بلوغ جادة السلام.