الاجتياح الاسرائيلى للقضية الفلسطينية .. بيروت 82 وغزة 2019
تاريخ النشر : 2019-05-15 14:07

اجتاحت اسرائيل فى عام 1982 لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية؛ وذلك بعد أن أصبحت فى نظر العالم وخاصة الولايات المتحدة منظمة إرهابية تسعى لاستئصال اسرائيل وترفض التسوية السلمية، وجاء ذلك بعد أن رفضت اتفاق كامب ديفيد وشكلت عقبة فى طريق التوصل لاتفاق السلام المصرى الفلسطينى؛ وذلك باعتراف أحد أهم مهندسى الاتفاق بطرس غالي الذى اعترف فى أحد لقاءاته المتلفزة بذلك "عندما أكد أنه لو تمسكنا بربط المسار الفلسطينى بالمصرى لانهار كل شئ"؛ وهو ما أكده الشهيد صلاح خلف فى أحد لقاءاته المسجلة مع الجالية الفلسطينية فى الكويت عندما روى تفاصيل لقائه مع الرئيس المصرى السادات؛ وكيف حاول إقناعه بثني التيار البراغماتى فى فتح عن المشاركة فى مباحثات التسوية فى حينه وتأييد التيار الرديكالي المتمسك بكل فلسطين من النهر إلى البحر؛ وعارضت منظمة التحرير التسوية السلمية فى حينه؛ وتم تحميلها المسؤولية على تفويت فرصة تاريخية لتسوية القضية الفلسطينية. وظهر أمام العالم أنه لا يوجد طرف سياسي فلسطينى يمكنها أن تحاوره لحل الصراع؛ وقتها قررت إسرائيل أن الوقت قد حان لتنفيذ عمليتها العسكرية المؤجلة لأكثر من عقد من الزمن لاستئصال الوجود العسكرى الفلسطينى من لبنان وخرجت منظمة التحرير بمقاتليها وقادتها من لبنان.

اليوم نجد أنفسنا أمام مشهد مشابه لكنه هذه المرة على أرض فلسطين؛ فثمة مشروع تسوية أمريكي كل بنوده تقريبا أصبحت واقع معاش على الأرض قبل الاعلان عنه ومطلوب من الفلسطينيين الاعتراف به كواقع دائم لهم؛ ولكن الفلسطينيين يرفضون الاعتراف؛ ولكن ثمة تباين ملحوظ فى مواقف الفلسطينيين ومواقعهم فى هذا الرفض على الأقل فى الحسابات السياسية لاسرائيل والولايات المتحدة؛ فرفض القيادة الفلسطينية بزعامة منظمة التحرير يستند سياسيا لعدالة القضية الفلسطينية التى تستند لقرارات الشرعية الدولية وللاتفاقات الموقعة بينها وبين اسرائيل والتى تعد التسوية الأمريكية خرقا فاضحا لها ولكل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وهو ما يجعل من هذا الرفض الفلسطينى عقبة كبرى أمام مرور تلك التسوية نظرا لأنه يستند لاجماع دولي، وعلى الطرف الآخر يتمثل الرفض للتسوية الأمريكية يتمثل بحركة حماس مع تحالف فصائل فلسطينىة مسلحة فى قطاع غزه؛ والتى تسيطر عليه حماس منذ أكثر من عقد من الزمن. ولكن رفض غزه يستند لعدالة القضية الفلسطينية من وجهة نظر أخرى لا تكترث كثيرا بالشرعية الدولية إضافة إلى أنها تصنف غالبية تلك الفصائل وعلى رأسها حركة حماس دوليا بأنها منظمات على قوائم الإرهاب الغربية، وعليه فإن إسرائيل لا ترى فى هذا الرفض للتسوية الأمريكية ضررا بل على العكس فهى ترى فيه سياسيا أحد أهم مصادر الدعم لتمرير الصفقة وفرضها على اعتبار ان تلك الفصائل هى الوجه الحقيقي والفاعل للفلسطينيين الذى تريد إسرائيل أن لا يرى العالم غيره .

من هنا يتضح بكل جلاء ما وراء السياسة الاسرائيلية التى يديرها نتنياهو فى التعامل مع قطاع غزه والتى مضمونها تضخيم غزه ومقاومتها وإظهارها أمام العالم كقوة عسكرية إرهابية كبيرة وكوجه الفلسطينيين الحقيقي الذى تخفيه السلطة الفلسطينية بدعمها لمسيرة التسوية؛ وبهذا المنطلق فإن إسرائيل لا ترغب اليوم أن ترى إلا وجه غزه الرافض للتسوية الأمريكية لأنه وجه غير مكلف ولا حتى محرج سياسيا نظرا لأن إسرائيل استثمرت سنوات الانقسام الفلسطيني بتغيير قواعد اللعبة مع غزه؛ حيث تحولت مطالب النضال الفلسطينى فيها من مطالب سياسية عامة تخص القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية إلى مطالب معيشية انسانية خاصة بقطاع غزة.

وبالتالى فان خيارات اسرائيل السياسية تكمن فى المرحلة القادمة فى تدعيم النموذج الفلسطينى فى غزة وتهميش التأثير السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية وصولا إلى محو تأثيرها عبر إعلان صفقة القرن؛ والتى ستكرس بشكل عملي وجود أكثر من ممثل شرعي للفلسطينيين؛ وبالتأكيد فإن الممثل الأفضل للفلسطينيين اليوم والأقل كلفة سياسية هو نموذج غزة الذى سيكون عندئذ أمام خيارين لا ثالث لهم إما تمرير التسوية وإما اجتياح القطاع بنفس نمط اجتياح بيروت 82 وبتكلفة عسكرية أقل؛ ولكنها ستكون هذه المرة بالمجان سياسيا بالنسبة لاسرائيل.

وعليه خيارنا الوحيد اليوم لوقف الاجتياح الاسرائيلي للقضية الفلسطينية هو إنهاء الانقسام وعودة السلطة إلى قطاع غزة والتمترس خلف الرفض الفلسطينى للتسوية الأمريكية المستند لقرارات الشرعية الدولية؛ وأى خيار آخر هو عبث بمستقبل الأجيال القادمة وبأعدل قضايا الانسانية.