في الذكرى ال ٧١ للنكبة
تاريخ النشر : 2019-05-15 19:53

مدخل تاريخي:

اليوم الخامس عشر من مايو- ٢٠١٩ م يكون قد مر على النكبة الفلسطينية واح وسبعون عاماً مر خلالها الشعب الفلسطيني بعشرات النكبات والمجازر التي طالت الإنسان الفلسطيني وأرضه كما أن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني مر بالعديد من المؤامرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تسببت في استمرار وتزايد معاناته.
فبدءاً من الاحتلال البريطاني لفلسطين وتقاسم بلاد الشام جغرافياً مع الاحتلال الفرنسي وضعف الدولة العثمانية وبداية انهيارها وموافقتها على الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر، والجهد غير العادي الذي بذلته المنظمة الصهيونية العالمية و الدور الخبيث الذي استخدمته لإنهاء الإمبراطورية العثمانية وتقاسم تركتها، مستخدمة أسلوب إثارة النعرات القومية لدى الأتراك والعرب حيث نجحت في إثارة النعرة الطورانية لدى الاتراك وهي بمثابة القومية لشعوب القوقاز والأتراك، وبذلت المنظمة الصهيونية جهداً كبيراً في خلق تلك الطبقة القومية التي سعت إلى بناء تركيا الحديثة متخلية عن حروف لغة القرآن وبناء دولة تركيا بعيداً عن سيطرة الدين الإسلامي، وفي مقابل ذلك نجحت الصهيونية بالتعاون مع المحفل الماسوني اليهودي في فرنسا بإثارة النعرة القومية العربية لسلخ الدول العربية عن دولة الخلافة آنذاك (الدولة العثمانية) وبدأ العرب يطالبون بدولة عربية مستقلة إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك حيث نجح الاستعمار الفرنسي والبريطاني بتقسيم الوطن العربي وتقاسمه بينهما ضمن اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 وبقى الزعماء العرب آنذاك (الهاشميين) في بلاد الجزيرة العربية و (القوميين) في بلاد الشام وبعد أن ساعدوا بشكل أو بآخر بإنهاء الوجود العثماني في بلاد العرب لصالح دولتى الاستعمار (فرنسا وبريطانيا )، بقوا ينتظرون أن تحقق لهم هاتان الدولتان مطالبهم وأمانيهم بإقامة الدولة العربية الكبرى ولكن جهلهم بالخبث والتآمر الغربي عليهم أدى إلى تقسيم بلادهم بين تلك الدولتين ولم يدركوا ذلك إلى بعد أن نشرت جريدة (البرافدا) الروسية خبر اتفاقية سايكس بيكو وجاء إدراكهم بعد أن كان كل شيء قد انتهي وأصبح الوطن العربي مجزأً إلى دول ودويلات محتلة من قبل بريطانيا وفرنسا وبعض الدول الاستعارية الغربية الأخرى.
آلت فلسطين بعد سلخها عن سوريا الكبرى إلى بريطانيا التي سعت إلى استصدار قراراً أممياً بأن تكون هي المنتدبة على فلسطين وفق قانون الانتداب الذي استخدمته بريطانيا لتنفيذ أهداف الصهيونية العالمية المتمثلة بالسعي إلى إجهاض أي فكرة تعمل على توحيد الدول العربية بل تمزيقها من خلال سياسة التجهيل وخلق شخصيات وشرائح اجتماعية محلية موالية لها وتسهل لها تحقيق أهدافها في فلسطين والمتمثلة في الهجرة اليهودية إليها وشراء الأراضي والبدء في إنشاء نواة كيانية يهودية تتطور مع مرور الزمن وتصبح دولة والعمل على أن تكون هذا الدولة بمثابة خنجراً في خاصرة الوطن العربي وخشبة وثوب ضد العرب المناهضين لتلك التوجهات، ومن هنا أصدر وزير الخارجية البريطاني عام 1917 في الثاني من نوفمبر وعده للمنظمة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وأصبح يعرف ذلك في التاريخ الفلسطيني ( بوعد بلفور المشئوم).
منذ ذلك الوعد وحتي قبل عام النكبة 1948، مرت الحالة الفلسطينية بتطورات ومؤامرات كثيرة شارك فيها جميع من صنعتهم الصهيونية من شخصيات ادعت الوطنية آنذاك ومارست بيع الأراضي لليهود أو حصلت على مناصب سياسية وإدارية وتسهيلات غير محدودة (مادية وتمليك أراضي وغيرها)، وكذلك من دول منحها الاستعمار استقلالاً حتي تكون طوقاً يحمي الكيان المزمع إقامته على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه وتراثه، فقد مرت المؤامرة ونجحت الصهيونية العالمية متآمراً معها بريطانيا وأمريكيا التي حملت ملف الصراع العربي الإسرائيلي أو بشكل أدق ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتخلت بريطانيا عنه وأعلنت انسحابها من فلسطين وإنهائها لانتدابها عليها لتبدأ بعدها رحلة معاناة الشعب الفلسطيني التي جسدتها نكبة عام 1948 عندما هُجر من وطنه ودمرت مدنه وقراه وارتكبت بحقه عشرات المجازر أدى ذلك إلى تبعثره في أكثر من بقعة من الأرض ومعظمه حمل صفة لاجئ يحلمون بالعودة إلى ديارهم في فلسطين، حلم لم يتحقق على مدى الواحد والسبعون عاماً مر خلالها الكثير من الوعود والقرارات الأممية التي مثلت فقط وعوداً الهدف من ورائها تخدير الشعب الفلسطيني ومناصريه من الدول العربية والإسلامية حتي يصبح المشروع الصهيوني بإقامة الكيان اليهودي في فلسطين أمراً واقعاً وقوياً يصعب التخلص منه عندما أطلقت يداه لفعل كل ما يمكنه من أن يصبح المحور الأساسي في إيجاد أيّ حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
واليوم بعد أكثر من سبعة عقود على نكبة الشعب الفلسطيني لم يبدُ في الأفق أيّ أمل في إنهاء هذه المأساة التي أصبحت سمة من سمات الظلم العالمي في ظل تراخي المجتمع الدولي بمؤسساته الأممية وعدم مصداقيتها وقدرتها على تنفيذ قراراتها بدءاً من قرار التقسيم رقم (181) عام 1947مروراً بالقرار(194) والمتضمن حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها مضافاً لذلك كل القرارات التي تخص قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي التي تجسدها الثوابت الفلسطينية المتمثلة في حق الفلسطينيين بإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم التي هجروا منها، إلا أن المجتمع الدولي كان منحازاً للطرف الإسرائيلي في جميع مواقفه غير مكترثاً للحقوق الفلسطينية ومتجاهلاً لكل القرارات الأممية بل سعى دائماً لإفراغها من مضامينها بل عملوا مع الولايات المتحدة الأمريكية باستخدامها حق النقض (الفيتو) لإجهاض العشرات من مشاريع القرارات الأممية والتي تدين إسرائيل وسلوكها الشائن بحق الفلسطينيين والمتمثل بتكالبها وتسارعها في بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري وتهويد القدس العربية من خلال هدم منازل الفلسطينيين ومصادرة بعضها وبناء عشرات آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية على الأرض العربية ومصادرة آلاف الدونمات دون وجه حق حتي تعطل أيّ مشروع تسوية مستقبلية مستغلة في ذلك اتفاقية السلام الموقعة مع الفلسطينيين (اتفاقية أوسلو) والنهج التفاوضي الذي لم يحقق أدنى أهدافه، لم يكن للفلسطينيين خيارات بديلة عن التفاوض بعد أن خاضوا حركة تحرر مسلحة لم تجد دعماً حقيقياً أو كافياً من الدول العربية أو الإسلامية بل وقف البعض منها موقفاً عدائياً أو على أقل تقدير موقفاً مهادناً ولم يصل الموقف العربي إلى مستوى تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية خاضعةٍ بذلك للتأثير والضغط الأمريكي والأوروبي الساعي دائماً لأن تبق إسرائيل الدولة العظمى والأقوى في الاقليم، ومن هنا ازداد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حدةً خاصة في ظل خلق بؤر توتر ونزاعات وصراعات عرقية من خلال سياسة الفوضى الخلاقة المصنوعة بيد أمريكا وحلفائها وتجميل هذه الفوضى بألقاب لم تنطل على من بقي ضميره صاحياً من زعماء العرب والمسلمين، حيث أصبحت تسمى بما يعرف بالربيع العربي الذي جعل دول الوطن العربي كالطير الذبيح يترنح في دمائه المستنزفة وأموالها المبددة لشراء الأسلحة لضرب بعضهم البعض مما اضطر كثيراً من هذه الدول بنسج تحالفات عربية عربية أو عربية إيرانية أو عربية تركية أو عربية تركية إسرائيلية والهدف منها ذبح وتدمير بعضهم البعض، في ظل تنامي الصراع السني الشيعي.
كل ذلك لم يضعف النظام العربي فقط بل جعله ولضعفه وضياع البوصلة لدي زعمائه جعله لقمة سائغة لجميع التيارات الإسلامية المتطرفة أو لعملاء صنيعة الغرب أو لكافة أجهزة مخابراته، فأخذت تنهش في جسده، وأصبح زعماء العرب يهرولون اتجاه الغرب لمساعدتهم في إخراجهم من مصيبتهم والتي هم صانعوها ولا زالوا حتي يتحقق هدفهم الأساسي المتمثل في :- 
1- إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يخرج من تكوينه كثيراً من الدول العربية وتصبح إسرائيل عضواً أساسياً فيه لإكمال المخطط الساعي إلى الابقاء على تبعية الدول العربية إلى الغرب وإسرائيل التي ستصبح القوة الحامية لها من المد الشيعي الإيراني للإبقاء على الصراع الشيعي السني إلى ما لا نهاية.
2-الاستمرار في السيطرة على البترول العربي واستنزافه والحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية والمتمثلة في الصراع الغربي مع روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ولتحقيق ذلك يتم استغلال الصراعات الداخلية العربية لخلق تحالفات تحت مسميات (محاربة الارهاب المتمثل في القاعدة وداعش وحركات الإسلام السياسي الإرهابية والمد الشيعي وغيرها) بحيث تبقى تلك التحالفات في هذا الإطار وما يستوجبه ذلك من تواجد غربي عسكري على الأراضي العربية وفي مياهها الاقليمية وكأن التاريخ الاستعماري الغربي يعيد نفسه بشكل جديد.
في ظل هذه الصورة القاتمة للوطن العربي هل يبقي للفلسطينيين أمل في تحرير فلسطين والقدس أو على أقل تقدير إقامة دولتهم على ما تبقى للفلسطينيين من الأرض التاريخية لفلسطين ونسبتها لا تتجاوز 15% أم يبقى الأمل الفلسطيني معلقاً بل ضائعاً بين النزاعات والصراعات الفلسطينية الفلسطينية والتي تتعمق يومياً بعد فشل جميع سياسي كل الفصائل الفلسطينية في إنهاء تلك الخلافات وتحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الذي هو بمثابة آخر النكبات الفلسطينية بل هو نكبة النكبات الفلسطينية، وهل للقادة والسياسيين الفلسطينيين أن يدركوا في الذكرى ال ٧١ للنكبة حقيقة بأن القضية الفلسطينية وفي ظل الوضع المتردي للنظام الرسمي والشعبي العربي باتت على أبواب الاندثار أو في أحسن الأحوال سيحتفل الشعب الفلسطيني يوماً ما بالذكرى الألف للنكبة لا سمح الله ، خاصة وأن جزرة صفقة القرن وعصا ترامپ تلوحان بتهديداتها في وجه الكل الفلسطيني دون تمييز .