مصر ستبقى راعي المصالحة
تاريخ النشر : 2019-05-20 14:57

تداولت وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، خبرا مفاده، أن جمهورية مصر العربية "أبلغت فصائل العمل الفلسطينية عن توقف مساعيها في رعاية المصالحة الوطنية". ولم تعقب جهات الإختصاص المصرية على الخبر، وأيضا لم تشر الجهات الرسمية الفلسطينية لا من قريب أو بعيد للخبر من أصله، وكأن الخبر لم يكن، او إعتبرت أن الخبر لا يستحق التعليق من حيث المبدأ، لإنه عار عن الصحة. 

نعم ما تداولته وسائل الإعلام المختلفة عموما والإسرائيلية خصوصا حتى أمس، خبر لا يمت للحقيقة بصلة، وأعتقد، أن من روج له، أو وقف خلفه، هو جهة عربية أو إسرائيلية لا تريد لمصر الإمساك بأي دور على الساحة الفلسطينية، وتعمل تلك القوى بشكل منهجي بالتشويش على مصر ومكانتها المركزية، ودورها الأساسي في معالجة ومتابعة قضايا الساحة الفلسطينية، وخاصة دورها في رعاية المصالحة الوطنية. 

لكن لماذا الآن جرى طرح الخبر؟ وما هو الدافع السياسي والأمني خلف ذلك؟ وما هي المصلحة الخاصة والعامة لنشر هكذا خبر؟ وما الفائدة المرجوة من عملية التشويش على الدور المصري؟ وهل يمكن لمصر أن تتخلى عن دورها؟ وهل يمكن لمصر أن تيأس، وتستسلم لإرادة القوى المعطلة لعملية المصالحة تحت ضغط العقبات والتعقيدات المنتصبة في طريقها؟ ولماذا لا يمكن للمحروسة التراجع والإنكفاء عن دورها ومهمتها على هذا الصعيد؟ 

 الأسئلة عديدة حول ذات القضية، لكن إذا إكتفينا بما ورد، فإن طرح الموضوع الآن له صلة خاصة وعامة، الخاصة متعلقة بحسابات بعض الدول والقوى المتضررة من الدور المصري، ووجودها الفاعل والمركزي في المشهد الفلسطيني، ولإن تلك القوى تريد تغييب مكانة ودور مصر كليا، لتبقى الساحة خالية لدورها المشبوه في الساحة. فضلا عن ان الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا راضيتين عن الدور المصري، ولهما مطالب تقدمت بها للقيادة المصرية تتعلق بفتح الأفق لتساوقها مع مشاريعها التآمرية على الشعب العربي الفلسطيني لتوسيع حدود الإمارة الحمساوية في سيناء لتمرير صفقة القرن المشؤومة، أو إيجاد موطىء قدم للإمارة في سيناء. وبالتالي طرح الموضوع الآن شديد الإرتباط بما يجري العمل عليه لإستكمال ما بدأته الإدارة الأميركية منذ نهاية عام 2017 بالإعلان عن الإعتراف بالقدس العاصمة الفلسطينية، كعاصمة لدولة الإستعمار الإسرائيلية، وما تلا ذلك من سلسلة متواصلة من الإنتهاكات الخطيرة للحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية. كما انها أرادت من الرئيس عبد الفتاح السيسي الضغط على القيادة الفلسطينية عموما وشخص الرئيس محمود عباس للتساوق مع صفقة القرن القذرة. 

غير ان القيادة المصرية رفضت رفضا قاطعا التعامل مع الصفقة المشؤومة ، ومع الخيارات الأميركية والإسرائيلية، وأكدت بلسان رئيسها أثناء لقائه مع الرئيس ترامب في آخر زيارة له لأميركا، ان موقف مصر ثابت، وتقف خلف ما تتبناه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل إنها (مصر) أكدت رفضها التنازل عن أي جزء من الأرض المصرية، ولن تسمح بالأساس بوجود إمارة في محافظات فلسطين الجنوبية مهما كلف الأمر من ثمن، لإن ذلك يهدد الأمن الوطني والقومي المصري، خاصة وأنها مازالت تعاني حتى يوم الدنيا هذا من جرائم وإنتهاكات جماعة الإخوان المسلمين، ودفعت الثمن غاليا من دم جنودها وضباطها وأبناء الشعب العربي المصري، بالإضافة للخسائر المادية الكبيرة نتاج جرائم القوى التكفيرية المنبثقة من رحم جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر حركة حماس جزءا أصيلا منها. فكيف يمكن لها ان تقبل، ان تلدغ من الجحر ذاته للمرة الألف ولا تتعلم منه؟؟ 

وعطفا على ما تقدم، لا يمكن لمصر ان تكون جزءا من اللعبة الأميركية الإسرائيلية وأضرابهم من عرب وعجم. ولا يمكن لمصر ان تستسلم لإية عقبات، أو إربكات، أو عراقيل وإستعصاءات فلسطينية، وستبقى مصممة على كسر التابوهات الإخوانية وغيرها من القوى المعطلة، وتواصل مساعيها بصبر وأناة وبحكمة شديدة حتى تتمكن من ترميم الجسور بين القوى الفلسطينية لبناء صرح الوحدة الوطنية على اسس وحدة البيت والوطن الفلسطيني تحت قيادة الشرعية الوطنية برئاسة محمود عباس، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني من التبديد والتصفية، لإنه بقدر ما يخدم الشعب العربي الفلسطيني الشقيق، بقدر ما يخدم الأمن والمصالح الوطنية والقومية المصرية. كما ان القيادة الفلسطينية الشرعية لن تسمح لإي كان أن يعزل مصر عن دورها في الرعاية للمصالحة الوطنية، ولا عن فصل فلسطين عن شقيقتها الكبرى مصر المحروسة بغض النظر عن اية تباينات موجودة. فهل يكف المتربصون بمصر عن ترويج بضاعتهم الفاسدة؟