المصالحة الفلسطينية تتراجع
تاريخ النشر : 2019-05-21 14:35

خف الحديث عن المصالحة الفلسطينية بعد عمليات التصعيد الأخيرة في غزة، والتدخل المالي القطري لإسناد حماس والوساطة المصرية لكبح التصعيد «الإسرائيلي». وقد شعرت كل من الجهاد وحماس بأنهما في حِل من المصالحة، خاصة أن الاحتلال بدأ يعمل بجد لإنهاء السلطة الفلسطينية إما بالحصار السياسي الأمريكي أو المالي معاً، ومحاولة خلق قيادات محلية بديلة بعيداً عن منظمة التحرير الفلسطينية. فقد تحولت حماس والجهاد إلى طرف في مفاوضات التهدئة مع الاحتلال، وباتت حماس تسيطر على المعابر وتُجبي الضرائب، بينما تكفلت قطر بالكهرباء ورواتب حكومة حماس. وكان الهدف الأساسي هو التوصل إلى تفاهمات مكتوبة وموقعة مع الاحتلال، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، خاصة أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو منشغل بتشكيل ائتلاف حكومي معقد من أحزاب اليمين العلماني والمتدينين، لكن اللافت في كل هذا ما قاله زياد النخالة أمين عام الجهاد في مقابلة تلفزيونية، حيث أشار إلى أن مصر رفعت يدها عن المصالحة ولن تتابع هذا الملف.

كلام النخالة لم يأت من فراغ، وإن كانت مصادر فلسطينية شككت في انسحاب مصر من ملف المصالحة؛ لأنها معنية مباشرة به، والوضع في غزة يدخل ضمن الأمن القومي المصري ومكلفة بملف المصالحة من قبل الجامعة العربية، فالنخالة كما هو حال حماس يرغب في طي صفحة الوساطة المصرية حول المصالحة؛ لأن النخالة الذي وثق علاقاته مع إيران يخطط مع حماس لإيجاد قيادة بديلة تضم الفصائل التي تتلقى مساعدات عسكرية ومالية من طهران، إلى الجبهتين الشعبية والديمقراطية.

وكان الأكاديمي المقرب من قيادة حماس الدكتور أحمد يوسف، أشار في تصريحات الأسبوع الماضي، إلى أن عدة فصائل تقوم بمشاورات لإيجاد تفاهمات جديدة على شكل وثيقة جديدة بينها. وتبين لاحقاً أن المشاورات بشأن الوثيقة تجري على قدم وساق منذ فترة على عدة محاور أولها في غزة بين قيادات حماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية، والمحور الثاني في بيروت بين قيادات هذه الفصائل الموجودة هناك، والثالث في السجون بين قيادات من هذه الفصائل؛ لأن الهدف هو أن تصدر الوثيقة من السجون لإبعاد شبهة العلاقة بجهات خارجية مثل إيران التي لها أهداف محددة في الاستحواذ على الورقة الفلسطينية على الرغم من «البهارات» التي يضيفها أصحاب الوثيقة عليها من حيث مواجهة الاحتلال ميدانياً..

وبالطبع تُحمّل الوثيقة قيد الإعداد القيادة الحالية لمنظمة التحرير مسؤولية التراجع الدولي للقضية الفلسطينية، وترهل منظمة التحرير، وتدعو إلى انتخابات لتجديد القيادة والعودة إلى ما يشبه الغرفة المشتركة للفصائل في غزة والتي تقود الاشتباكات مع الاحتلال، أو إلى القيادة الموحدة التي تشكلت إبان الانتفاضة، وتخلص إلى القول إن طريق أوسلو لم تسفر عن شيء.

ولا تأتي الوثيقة على ذكر المصالحة أو دور مصر بتاتاً، وكأنها لم تعد في واردها ما يضفي مصداقية على ما ذكره النخالة من أن مصر انسحبت من الملف، أو أن هناك رغبة من قبل تيار في حماس والجهاد، في إهمال ملف المصالحة.

خلاصة المشهد أن الوثيقة ستكون جاهزة للإعلان قريباً وإطلاق جسم تمثيلي منافس لمنظمة التحرير أو إعادة بناء جسم منافس بالاسم نفسه على غرار «جبهة الإنقاذ» التي تشكلت في دمشق ضد ياسر عرفات وتلاشت وعادت أغلب فصائلها إلى أحضان عرفات لاحقاً.

وهكذا فإن الساحة الفلسطينية مرشحة لمزيد من التشظي، حيث يجتهد المبعوث الأمريكي جيسون جرينبلات والسفير الأمريكي ديفيد فريدمان في حشد شخوص كبديل محلي للسلطة، وتجتهد قوى إقليمية لوضع الورقة الفلسطينية في جيبها في صراع النفوذ مع الولايات المتحدة و«إسرائيل»، لكن حسابات التهدئة التي توصلت إليها حماس مع الاحتلال تبدو في مهب الريح؛ لأن جبهة غزة مرشحة للاشتعال فور تشكيل حكومة جديدة، حيث إن نتنياهو تنصل من تفاهم إدخال الأموال الخاصة بحركة حماس، وسمح لقطر بإدخال أموال للمساعدات الاجتماعية دون رواتب موظفي حماس. ويرجح محللون أن ينقلب نتنياهو على كل التفاهمات؛ لأن اشتراطات حلفائه تنص على عدم التهاون مع حركة حماس، فالوزير السابق أفيجدور ليبرمان يشترط تولي وزارة الحرب ومنع دخول الأموال القطرية إلى غزة، وهو مضطر لتلبية مطالب ليبرمان؛ لأنه يحتاجه لتمرير قانون تحصين رئيس الوزراء من الملاحقة القضائية.

عملياً، يبدو المشهد «الإسرائيلي» مضطرباً، والفلسطيني أكثر اضطراباً، وفي مثل هذا المناخ المضطرب في المنطقة سيطل الأمريكيون بصفقتهم التي ما زالت لغزاً حتى بالنسبة للرئيس الأمريكي ترامب؛ لأنه وفقاً لمهندسها كوشنر لم يطلع عليها بُعد!

عن الخليج الإماراتية