"جربة" تقض مضجع البوعزيزي
تاريخ النشر : 2019-06-12 12:39

لم تكن تضحية الشاب التونسي الثائر محمد البوعزيزي لأجل الدفع باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم, ولم تكن تهدف لتعيين يهود في مناصب حكومية ووزارية تونسية, ولم تكن تهدف لفتح الحدود والمطارات للحاخامات والساسة والجنرالات الصهاينة, قطار التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني يسير بسرعة فائقة, ويهدف للوصول سريعا إلى محطته الأخيرة التي يجد فيها نفسه وصيا على هذه الأمة, يدير شؤونها ومقدراتها وثرواتها, ويتحكم في ثقافتها وقرارها السياسي والاقتصادي والأمني, ويوجهها نحو التبعية والتغريب, فيقسم المقسم, ويجزيء المجزأ, ويحولها من امة قائدة ورائدة وذات حضارة عظيمة, إلى امة تابعة ومسيرة, تتخلى عن تاريخها العتيد, وحضارتها ومجدها, وعاداتها وتقاليدها, وتساق إلى هلاكها.

الدولة العربية الشقيقة تونس, والتي احتضنت الثورة الفلسطينية ورجالها لسنوات طوال, والتي يعشق شعبها كل ما هو فلسطيني, والتي قدمت العون للفلسطينيين على مدار سنوات طوال, تونس الحرة تمضي نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني, فتسمح بدخول حاخامات صهاينة متطرفين أشرار ممن يحرقون الفلسطينيين وهم أحياء, كما فعلوا مع عائلة دوابشة وأطفالها وهم نائمون في منزلهم فاحرقوهم وهم أحياء, وكما فعلوا مع الفتي الشهيد محمد أبو خضير,عندما سكبوا في فمه بنزين وأشعلوا فيه النيران وهو حي, هؤلاء الحاخامات الذين يقتحمون الأقصى ليل نهار ويدنسوه بنعالهم, ويمارسون طقوسهم الدينية في رحابه, تمهيدا لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه, والشروع الفعلي في تقسيمه زمانيا ومكانيا, بعد ان تخلى عنه الجميع.

جزيرة "جربة" التونسية التي يقطنها نحو ألف وخمسمائة يهودي, تستقبل كل عام حاخامات الاحتلال لكي يقيموا طقوسهم الدينية في هذه الجزيرة, بذريعه حرية العبادة والمعتقد, في نفس الوقت الذي يحرم فيه الاحتلال ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة, من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك, الذي لا يبعد عنهم سوى عشرات الكيلو مترات, ليت الأمر ينتهي عند هذا الحد لكنه تعدى ذلك بكثير, فقد عين رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد اليهودي التونسي "رونيه الطرابلسي" المعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل والداعمة لسياستها وزيرًا للسياحة والصناعات التقليدية، بحجة أن تعيين يهودي تونسي سيخدم صورة تونس إيجابيّا, ويدفع باتجاه تعزيز السياحة العالمية نحو تونس التي تعاني أزمات اقتصادية.

على ما يبدو ان كل العرب يعتقدون ان أزماتهم الاقتصادية لن تحل إلا بالتطبيع مع "إسرائيل", مع ان هذا الاعتقاد خاطئ تماما, لأن الدول العربية التي تقيم علاقات مع "إسرائيل" هي الأشد فقرا, وهى غارقة في المعاناة الاقتصادية والأزمات, ولا يمكن للاحتلال ان يكون عونا للعرب في حل أزماتهم الاقتصادية, لسبب واضح وصريح, وهو انه من يقف وراء صناعة هذه الأزمات, ويعمل على تفاقمها حتى تبقى الخيارات بيده, ويبقى العرب في حاجة إليه, ويستطيع ان يتحكم في المنطقة كيفما يشاء, لكن الحكام العرب يغمضون عيونهم دائما عن هذه الحقائق, ربما كان الشهيد محمد البوعزيزي الذي ضحى بنفسه من اجل وطنه, يطمح بأن تقرأ رسالته جيدا, وان حرية تونس تتطلب تضحيات, لكن الشعب التونسي الذي أقصى بن على, أعاد إنتاج النظام من جديد بخياراته التي نحترمها تماما, لكننا ندرك ان رسالة البوعزيزي لم تصل بمفهومها الصريح للجميع.