مَن يوقظ "خلايا الحقد النائمة" في الجبل؟
تاريخ النشر : 2019-07-02 19:05

قيل كلام كثير، من قبل هذه الجهة أو تلك، على أثر الزيارة التي قام بها رئيس " التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، وما تلاها من أحداث مؤلمة وحزينة، وما تركته هذه الأحداث من جراح أصابت الوطن بقدر ما أصابت أهالي الذين سقطوا أو الذين جرحوا، وكان من الممكن أن تكون النتائج أسوأ لو قدّر، لا سمح الله، أن تراق دماء من غير البيت الدرزي.

من المسّلم به أن من حقّ أي طرف أو حزب أو تيار سياسي أن يكون له وجود على مساحة الوطن، طولًا وعرضًا، وهذا ما يكفله الدستور كحقّ كل لبناني في أن يتنقل بين المناطق بحرية مطلقة. ومن حقّ "التيار الوطني الحر"، كما سائر الأحزاب، أن يتواجد، وبقوة وفعالية، على كل شبر من الأراضي اللبنانية، شمالًا وجنوبًا، ساحلًا وجبلًا وسهلًا، ولكن مع الأخذ في الإعتبار خصوصية وحساسية كل منطقة، وهذا الأمر هو من بين أسوأ ما خلفته الحرب. وعلى رغم بشاعة هذا الواقع لا يمكن نكرانه أو تجاهله أو العمل بمنطق معاكس له.

فهل يُسمح مثلًا لحزب "القوات اللبنانية" أن يكون له حضور حزبي في الضاحية الجنوبية أو في أي منطقة تُعتبر من المناطق المحسوبة سياسيًا لـ"حزب الله"، على رغم حقّها بالتواجد في أي منطقة لبنانية، وبالتالي هل يُسمح لـ"حزب الله" بأن يكون له وجود فعلي وحسّي في قلب كسروان؟

صحيح أنه من حيث المنطق الجغرافي أن منطقة الجبل، وبالتحديد قضائي الشوف وعاليه، هي منطقة مختلطة وتُعتبر نموذجًا في التعايش الوطني بين المسيحيين والدروز والسّنة والشيعة، وأن للوجود المسيحي فيها، بكل أحزابها وتياراتها، رمزية مهمة، والدليل أن الإنتخابات النيابية الأخيرة أوصلت نوابًا من كل هذه الأحزاب والتيارات.

لكن الصحيح أيضًا أن لهذه المنطقة خصوصية مختلفة عن سائر المناطق اللبنانية، وذلك نظرًا إلى أن الوجود الدرزي محصور تقريبًا فيها، بإستثناء بيروت العاصمة ومنطقة من البقاع، ولا تزال هذه المنطقة، في الوعي الشعبي، محسوبة تاريخيًا لطائفة الموحدين الدروز، وهذا ما يُعرف، ومنذ ما قبل الإستقلال، بالتوازنات القائمة، والتي كان كل من الرئيس كميل شمعون والزعيم كمال جنبلاط يعرفانها تمام المعرفة، والتي على أساسها كانت تُخاض الإنتخابات النيابية، والتي كان عنوانها "بين كميل وكمال"، وهي توازنات أساسية لإستمرارية التعايش السلمي بين المسيحيين والدروز، على رغم ما شابه من أحداث بدأت في العام 1860 والعام 1880 وزادت حدّتها إبان حرب 1975، وما نتج عنها من تهجير للمسيحيين من قراهم، مع ما رافق هذا التهجير من مآسٍ إنسانية ختمت جراحها العميقة مصالحة الجبل، التي رعاها المثلث الرحمات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير.

فلو كان الوزير باسيل، وهو على رأس أكبر تيار مسيحي، وله وجود راسخ في الوجدان الجماعي على مستوى كل الوطن، يدرك أهمية هذه التوازنات وحساسية وخصوصية منطقة الجبل لما تسلقه، كما فعل بالأمس القريب، خصوصًا أن زيارته هذه لن تقدّم ولن تؤّخر في القناعات، وبالتالي لما كانت كل هذه الإحتجاجات، التي تُرجمت خطأ برصاص في غير مكانه، ولما كانت سُفكت كل هذه الدماء البريئة في غير مكانها الصحيح أيضًا.

فتعزيز الوجود وإستراد حقوق المسيحيين لا يكون بالعراضات والإستفزاز المتبادل، بل بالإنفتاح وسياسة مدّ اليد والتعاون الصادق والصريح من أجل تفويت الفرص على عدّو لا يزال يتربص بلبنان شرًّا، وهو الذي غذّى الأحقاد في الجبل في مرحلة مصيرية من عمر الوطن.

ولكن، وفي الموازاة، فإن غالبية الذين يشتغلون في السياسة لا يرون سوى القشة في عين الوزير باسيل فيما يغضّون النظر عمّا في عيونهم من جسور، وقد يكون الأداء السياسي مشابهًا، من حيث التكتيكات والأهداف، لحيثيات لما حدث في الجبل، وهو لم يكن ليحصل لو لم تكن النفوس مشحونة بهذا الكمّ من خلايا الحقد النائمة، وهي تنتظر من يوقظها من سباتها.

عن لبنان 24