المشافي الفلسطينية بحاجة الى علاج قبل المرضى
تاريخ النشر : 2019-08-21 14:04

الرجل المناسب في المكان المناسب، نَسمعُ هذه العبارة عندما يفوز أحدهم بانتخابات او يتسلم منصباً كمدير مدرسة أو مدير مشفى وحتى دكتور الطوارئ في هذه المستشفى.

في الآونة الاخيرة زاد انتشارُ مصطلح "خطأ طبي"، بكل بساطة يقال بأن فلان فقد إحدى أعضائه بسبب خطأ طبي أو ربما فقد حياته، القناعة الذاتية المتكونة لدينا بأن كل الناس خطاؤون تغفر هذا الخطأ الذي يصنفونه على أنه خطأ طبي، دون محاسبة مرتكب الخطأ.

فما هو الخطأ الطبي؟

يُعرَف شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي بأنه "انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصَر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي". ويتبين لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، وإغفال بذل العناية التي كانت باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.

إن المشكلة في الحالة الفلسطينية ليس في وقوع الخطأ الطبي فحسب، فهو يحدث في معظم مشافي العالم، بل بعدم التعاطي المناسب لمعرفة جذور أسباب الخطأ أو الجرأة والاهتمام بمعالجته. ورغم أن قضية الأخطاء الطبية في المشافي العامة والخاصة بفلسطين كثر الحديث عنها، وصفها الكثيرين "بالظاهرة الخطيرة والمقلقة" إلا أنها لم تلقَ التجاوب الكافي، ولم يتم التعاطي معها بشكل جدي من الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية، حتى تشكيل حكومة الوفاق الوطني لجنة وطنية لإعداد مسودة قانون الأخطاء الطبية في أكتوبر 2016، والذي تم تعديل مسماه إلى "قانون الحماية والسلامة الطبية والصحية" بناء على تحفّظ نقابة الأطباء.

وبعد سنتين من النقاشات، خرجت اللجنة بمسودة نهائية للقانون، توجت بإصدار القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 في سبتمبر الماضي، ليكون نافذًا بعد مرور ثلاثة شهور على نشره بالجريدة الرسمية، أي بتاريخ 23/12/2018.

ضحايا بالجملة دون رقيب أو حسيب

في عام 2016 عجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفلسطينية بصور الطفل أمير خضير الذي دخل غرفة العمليات في إحدى مشافي مدينة رام الله بتاريخ 30/5/2016 لإجراء عملية استئصال اللوز وخرج منها بشلل دماغي.

 

حادثة الطفل أمير خضير جاءت لتصب الزيت على النار، فهي قضية من بين عدة قضايا ظهرت بشكل متتابع حول الاخطاء الطبية القاتلة التي تحصل في المشافي الفلسطينية، ما آثار سخط وغضب الفلسطينيين لتزايد حالة الوفيات والحالات المرضية نتيجة الاخطاء الطبية.

 

"مشيا على الأقدام، ويتمتع بصحة جيدة خالية من أي مرض، سلمته للطبيب على مدخل غرفة العمليات الذي سيجري لأمير العملية، دخلها بوجه بشوش، هكذا وصف والد الطفل أمير خضير اللحظات الأولى لليوم الذي انقلبت حياتهم وحياة طفلهم رأسا على عقب".

وأضاف محمد أبوخضير "ابني أمير كان يشكي من اللوز وعملية استئصالها طبيا معروفة بالبسيطة والسهلة، وتم عرضه على طبيب مختص في رام الله دون ذكر اسمه، ونصحني بالتوجه لمشفى خاص لا أريد ذكره، لإجراء عملية الاستئصال".

وأكمل قائلا: "بتاريخ 30/5/2016 تمام الساعة 9 صباحا دخل أمير إلى غرفة العمليات بعد إجراء الفحوصات وسلمته بيدي للطبيب بصحة جيدة، وتفاجأت بعد نحو ساعة بخروج الطبيب من غرفة العمليات ويسألني هل أمير يشكو من أمراض في القلب، ونفيت له ذلك نفيا قاطعا، وأنه يتمتع بصحة جيدة، وأخبرني أن أمير عانى من هبوط في نبضات القلب خلال العملية وجرى نقله لغرفة العناية المركزة بعد خروجه من العمليات ومكث هناك ساعات طويلة ولم يستفق من المخدر بعد عدة ساعات".

وتابع:" نصحني أحد الأطباء بنقله لمستشفى متخصص لأن أمير عانى من نقص الأكسجين، وأنه أصيب بشلل دماغي، وقمنا بنقله لمشافي المقاصد وهداسا عين كارم في القدس المحتلة، وبعد الفحوصات والتحليلات الطبية تبيّن أن أمير يعاني من تلف في مركز الدماغ وصلت لنسبة 85% ومن شلل تام وعشنا بمأساة حقيقة من ذلك الوقت".

وأوضح انه تقدم بشكوى لوزارة الصحة بتاريخ 31/5/2016 ورفع قضية ضد المشفى بتاريخ 6/6/2016، وأشار أن التحقيقات والادعاءات مع طبيبة التخدير التي شاركت بعملية استئصال اللوز لطفله، تظهر أن جهاز التخدير الذي تم وضعه على أمير لم يكن يعمل بشكل صحيح، ولم ينتبه الأطباء خلال العملية أن تنفس أمير توقف.

يذكر أن أمير توفي في 4/6/2019 بعد 3 سنوات من ملازمته المستشفى إثر الخطأ الطبي.

 

الشابة مرام خضر 26 عاماً حالة أخرى تضاف إلى سجل الأخطاء الطبية

منذ تسع سنوات، وحتى اليوم، تعاني جراء خطأ طبي، تقول مرام "البداية كانت عندما دخلت المستشفى بسبب ألم شديد في البطن، وبعد إجراء الفحوصات تبين انها الزائدة الدودية، وتم إدخالي لغرفة العمليات، وفي اليوم التالي شعرت بألم شديد وكنت متأكدة أن هناك شيئاً غريباً قد حدث، ولكن قيل لي أن هذا الأمر طبيعي ويحدث مع جميع المرضى، بفعل العملية".

وتابعت:" عندما أقترب موعد المراجعة "ازالة الغرز" انتبهت أن الجرح لم يلتئم وشعرت بخروج شيء من بطني واكتشفت أن العملية قد "تعفنت" وتوجهت بعد ذلك للطبيب، لأتفاجئ بأنه اخرج "الشاش الطبي" من بطني، ومع ذلك بقيت أشعر بثقل وعدم قدرة على الحركة، وتوجهت للطبيب مرة اخرى وفي كل يوم كان يخرج المزيد من "الشاش"، وفي الوقت نفسه لم يكن مكان العملية قد إلتأم".

وأضافت الشابة": راجعت المستشفى وواجهتهم بما حدث معي، وكانت اجابتهم أن هذا الأمر مستحيل، حتى أنهم اتهموني بأنني من اقوم بوضع الشاش في مكان العملية، وحتى اليوم أنا أعاني من مضاعفات والتصاقات، وتم فتح مكان العملية ثلاث مرات بسبب هذا الخطأ الطبي، وفي كل مرة أراجع المستشفى، يقولون لي بأن وضعي الصحي ممتاز، وفي اخر مرة قال لي أحد الاطباء انتِ بحاجة لمراجعة طبيب نفسي".

وتبين معطيات الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن أنه خلال الفترة الممتدة من (1996ـ 2001) استقبلت الهيئة 65 شكوى يدعي فيها أصحابها بوقوع أخطاء طبية لهم، أو لأقربائهم من قبل أطباء وممرضين في مشافي عامة وخاصة. وتشير الهيئة إلى أن عدد هذه الادعاءات ما هو إلا عدد قليل من مجمل حالات الإهمال الطبي التي تقع فعلاً، فهناك وفق الهيئة حالات إهمال طبي تحل بدون تدخل أو معرفة المؤسسات الرسمية أو الأهلية، إلى جانب وجود عدد آخر من قضايا الأخطاء الطبية التي تحل عشائريا، أو لا يتم تقديم شكوى بخصوصها. وكذلك فان هناك بعض القضايا التي لا يتم معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة نتيجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً بعيداً عن أي إهمال أو خطأ طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة محدث الضرر.

وبخصوص نقابة الأطباء الفلسطينيين فليس لديها إحصائيات دقيقة عن عدد الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة أو العامة، غير أنها كشفت عن تلقيها 160 شكوى بالخصوص في أعوام أربعة، 35 شكوى منها عام 2008، و39 شكوى عام 2009، و54 شكوى أخرى عام 2010، و32 شكوى خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2011. وقد تعددت هذه الشكاوى، بحسب النقابة، بين الكيدية والتحريضية والسعي للابتزاز، وبعضها كانت شكاوى موضوعية تعود إلى حدوث مغالطات أو مضاعفات منصوص عليها بالمراجع الطبية أو تعود إلى إهمال أو تجاوز، حيث تراوحت العقوبة التي اتخذتها النقابة ضد المخطئين والمقصرين ما بين اللوم والتوبيخ أو التحويل إلى النيابة العامة أو إغلاق عيادة الطبيب لمدة عام. غير أن النقابة لم تبين عدد الشكاوى الكيدية أو التحريضية أو التي كان فيها سعي للابتزاز أو التي اعتبرت أن ما حدث فيها يعتبر من قبيل المضاعفات أو أن فيها خطأ طبيًّا حقيقًّيا، ولا كيفية التعاطي مع هذه الشكاوى، وكانت معلوماتها محدودة جدًّا بهذا الخصوص


ضعف الرقابة أحد مسببات الأخطاء الطبية

كل هذا وذاك يقودنا الى المقولة المذكورة أعلاه الرجل المناسب في المكان المناسب، كلنا نعلم أن الطبيب يجب ان يكون من أصحاب الخبرات الواسعة والتركيز الدقيق، اذاً لماذا يحدث هذا؟

ما أسباب هذه الأخطاء؟

الإجابة واضحة أمامنا مفادها "أن الفساد الصحي ناتج عن المهزلة التي تحدث في اختيار الأطباء عند التوظيف وهذا تتحملهُ نقابة الأطباء بالدرجة الاولى وكذلك ناتج عن عدم تحضير طاقم مناسب من الأطباء وهذا تتحمله وزارة التربية والتعليم بشكل كامل اذ أن الطالب الذي يحصل على درجة 60٪ مثلا في امتحان الثانوية العامة تقبلهُ بعض جامعات العالم لدراسة الطب فيها، ثم يأتي الينا بخبرة قليلة ويتحكم بأرواح الناس".

الأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة في العالم، وليس في مشافينا فقط، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقاتٍ دائمة، وتوجد الكثير من الأمثلة عن الضحايا الذين سقطوا بسبب الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، فضاعت حقوقهم مع صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي. فالحديث عن ظاهرة الأخطاء الطبية في فلسطين أصبح أمراً واجباً، وضرورة بحثية ملحة، سيما بعد تزايد الادعاءات والشكاوى بوقوع أخطاء طبية، وتقصير بحق مرضى في المستشفيات الخاصة منها والعامة.